بقلم / عبدالكريم المدي

" استقرارُ اليمن جزءٌ لا يتجزأ من استقرار الدول العربية " ، " أخي المواطن اليمني : نحن من أجلك ولسنا ضدّك "
(القيادة المشتركة لعمليات عاصفة الحزم )

تلك هي بعض المنشورات التي تمطر بها طائرات السعودية والخليج مديريات محافظات ( صنعاء - ذمار - إب - حجّة - المحويت - صعدة ) وغيرها، كفاصل إعلاني ، ترفيهي بين مطر قذائف وصواريخ طائرات التايفون والإف والقاذفات الـ بي (52) وصواريخ البوارج المختلفة من شقيقة وصديقة والتي تُمزّق الأجساد وتحيل القرى والأحياء السكنية إلى أثر بعد عين .

ما يتحدّى الفهم هنا هو: كيف ينظر هوءلاء القادة من عسكريين ومدنيين لليمنيين، وكيف يتصوّرون بإن المواطنيين في هذه المديريات يُمكن أن يصدّقوا لهذه القصاصات الورقية والعبارات المكتوبة فيها ، فيما هي مثلاً،و قبل دقائق ً، من كل فاصل وفاصل ورقي، أو بعده تهدّم أمامهم قرى بكاملها على رؤس ساكنيها ..؟

وكيف يصدّق هوءلاء أنفسهم - أيضا - إن المواطن ممكن أن ينجرف مع هذه الأوراق والشعارات القادمة من السماء وهو يعلم إن أصحابها يقتلون كُلّ يوم وكل ساعة المئات من الناس الابرياءويدمّرون البنية التحتية وجميع مقدرات البلد ، وإنهم هم أنفسهم من يفرضون حصاراً قاتلاً على الشعب الذي يقولون إنهم هبوا لنصرته ، وكيف ينتظرون إلتفافاً ومناصرة من الناس ، الذين يعلمون إنهم هم أنفسهم من تسبب برفع سعر الـ (20) اللتر من مادّتي البنزين والديزل إلى أكثر من (30) ألف ريال ، إذا وُجِدت بالحظّ ، وإنهم هم أنفسهم من منعوا دخول المواد الغذائية لهذا البلد الذي يحبّونه كثيراً ، والذي لا يتوقف حبّهم وكرمهم له عند أبنائه المقيميين في الداخل ، بل تعدّى ذلك لأبنائه في الخارج الذين جعلوا الآلاف منهم عالقين في مطارات العالم منذ بداية العدوان وحتّى اليوم وعزّزوا ذلك بوقف كافّة التحويلات المالية من وإلى البلد المحبوب ..
صحيح وكما يُقال ( ومن الحب ما قتل ) .

عفواً نعود ونقول : هل يعتقدون ، بالفعل ، إن اليمنيين ، من زيود وشوافع وصوفيين وإسماعيليين وليبراليين وعلمانيين ومثقفين وشباب ونساء يُمكن أن تنطلي عليهم هذه العبارات والشعارات ، التي يطلقونها من قبيل إنهم جاؤا لحمايتهم من ظُلم وبطش وعقيدة الحوثيين ( يد إيران )؟ هل يعتقدون إن الناس هنا لم يفهموا ما في جوف تلك العبارات من معاني وأبعاد تصعّد المواجع والأحقاد إلى سقف رؤسهم مثل ينابيع من النيران والآلام وإنها لا تعدو مجرّد شعارات مفضوحة ،وما يجري بحقّهم وبحق بلدهم هو حرب شاملة تقتل الإنسان وتدمّر العمران وكُلّ مقومات الحياة ومقدّرات الدولة ، حرب تستهدف الكرامة والسيادة ولا تختلف كثيراً عن أي صِدام في الإرادات ، أوصراع في الأفكار والثقافات والنزعات في السيطرة والاستحواذ .

صدّقوني إنني حاولتُ كثيراً أن أكون في صفّ (العاصفة ) ومن أجل ذلك أستمعتُ مِراراً لمحاضرات وخُطب وفتاوى شيوخ العاصفة / ورثة الأنبياء وسراجات أمة الثراء والنفط ، وأحتفظ هنا بذكر اسمائهم، تأدّباً من جهة ، و من جهة ثانية ، كي لاأوفّر لمندوبيهم الأسباب ويُسارعوا لاصدار فتاوى تبيح دمّي ، تحت بند وفصل ( لحم العلماء مسمومة) ، المهم كنتُ أريدُ من هذا كُلّه أقنع نفسي للانخراط في فلك المناصرين والمزمّرين والمتهجّدين والمسبّحين بحمد ( العاصفة المباركة ) .
أنا الذي أدين بالمذهب ، الشافعي / السنّي ، أردتُ ذلك على اعتبار إن هوءلاء العلماء( الأتقياء ) طالما حاولوا ويحاولون اقناع الناس في المناطق التي تُدين بالشافعية تحديداً، أو كما يُحبّون أن يطلقوا عليها مصطلح قريب من نفوسهم وعقولهم التي لا تريد أن تكبر بـ ( السُّنية ) إنهم يدافعون عنهم وإنهم سيدخلون الجنة معاً من باب واحد ويغلقونه على من دونهم..

لكن في الحقيقة إنني كُلّما أستمعتُ لفتوى أو خُطبة لأحد هوءلاء المشائخ أبتعدتُ عن آخر نقطة أقتربتُ فيها من ( عاصفة الحزم / القتل / الدمار ) آلاف الأميال .. وبعد كُلّ مرّة من محاولاتي هذه الفاشلة أعودُ أتأمّل في الأشياء التي قامتْ وتقوم بها بحقّ بلدي ، محاولاً حصرنتائج صواريخها وحصارها وما خلّفته من واقع خلق ، لليوم ، قاموساً مختلفاً وجديداً، للألم ، أوجد مجلدات لا حصر لها من الروايات المغسولة بالدماء والدموع ..

بعد كُلّ محاولة يدفعني إليها حُرّاس ( العقيدة ) النقية أعودُ لا أرى هذه الحرب الظالمة إلّا في أجساد الأطفال والنساء والشباب الممزقة ، في طوابير الناس في الشوارع التي تمتدُّ إلى ما وراء المنظور وهم يبحثون عن (دبّة ) ماء ، بنزين ، أسطوانة غاز .

لا أرى هذه ( العاصفة ) واللحى الطويلة لمشائخ الفتوى الذين يبيحونها ، إلّا في الدمار الذي حوّل آلاف الأسرلمشرّدة في الشوارع والأزقة يفترش أطفالها ونساؤها الأرض ويلتحفون السماء ، ولا أرى هذه الحرب إلّا في أصوات قومي الذين فقدوا أحباءهم ، لا أراها ، إلّا في أصوات إنفجارات الصواريخ التي تهزّ الأرض من تحتنا في ساعات الفجر الأولى وفي كُلّ وقت وحين ..

أنا السُّنّي ، الشافعي ، الصوفيّ ، الحنفي الذي هبّتْ العاصفة لتنقذني ، غير أني لم أرَ فيها إلا شفرات السكاكيين وهي تُحدُّ على أيدي داعش / فرع اليمن .

نعم أنا السُّنّي الذي لم يرَ (العاصفة ) في نسختها الثانية (الأمل ) إلّا في الدمار والخراب والظلام والظمأ والخوف والحياة التي تدهورت والأحلام التي تلاشت والتعاييش الذي تبعثر.!

أنا السُّنّي / الشافعي الذي أستيقظ ليجد في ( العاصفة ) التي هبّتْ لانقاذه إنها العدوان الذي يُريدُ اسقاط القيم ،وكُلّ المقدّسات التاريخية والدينية والحضارية لشعبه ..

أنا السُّنّي الذي يرى ( العاصفة ) بأنها محاولة حثيثة للدّفع ببلدي بأقصى سُرعة نحو الكارثة والضياع وكهنوت الصراع والاختباء والمجهول..!

أنا السُّنّي الذي صحا ذات يوم فوجد إن من اراد الدفاع عنه إنّما يُحاول محاصرته وإرساله على أجنحة التيه المتطايرة من طائراته في كُلّ الدروب..

أنا السُّنّي الذي صرتُ مقتنعاً بإن هذه الحرب التي تُشنُّ على وطني مجرّدة من الرحمة والإنسانية وأي أهداف أخلاقية ونبيلة ..

أنا السُّنّي الذي صار على يقين تامّ بأن هذه الحرب تسعى لجعل الناس عطشى لرضا أصحاب السمو ، عبيداً لعطايهم ، مطية لمشاريعهم ..

حول الموقع

سام برس