بقلم / عبدالكريم المدي
بسبب انسداد الأفق وارتفاع حصيلة القتلى المدنيين في اليمن وعدم وجود أي بارقة أمل في خلاص قريب لهذا الشعب ، اتصل بي صديق عزيز / رجل أعمال مثقف ومتنور قائلاً لي : أريد أن أسألك وتُجيبني بصراحة : قلتُ له تفضّل : قال: ما هو السبب الحقيقي والمقنع لقيام السعودية بشنّ هذه الحرب الشعواء على اليمن ومحاصرته وماالجدوى من استمراريتها ؟هل هو بسبب تدخُّل إيران في اليمن الذي لم نلحظه ،أم أن هناك تهديداً حقيقياً وخطيراً للسعودية والخليج مصدره هذه الجغرافيا،وإن كان هناك فما نوعه؟

قلتُ له بعد أن تفاجأتُ بسؤله الملفت حقّاً : في الحقيقة هذا سؤال يُؤرّق الكثير من الناس وخاصة فئة المتنورين الذين يعتمدون في أحكامهم على الأشياء بالبراهين والأدلة العقلية الملموسة وليس على الظنون والشعارات والإعلام الموجّه، وأعترف إنني لم أجد له إجابة مقنعة، كما كان من الصعب عليّ أن أمنع نفسي من الانشغال بتساؤله والتوقّف عنده كثيراً.

المهم بالفعل أنه وبضوء نتائج هذه الحرب المجنونة التي لا عنوان لها يصحُّ ، بل يلحُّ مثل هذا التساؤل الذي تفضّل به الصديق الحميم، فالناس هنا يُريدون سبباً وجيهاً للحرب ،ودليلاً اضافياً للأدلة التي سُوِقت وتُسوّق ،على أن تكون طبعاً، غيرأدلّة وحُجج (إعادة الشرعية ).

عدد هائل من المتابعين،بمن فيهم الشرائح الصامتة والمستقلة غير المتحزّبة أو المؤدلجة ،وبكثافة منطقية وواقعية لا تتزحزح ، لا يجدون مبرراً واحداً يُقنعهم في إعلان المملكة حربها المفتوحة على هذا البلد واستمراريتها كل هذه المدّة ،سيما والفاتورة المكلفة لها ترتفع يوماً عن يوم ،ومظاهر الخراب والموت والحصار تبدو مخيفة وواقفة كالأشباح التي تُعرب عن نفسها في ليلة مظلمة ذات طقس سيء، في مدينة مهجورة.

هل تعلمون إن مظاهر العصر والحياة في اليمن صارت تذبل وتموت ،المتناقضات تتسيد المشهد ، الإرهاب يحلّ محلّ الدولة ويُقدّم له كل أشكال الدعم والرعاية بمافي ذلك أحدث الأسلحة ووسائل الإتصالات، ومع هذا لم نسمع أحداً يدقّ ناقوس الخطر في الرياض أو واشنطن ،أو لندن أو باريس، كما لم نسمع ،أيضا ، أي رؤية أو وجهة نظرمحترمة وجديدة للحل تسبح في فضاء وطني ،عصري إنساني ، وليس في فضاء من الضياع والخداع وأنهار الدماء.

(12) مليون شخص بحاجة ماسّة لمساعدات إنسانية عاجلة ، و(5) ملايين عامل خسروا وظائفهم ، وحوالي (25) ألف مدني قتلوا وجرحوا منذُ (26) مارس 2014،وأكثر من ثلاثة ملايين مشردين ولاجئين في الداخل ،ومليون ونصف المليون طفل بحاجة عاجلة للغذاء والدواء ،وما يربو عن (80%) من مرافق الدولة ومنشآتها دُمّرت تماماً، ونصف مساحة البلاد على أقلّ تقدير انتشر فيها إفيون الفوضى والإرهاب.

لن أضيف المزيد من وجع الرأس ، لكن في الحقيقة وأمام هذا الواقع المفزع تقفز تساؤلات مشروعة من قبيل : يا تُرى في مصلحة من يصبُّ تحويل هذا الشعب لجائع ومشرد وخزّانات لإنتاج الإرهاب وجعله يختنق بهذه الطريقة،وكيف تُفكّر القوى السياسية اليمنية التي تسببت بكل هذا التجريف الحاصل بوطنها، ومعها السعودية ودول التحالف والشرق والغرب، وهل ما نزال في بداية السُّلّم ، أم آن الأوان قد آن لتأخذ الجميع هذه الصعقات الكبرى للصحو ؟

الحروب لا تُنسى ونتائجها التدميرية لا تُمحى من الذاكرة ، لأن حقّ الذاكرة يظل مصوناً تسترجعه الأجيال الصاعدة واللاحقة ،من دون أن يندثر،وبالتالي لا ينبغي أن يُنظر لها بنظرة آنية ودونية ، لأنها – كما يرى الأستاذ محمد حسنين هيكل – دائمة وليست معلقة برجل واحد ، أو نظام واحد ، بمعنى إذا كانت السعودية وتحالفها تُحارب الرئيس السابق علي عبدالله صالح ، أو عبدالملك الحوثي ، فإن نظرتها خاطئة ألف في المئة، لأنها في حقيقة الأمر تُحارب اليمن واليمنيين ، ولم تمسّ صالح ،أوالحوثي بشيء ،وقد سبق وأكدا الاثنان هذا الكلام في أكثر من مناسبة .

على المستوى الشخصي أقدّر للسعودية والخليج تخوفهم من إيران وأخبار تصدير ثورة الخميني ،لكن هذه الدول التي تمتلك إمكانيات ضخمة جدا ، ماذا قدمت لنفسها من أشكال التحوّط المشروع والحماية ، وكيف حصّنت مجتمعاتها علمياً وحضارياً وتكنلوجياً ومعرفياً واجتماعياً وقومياً من أي اختراق ،أو تهديد ،سواء كان إيرانياً ،أم غير إيراني ، خاصّة وهي التي تعوم على بحورمن الذهب الأسود وبنوك الغرب ممتلئة بأموالها، أما الأمر المحير والذي يتحدى الفهم في هذا الميدان ، فيتمثّل بمطالبتها من اليمنيين بأشياء ليست بأيديهم، ومنها تقريباً محاربة إيران التي يُقيم الخليج معها علاقات دبلوماسية وتجارية عالية المستوى ،بل ويوقع معها اتفاقيات أمنية ودفاع مشترك.

واللافت أكثر هو أنهم يطالبون من اليمن القيام بدور كهذا ، بعد أن تركوه لأكثر من (40) عاماً ولم يقدموا له شيئاً، ذا بال، أو يُسهموا في تعليم وتشغيل مئات الآلاف من شبابه الذين يُتّهم عدد منهم حالياً بأنهم يُقاتلون مع الحوثي ،ويهتفون بحياة الإمام (الغائب) ،ويرددون شعار الصرخة ( الموت لأميركا ) الذي يعتقد خصومهم أنه إيراني الماركة والمنشأ.

لقد تعامل الأشقاء في الخليج مع اليمن وملفّاته التي أهمها الملف الاقتصادي بعباطة واستخفاف شديدين،ولم يقدموا يوماً رؤى وخططاً اقتصادية فاعلة في الحاضر وقادرة في المستقبل تضمن لهم بقاء اليمن مصدر قوة، وليس مصدرخطر وضعف، وليس ذلك فحسب،بل أنهم حقروا من هذا الشعب وظلوا على الدوام يأنفون عن الاعتراف به وباحتياجاته بكبرياءوغطرسة، ولم يجربوا ولو مرّة واحدة أن يحسسوه بشيء من الشراكة والتقدير ومشاعرالحب،( بالحق يمكننا عمل الكثير ، لكن بالحب أكثر ) وليم شكسبير.

مرّة ثانية وثالثة أقرُّ بأنني لم أجد إجابة مقنعة لصديقي العزيز الذي سألني عن سبب هذه الحرب وتناقضاتها ،التي تقودنا بصورة مرعبة إلى المجهول وليس إلى جسر المستقبل والسلام والتنمية ،لهذا بدوري سأعكس السؤال نفسه للأحزاب اليمنية ، للسعودية والخليج ،للجامعة العربية والأمم المتحدة وأميركا :

ما سبب هذه الحرب اللعينة على اليمن ،ولماذا لم تحاولوا ايقافها وحل الخلافات التي ادت إليها،ولماذا إنسانيتكم توقّفت عن العمل تماماً تجاه الأوضاع المأساوية التي يمرّ بها أكثر من (25) مليون إنسان ،قلوب معظمهم مكلومة ومتعلقة بأهالي الضحايا والمحرومين والجوعى وكأن كل واحد منهم صار واحداً من كل بيت يمني منكوب وحزين ومشرّد ؟
نقلا عن رأي اليوم

حول الموقع

سام برس