بقلم / عبدالباري عطوان
استبعاد روسيا من عشاء باريس حول الازمة السورية الى احد صور “المناكفة الدبلوماسية” وسيكون “مظاهرة احتجاج” للمهمشين فقط.. محاولة اعادة الحياة لمنظومة “اصدقاء سورية” محكومة بالفشل لانها تحللت وتعفنت

ربما لا نبالغ اذا قلنا ان السيد ابو بكر البغدادي زعيم تنظيم “الدولة الاسلامية” يفرك يديه فرحا، وهو يتابع حالة الارتباك التي تسود التحالف الدولي، الذي يريد اجتثاث “دولته” من “اراضيها” على جانبي الحدود السورية العراقية.

التعاطي الدولي والعربي مع الازمة السورية في الوقت الراهن ينطوي على تناقضات كبيرة، بعضها يصل الى درجة “الكوميديا السوداء”، او بالاحرى “المناكفة” الدبلوماسية على طريقة “الضرائر”، وهي مناكفة تأتي من تحت ابط ثقافة معروفة في الارياف والبوادي العربية.

والا ماذا يمكن تسمية عشاء العمل الذي دعت الى عقده وزارة الخارجية الفرنسية مساء الثلاثاء في باريس لبحث الازمة السورية، وجرى توجيه الدعوة، مثلما قال لوران فابيوس، الى “الشركاء الاساسيين الملتزمين مع فرنسا بحل الازمة السورية، وهم المملكة العربية السعودية، والامارات، وتركيا، وقطر، والمانيا، وامريكا، وايطاليا، وبريطانيا؟
***
فرنسا التي ابعدت من المشاركة في اجتماع فيينا الرباعي يوم الجمعة الماضي، ارادت ان تشكل معسكرا موازيا من “المرفوضين” او “المهمشين” في الملف السوري، ولذلك اقدمت على هذه الخطوة، خاصة انه جرى استبعادها كليا، وبشكل متعمد، من الدولتين العظميين من الجولة الثانية من لقاء فيينا الذي من المقرر ان يكون موسعا، وتضاف اليه دولا اخرى مثل ايران ومصر والدول المجاورة لسورية.
اللافت ان فرنسا دعت وزراء خارجية ثلاث دول مشاركة في اجتماع فيينا الرباعي، وهي امريكا وتركيا والسعودية، واستبعدت روسيا، ومن قبيل العناد لا اكثر ولا اقل.

عشاء باريس مجرد مظاهرة احتجاجية غاضية، فكيف يحقق اي نجاح في اهدافه المعلنة، وابرزها التوصل الى حل سياسي للازمة السورية، واكثر دولتين حضورا في هذه الازمة، وهما روسيا وايران جرى استبعادهما كليا، ولم توجه اليهما الدعوة للحضور؟

من المؤكد ان فابيوس وزير خارجية فرنسا يعلم جيدا ان “روسيا بوتين” مختلفة كليا عن روسيا غورباتشوف ويلتسين، وانها موجودة حاليا بقوة على الارض السورية، من خلال قاعدتين جويتين، وثالثه بحرية، وطائراتها تلعب دورا مفصليا في قصف مواقع الفصائل والجماعات المعارضة للنظام السوري، جهادية كانت او علمانية، وهذا يعني انه من المستحيل التوصل الى الحل السياسي المنشود دون حضور روسيا على الاقل.

لا مانع من ان يلتقي “المهمشون” على مائدة وزير الخارجية الفرنسي، ويعبرون عن احتجاجهم على هذا التهميش بصوت عال، ويعود كل منهم الى بلاده، وقد نفّس عن كل ما في داخله من غضب، ولكن الرسالة التي تريد فرنسا وحلفاؤها ايصالها الى روسيا والولايات المتحدة اللتين استبعداها ستكون ركيكة، وضعيفة، ولن تحقق اي نتائج عملية، بل قد تعطي نتائج عكسية.

***
عشاء باريس مجرد محاولة لاعادة استنساخ منظومة “اصدقاء سورية” التي تآكلت واندثرت، وهي المجموعة التي ضمت معظم الدول المشاركة في هذا العشاء، واعطيت فرصة لمدة خمس سنوات لحسم الملف السوري لصالح حلفائها في المعارضة السورية المسلحة، ولكنها فشلت فشلا ذريعا في هذا المضمار، ونحن لسنا في زمن معجزة احياء الاموات، فهذه مهمة خارج قدرات وزير الخارجية الفرنسي على اي حال.
المناكفات الدبلوماسية لن تساهم في الوصول الى حل سياسي لازمة طالت، وازدادت دموية، وانما بالمزيد من التعقيدات، ووضع العقبات في طريق هذا الحل، ومن يعتقد يغير ذلك يغالط نفسه ويخدعها، وليس الآخرين.

كثرة عدد الطباخين يفسد الطبخة، بل يحرقها، و”حرب المؤتمرات” هذه المشتعلة اوارها احدث النماذج في هذا الصدد، الامر الذي يؤكد ان كل الحديث عن الحلول السياسية في سورية، مجرد اكاذيب ومراوغات، ومناكفات والضحية هو الشعب السوري.
نتمنى عشاء شهيا للمشاركين في لقاء باريس، والعرب من بينهم على وجه الخصوص، وللشعب السوري الصبر والسلوان.
رأي اليوم

حول الموقع

سام برس