بقلم / ريم خليفة
أعلنت أمس الأول وزارة الدفاع الأمريكية عن مقتل “الجهادي جون”، القيادي في تنظيم ” داعش” الإرهابي الذي ظهر في تسجيلات فيديو عديدة وهو ينحر صحافيين وعمال إغاثة غربيين وذلك في غارة نفذتها في سوريا طائرة بدون طيار معلقة بالقول بأنها ” متأكدة من ذلك”. في الوقت الذي شهدت فيه نهاية عطلة الأسبوع في العاصمة باريس ، حالة من الشلل في أعقاب سلسلة هجمات شملت إطلاق نار في مطعم وانفجار في حانة قرب الإستاد الدولي للمدينة، شملت عملية احتجاز وقتلى وجرحى على وقع هتافات ” الله اكبر”.

ووصفت الهجمات بأنها غير مسبوقة في فرنسا، وبأنها 11سبتمبر/ أيلول الفرنسية.وكان الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند قد أمر بنشر الجيش في أنحاء العاصمة الفرنسية ناصحا سكان باريس بالبقاء داخل منازلهم بينما وصف الرئيس الأمريكي باراك أوباما الأحداث بأنها “هجمات على الإنسانية” و”محاولة فظيعة لترويع المدنيين الأبرياء.” إلى ذلك قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إن هجمات باريس تعكس كراهية وإن القتلة ليسوا بشرا وأكد استعداد روسيا لدعم حكومة وشعب فرنسا بينما أعلن رئيس وزراء بريطانيا ديفيد كاميرون أن بلاده سوف تفعل أقصى ما تستطيع للمساعدة.

جميع هذه التصريحات التي أطلقت من أهم زعماء العالم في مقابل بيانات الإدانات التي خرجت بها بعض الدول العربية لن يلغي أو يغير من واقع المشهد الحالي الذي تمر به بلد مثل فرنسا أو غيرها من الدول المستهدفة للإرهاب وهو أيضا يعكس استمرار المشهد المضطرب في المنطقة العربية وعدم استقرارها في ظل استمرار أنظمة ديكتاتورية يدعمها الغرب الأوروبي. وهي نفسها الأنظمة التي تصارع تحرر الشعوب من ثقافة القبضة الأمنية المقاومة لأي شكل من أشكال التغيير الذي يصب في صالح الحراك المدني المطالب للحقوق السياسية والمدنية الغائبة في المشهد العربي.مولدا حالات الاحتقان في أوساط الشباب العربي الذي إما مهشما أو مهجرا أو إرهابيا قاتلا. خاصة من بعد إخماد مرحلة الربيع العربي في 2011 ودخول مرحلة عسكرية وأمنية من يوليو/ نموز 2013.
وهو أيضا يعكس التقديرات غير الرسمية للحكومات الأوروبية التي تقول في الوقت الحالي بأن أعداد المتطرفين المنضمين إلى “داعش” في تزايد من قبل جماعات شرق إفريقيا والخليج والشرق الاوسط اذ قد بلغ نحو 1200 من الرجال والنساء. ويبدو أن تراث الإرهابيين قد جاء من المجموعات الصومالية المتطرفة، التي تروق كثيرا للشباب المسلم الباحث عن هوية في العالم الحديث الذي تخرج به أفكارا ظلامية لا تؤمن بالآخر ولا تعطي أي قيمة لكرامة الإنسان. وكثيرون منهم لا يعتقدون أنهم سوف يضحون بحياتهم، ولكن إن هم فعلوا ذلك سيصبحون شهداء ( كما يملى عليهم).

للأسف قد سمحت بلدان القارة الأوروبية بدخول رجال الدين المنتمين للمدارس الإسلامية المتطرفة في الفترة من 1997- 2010 من مصر والصومال والسعودية وذلك بحسب تقارير أوروبية أشارت إلى غياب إجراء التحريات المناسبة لخلفياتهم. وهو ما شكل خطر على أي مسلم من أن يغرر من هؤلاء رجال الدين المتطرفين اذ سمحت دولا كبريطانيا وفرنسا واسبانيا للكثير منهم،لأن الجالية المسلمة قد نمت ولم يكن هناك أئمة لخدمة احتياجات المسلمين لوجود دعاة. كما أن حقيقة وجود إرهابيين من الطبقة المتوسطة – كانوا متواجدين في ألمانيا وبريطانيا وفرنسا في السبعينيات أيضا قد تبدد فكرة أن التطرف رد فعل على سوء المعيشة، وانعدام فرص العمل والحاجة إلى وظيفة، وإنما نابع على الأرجح من الحاجة إلى الهوية وعدم الاندماج التي تعاني منها شريحة كبيرة من الشباب العربي الذي ولد وعاش في البلدان الأوروبية وقد يكون ” محمد الموازي” الكويتي الأصل المعروف ب ” جهادي جون” مثالا لهذه النوعية من الإرهابيين. فهو بحسب التقارير الرسمية البريطانية والتي نشر في غالبها بالصحافة البريطانية كان ميسور الحال وحظى بالتعليم الجيد والراقي.

إن التنظيمات الإرهابية في العالم اليوم ، باتت معروفة وليست بالشيء السر، كما أن غياب إستراتيجية وقائية مناسبة من قبل دول العالم ، قد جاء بعد فوات الأوان تقريبا خاصة بعد أن تضاعفت أعداد الضحايا واللاجئين والنازحين في كل من مناطق الصراع والحروب بالمنطقة العربية في مقابل تضاعف العنصرية ضد العرب والمسلمين المنتمين لأجيال ترعرعت داخل المجتمعات الأوروبية. كل ذلك يفتح أكثر من باب على مصراعيه بشان صراع الحضارات بين الغرب والعرب وبين الديكتاتورية والديمقراطية بالمنطقة العربية.
كاتبة واعلامية بحرينية
reemkhalifa17@gmail.com
نقلا عن رأي اليوم

حول الموقع

سام برس