سام برس
“راي اليوم”

وصية هيكل للمصريين وتبريره لعزوفهم عن الانتخابات جاءت مفاجئة للكثيرين.. لكن انتقاده لابتعاد مصر عن سورية والعراق وجرأته في الحديث عن القتال في اليمن وتصوراته لمستقبل الخليج كان لافتا.. هنا نتفق معه ونختلف

في ظل حالة “القحط” الاعلامي التي تعيشها مصر حاليا، بل ومنذ سنوات، تظل آراء ومقابلات الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل تحتل مكانة متميزة لدى الكثير من القراء، لما تنطوي عليه من معلومات، ووجهات نظر، تجاه العديد من الاحداث التي تجتاح المنطقة العربية هذه الايام.

آراء السيد هيكل تظل دائما موضع اختلاف الكثيرين ايضا خاصة تلك المتعلقة بدعمه للرئيس عبد الفتاح السيسي الذي يرى البعض انه قاد انقلابا عسكريا اطاح بأول رئيس مصري منتخب في التاريخ المصري بشقيه القديم والحديث.

في مقابلته الاخيرة مع المذيعة لميس الحديدي فاجأ السيد هيكل قراءه ومتابعيه عندما حاول تبرير عزوف الشباب عن المشاركة في الانتخابات البرلمانية الاخيرة، والتقليل من اهمية هذا العزوف بقوله انه ممن “يتمنون الديمقراطية ولكنها في رأيه ليست سلعة، وانما ضرورة يجب ان تتوفر لها شروطها”، موضحا “ان الاقبال على الانتخابات كان ضعيفا جدا بسبب ان لا احد قدم قراءة مقنعة للمستقبل”.

هنا نختلف مع السيد هيكل، وكنا نتمنى لو كان اكثر صراحة ووضوحا، فهذا العزوف عن المشاركة جاء لوجود قناعة لدى الناخب المصري، بعدم جدوى الذهاب الى صناديق الاقتراع، لانه يعلم جيدا ان صوته لن يغير من الامر شيئا، لان النتائج معروفة مسبقا، وان البرلمان المقبل لا يعكس صورة تمثلية حقيقية للشعب المصري بكل فئاته وطبقاته، وسيكون من لون واحد فقط، اي اللون الذي يعبر عن مزاج الحكومة وقراراتها ويصفق لسياساتها، وهذا في حد ذاته يشكل تناقضا مع قيم الثورة المصرية ودماء ضحاياها وشهدائها.

اختلافنا مع السيد هيكل في نظرته للاوضاع المصرية الداخلية لا يعني اننا لا نتفق معه، كليا او جزئيا، في نظرته الى القضايا العربية والاحداث الجارية في المنطقة، خاصة عندما قال في المقابلة نفسها ان مصر اخطأت ببعدها عن سورية والعراق، واكتفت بالمشاهدة، واكد “ان معظم دول الخليج، وخاصة المملكة العربية السعودية تعاني الآن من عاصفة داخلية ستكون لها تأثيراتها على المنطقة بأسرها”، وذكر ان هناك مذابح في اليمن وقتلى بالمئات يسقطون يوميا في الحرب الدائرة في هذا البلد”.

المثلث المصري السوري العراقي هو المثلث الذي ترعرعت على زواياه الحضارة الانسانية والعربية على مدى اكثر من ثمانية آلاف عام، وخروج مصر من هذا المثلث في الفترة التي بدأت بتولي الرئيس السادات للحكم، وحتى هذه اللحظة، لعب دورا كبيرا في حالة الانهيار الدموية التي نشاهدها حاليا.

مصر هي القاطرة فعلا، ولكننا نريدها قاطرة ديمقراطية تسودها العدالة الاجتماعية والسياسية وتنتصر لقضايا الامة، وتنحاز للفقراء والضعفاء، ولا نعتقد ان هذه المواصفات الرئيسية والاساسية تنطبق عليها حاليا، وهذا يحتاج الى شرح مطول لا يتسع له المجال في هذه الزاوية.

السيد هيكل يقترب من المئة عام من عمره، ونتمنى له المزيد من الصحة والعافية، ولكنه مطالب، بأن يكون اكثر صراحة ووضوحا هذه الايام، والايام المقبلة في تناوله لاوضاع مصر والمنطقة العربية بأسرها، وهو يعرف ماذا نقصد بذلك، وان ينحاز الى الديمقراطية والمصالحة الوطنية واحترام الحريات.

اعترافه بأنه يعيش في زمن غير زمانه، اعتراف مهم، ولكن هذا لا يعفيه من قول الكثير بجرأة وشجاعة، وان يكون وفيا لزاويته الاسبوعية التي كنا ننتظرها دائما في صحيفة “الاهرام” وتحمل عنوان “بصراحة”.

حول الموقع

سام برس