الاعلام المصري ما زال ينكر نظرية تفجير الطائرة الروسية بقنبلة.. ويتهم بريطانيا وامريكا بشن “عدوان ثلاثي” جديد على مصر.. لماذا كل هذا الغضب؟ وهل هناك علاقة بمفارقات زيارة الرئيس السيسي للندن؟

يشن الاعلام المصري هذه الايام حملة شرسة على الدول الغربية التي رجحت فرضية وجود عمل ارهابي وراء اسقاط الطائرة الروسية بعد اقلاعها من مطار شرم الشيخ، وعلى متنها 224 راكب، متحدثا في الوقت نفسه عن وجود مؤامرة انجلو امريكية ضد مصر بسبب تحالفها المتنامي مع روسيا الاتحادية، وتوقيع صفقات اسلحة متطورة معها، لاول مرة منذ توقيع اتفاقات كامب ديفيد عام 1979.

وتأتي هذه الحملة بسبب اقدام مسؤولين بريطانيين وامريكيين على ترجيح اسقاط الطائرة نتيجة قنبلة جرى زرعها في حقائب المسافرين، وتعليق جميع الرحلات الى مطار شرم الشيخ، ودون انتظار نتائج التحقيقات في اسباب هذه الكارثة.

لا جديد في مثل هذه الحملات الاعلامية، كما انها ليست مستغربة على الاطلاق، وغالبا ما تعطي نتائج عكسية تماما، لما تنطوي عليه من تهجمات لا تستند الى الحقائق الموثقة.

فتشبيه ما حدث في شرم الشيخ بالعدوان الثلاثي على مصر، مثلما ظهر في رسم كرتوني في احدى الصحف المصرية الكبرى، امر مبالغ فيه كثيرا، وينطوي على الكثير من السذاجة، والشيء نفسه يقال ايضا عن رسم آخر يظهر “بسطار” عسكري فوق صحف بريطانية مثل “اندبندنت” و”تلغراف” و”ديلي ميل”.

نعتقد ان هذه الحملة الاعلامية تأتي بسبب اقدام ديفيد كاميرون رئيس الوزراء البريطاني على “احراج” الرئيس عبد الفتاح السيسي اثناء زيارته الرسمية الى بريطانيا، بخروجه عبر وسائل الاعلام بعد ايام من الكارثة، والجزم بأن التفجير كان نتيجة عمل تخريبي ارهابي في وقت كانت السلطات المصرية لا تستبعد كل الاسباب الاخرى، بما في ذلك الخلل الفني وتتشدد في مطالبها بضرورة انتظار النتائج الرسمية للتحقيقات وتحليل المعلومات في الصندوقين الاسودين.

نقطة اخرى على درجة كبيرة من الاهمية اثارت غضب السلطات المصرية، وتقف خلف هذه الحملة، تتمثل في نشر افتتاحيات قوية في صحف بريطانية رئيسية تنتقد زيارة الرئيس السيسي للندن، وتتهمه بالاستيلاء على السلطة من خلال انقلاب عسكري، وتنشر وقائع موثقة حول سجل انتهاك حقوق الانسان للسلطات المصرية، من بينها احكام بالسجن المؤبد والاعدام لآلاف المعتقلين من معارضي النظام.

ويغيب عن ذهن المسؤولين المصريين الذين اعطوا الضوء الاخضر لانطلاق هذه الحملات: الاول، ان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حليف مصر الجديد هو الذي اتخذ قرارا بوقف رحلات طائرات بلاده الى مطار شرم الشيخ، واجلاء جميع السياح الروس لاحقا، والثاني هو ان الحكومات الغربية والشرقية معا تضع امن وسلامة رعاياها فوق كل الاعتبارات الاخرى، ولا تتوانى مطلقا في اتخاذ كل الاجراءات التي تحقق مثل هذا الهدف، لانها اي الحكومات الغربية، تحاسب بشراسة من قبل البرلمانات المنتخبة في حال اي اهمال في هذا المضمار.

لا نستبعد مطلقا نظرية المؤامرة ضد الامة العربية، لاننا نعيش اخطر فصولها التي تتمثل في التدخلات العسكرية في بلداننا، وتغيير انظمة، وقتل الملايين من الابرياء تحت اكاذيب حقيقية ومفبركة في معظم الاحيان، وآخرها اسلحة الدمار الشامل العراقية، ولكن دس قنبلة في حقائب ركاب نتيجة تسيب امني ليس امرا مقتصرا على مصر، ومطار شرم الشيخ بالذات، فلندن افاقت على تفجيرات قطار الانفاق في تموز (يوليو) عام 2005، وسبقتها تفجيرات مماثلة في محطة قطارات مدريد قبل عام، كما ان احداث الحادي عشر من ايلول (سبتمبر) عام 2001 التي نتجت عن عمليات خطف طائرات وتفجيرها من قبل مواطنين عرب، ما زالت ماثلة للاذهان.

تشديد الامن في المطارات لتوفير الحماية للمسافرين مطلب مشروع، وحدوث اختراقات امنية للمطارات امر ليس جديدا، ويحدث في كل دول العالم صغيرها وكبيرها، وقد لا يكون له اي صلة بنظرية المؤامرة ايضا.
الاعلام المصري يحتاج الى تصويب في المنهج والطرح حتى يكرس مصداقيته واحترامه ودوره المؤثر في محيطه والعالم.
“راي اليوم”

حول الموقع

سام برس