بقلم / محمد قائد العزيزي
لــم يعد الفســاد ظاهرة تلاحــق الأنظمــة والحكومات المحلية، وإنما أصبح الفســاد جائحة عابرة للحدود، فالمال والورقة الخضراء تحطــم كل المبادئ والأهداف الساميــة، ولهــذا نــرى اليــوم تساقــط شخصيــات ورمــوز عالمية بعواصف الفساد والمــال المدنس، فالمثل الشعبــي اليمنــي الشائــع يقــول" (القــرش يلعــب بحمــران العيون).. وهــو توصيف حكيــم وتشخيص واقعي لما يتسبب به المال من كوارث وجرائم وانحطاط أخلاقي للإنسان. فضيحــة الفســاد التي عصفت بالاتحــاد الدولي لكرة القــدم "الفيفا" وتساقط كل أعضاء الاتحاد وموظفيه بما فيهــم رئيس الاتحــاد جوزيف بلاتــر على خلفية تورطهم باستلام أموال طائلة عند إقرار الاتحاد ملف اللعبــة لروسيــا عــام 2018م والقطري لعــام 2022م..

بالمــال والرشــاوى وشراء الأصــوات والذمــم تمكنــت دولــة قطر من انتزاع استضافــة الحدث العالمي كأس العالم عام 2022م متخطية بذلك كبرى الدول العالمية ذائعــة الصيت باللعبــة والإمكانيــات والمنشآت، ولكن القــدرة المالية إلى جانب تقديم قطر الرشاوى لأعضاء "الفيفــا" والعاملــني فيــه بهــدف الحصول عــلى هذا الشرف وعلى حساب دول عظمى في هذا المجال.

إذاً الأمــوال القطريــة أفســدت أكــبر منظمــة عالميــة جماهيريــة وجعلــت المسؤولــني فيهــا يتهــاوون ويتساقطــون واحــداً تلــو الآخــر كــأوراق التــوت وكــان آخرهــم بلاتــر الــذي قــدم استقالته بعــد فوزه بالانتخابات وما هذا إلا دليل على تورط الرجل ورفاقه بالمال القطري.

السعودية هي الأخرى استخدمت المال وأسكتت عدة منظمــات دوليــة في مجالات حقــوق الإنســان والمرأة والطفل، ومنظمــات إغاثية، لم تقف عند هذه الحدود بل أفسدت أعلى منظمة دولية "مجلس الأمن الدولي" فقــد استطاعــت بضــخ المــال الغزير تسيــير مجلس الأمن والــدول الدائمة العضوية والمراقبة، فهي تفرض وتستصــدر قراراتــه أو شراء هــذه القــرارات بالمــال..

السعودية أفسدت أخلاق هذه المنظمات وبالذات تلك المهتمة بالحقــوق والحريات، مجلس حقوق الإنسان والمرأة التابع للأمــم المتحدة أخرسته السعودية بالمال وأجبرته نهايــة العام الماضي على إصــدار تقرير هزيل جــداً عــن حقــوق الإنســان في السعوديــة على عكس التصريحات لهذا المجلس قبــل إصدار التقرير، ورغم التقاريــر الحمليــة ومنظمات إقليمية أكــدت فيها أن السعودية من أكرث دول العالم انتهاكاً وامتهاناً لحقوق الإنسان للمرأة والمواطن السعودي.

في حربها عــلى اليمن وبالمال أيضــاً اشترت السعودية مواقــف الــدول الدائمــة العضوية وأجبرتهــا ومجلس الأمن على إصدار عدة قرارات ضد اليمن آخرها القرار رقم 2216.. ليس هذا وحسب بل جعلتهم يجيزون لها القتل واستباحة الدماء والأجواء وحصار اليمنيني براً وجواً وبحراً..بل جعلتهم يصمتون, أمام الجرائم التي ارتكبتهــا وترتكبها بحــق الأطفال والنســاء والشيوخ والعــزل، رضــوخ هــذه المنظمة أمــام المــال السعودي الذي تــم ضخه للدول الأعضاء، وبالمال أيضاً أعاقت عمــل المنظمــات الإغاثيــة التابعــة للأمــم المتحــدة والمنظمــات الإنسانية الأخــرى المتواجدة في جيبوتي أو باليمن وذلــك من إيصال المساعدات خلال الهدنة، ومارســت عليها ضغوطاً كبيرة مالية ورشاوى أجبرتها على الامتثال لأوامر وتوجيهات المسؤولني السعوديني في توقيف المساعدات الإغاثية للشعب اليمني لمبررات
واهية.

لــم تتوقف همجيــة النظام والمال السعــودي عند هذا الحــد، بل جعلت من هــذه المنظمــات المعنية بحقوق الإنســان، منظمــات تابعــة خانعــة طائعــة للنظــام السعــودي بعملهــا وتقاريرهــا التــي تمكــن وتعطــي العدوان شرعية وتظهره بأنــه نظام وديع وليس نظاماً بطائرات مجرماً يحــاصر شعبــاً ويقتله جوعاً وقتــلا الموت والقصف العشوائي واستهداف المدنيني.

دول الخليــج عصفت بالمنظمات الدوليــة وجرتها إلى مستنقع ووحــل الفساد وأفقدتهــا هيبتها وشرعيتها ونزاهتهــا، والدليــل فضائــح الفســاد التــي تتكشــف وتتفشى في أروقة هذه المنظمات وحولتها من منظمات داعيــة للسلام وحقــوق وكرامة الإنســان إلى منظمات فاســدة والمسؤولني فيهــا إلى مرتزقة مرتشني مشاركني في انتهــاك الكرامــة والحقــوق البشريــة التــي ظهرت وأنشئــت هــذه المنظمــات لأهــداف ساميــة مناهضة للأنظمة المستبــدة والظالمة التي تصادر تلك الحقوق من شعوبها.

لو لم تكن هذه المنظمــات الدولية والحقوقية والأممية في تعاملاتهــا مع مختلف القضايا والصراعات الدولية ّ فاســدة وتسيرها الدول الغنية لما كانت تكيل بمكيالني والإقليمية، على سبيل المثال لا الحصر أصدرت منظمة هيومــن رايتس ووتش تقريــراً لها جر بشــار الأسد بأنــه ينتهك حقــوق الإنســان والأطفال ويحــاصر الشعب السوري ويمنع المساعدات والغذاء عــن العديد من المــدن السوريــة، بينما هــذه المنظمة نفسهــا ومثلهــا الكثــير مــن المنظمــات لم تــدن حتى
مجــرد إدانــة النظام السعــودي الذي يقتــل الأطفال والنساء والأبريــاء وحتى المعاقني حركيا وتستهدفهم بالصواريــخ والمدفعيــة والقصــف بالطائــرات وبدون هــوادة ولا تميز بني الأهــداف العسكرية والمدنيني كما هو معمول به في الحروب.

إذاً مواقف هذه المنظمات تكشفت خلال الفترة القليلة الماضيــة وتعــرت أكــثر عندمــا تهــاوت سمعتهــا أمام الأمــوال الخليجيــة، وبدأت تتساقــط رموزها في وحل الفساد المالي، ولعل فضيحــة بلاتر وموظفي " الفيفا" لأكــبر دليل على سقوط أخلاقيــات ومبادئ وشعارات هذه المنظمات الدولية التي كان العالم يكن لها كك الاحترام ويضع لانتقاداتها وتقاريرها وتدخلاتها ألف ُ هــذه المنظمــات الدولية التي كــان العالم يك
حساب حتــى جاءت أموال الخليج لتفسد أخلاقيات وسلوكيات والمبادئ السامية لهذه المنظمات.
نقلا عن صحيفة الثورة

حول الموقع

سام برس