بقلم / د. صبري صيدم
رسول كريم أصيل جاء ليتمم مكارم الأخلاق ويفتتح رسالته بإقرأ ويبعث الأمل والنور والبشرى، لا يمكن أن يقرن باسمه إفك هذا الزمان وجنونه وإخفاقاته.
فباسمه ينتصر الناس للإخاء والتعايش لا للقتل المذهبي وسفك الدماء، وبأخلاقه يتناغم المسلم مع الحياة في رباط وثيق من العلم والخلق والتسامح والمودة.
تعليم وعلم ورسالة تحتاج إلى انقلاب شامل في مسار تفكير البعض لاستعادة البوصلة، ووقف مسلسل المآسي التي نعيشها اليوم بحرب مضادة تواجه الجهل والشطط والتعصب، حرب ترسم طريقا جديدة لحياة تزرع الأمل بالعمل والعيش الكريم وتغير قواعد اللعبة الجاثمة على عقولنا ووجداننا. فعواصم التاريخ والثقافة والإبداع والنهضة باتت اليوم عواصم للتفجيرات والقتل والدماء، بصورة لم يعد يمر يوم في حياتنا إلا ويلوث المشهد بقتل هنا وقصف هناك.

عالم عربي مجنون بحكم التآمر والتقهقر وافتراس الطامعين وانتصار الشر، لا بد أن يشتق لنفسه طريقا جديدة ينقلب فيها على ما بات يسكن بعض القلوب والعقول من تشريع لتصرفات حزينة ومأساوية، وتبرير للتنكيل والجريمة.
عالم يجب أن يرفض أن يعطي أحد لنفسه الحق باسم الله سبحانه وتعالى أو الدين، أيا كان، أن يكفّر ويخوّن أو «يعهــــّر» أحــــدا. فكلنا بشر متساوون في الحقوق والكرامة، والغريزة الرئيسة في حب الحياة والعيش الكريم.
إن إمعان البعض في التطرف والغلو لا يمكن إلا أن يقابل بإصرار كبير على الاستثمار الأكبر والأوسع في التعليم، أينما أمكن وكيفما أمكن، تجسيدا لرؤية الرسول محمد (صلى الله عليه وسلم)، في الأخلاق والتسامح والسمو ورفعة الخلق. رسول ديدنه الرئيس التسامح والمحبة ورسالة عطر بها الإسلام وطهر بها قلوب من أحب. لذلك لا للاستسلام للقتل ولا للإذعان للتنكيل ولا لاستخدام الدين وتطويعه لإرضاء النزوات والرغبات، ولا لكل من ينصب ذاته ملاكا أو قديسا أو إماما يوزع الألقاب والتهم والاتهامات.
إن رفض الظلم والثورة عليه لا تعني إشهار السلاح وقتل الروح، وإنما أيضا بحراك مجتمعي يبحث في مسببات التطرف ومحاولة علاجه والشروع فورا في ذلك العلاج كتطوير نظم التعليم والاهتمام بتشغيل الشباب ومكافحة الفقر وتشجيع مفاهيم الريادة والمبادرات الخلاقة.
إن مقارعة الحديد بالحــــديد لن تعــــني إلا المزيد من الدماء والتمترس والقــــتل بصــورة لن تجعــــل لقائمة الرحمة في كتب التاريــــخ أي متسع للرحمة والمـــودة والعلاج بمســــؤولية.
لذا فإننا بحاجة إلى انقلاب على الحال الذي نعيش وثورة عارمة في وجه التخلف وانهيار النظم التي زرعت في صدورنا منذ الصغر.

مطلوب انقلاب اجتماعي يؤلف بين الناس ويجمعهم على الحق ويثنيهم عن الباطل ويعلي رسالة الأنبياء الخالدة ويؤسس لمدرسة جديدة من الأخلاق والوئام والتآخي. فلو كانت هموم العرب قد أحدثها غيرهم من الطامعين فإن حلولها لن يأتي بها إلا هم ذاتهم لتستمد قوتها من تاريخ عريق ألف بين الناس وجمعهم على النتاج الفكري والمعرفة وقبول الآخر.
دروس العرب في تاريخهم، ودروس التائهين في نتائج أفعالهم، ودروس الطامعين في انكفائهم وتقهقرهم. انكفاء لن يولد إلا بتساوق الجهود المجتمعية نحو الانقلاب على الواقع الذي نعيش!

٭ كاتب فلسطيني

حول الموقع

سام برس