بقلم / أحمد الجارالله
قلنا، سابقاً، إن تفرق العرب هو السبب الاول في انتشار التطرف، واليوم نكمل ونقول إن التردد العالمي يؤدي دوراً كبيراً في انتشار هذه الآفة التي ضربت، أخيرا، فرنسا وقبلها الولايات المتحدة الاميركية وبريطانيا واسبانيا وروسيا وستبقى تضرب طالما قدمت المصالح المؤقتة للدول على حق الناس في الحياة والسلام، وستبقى تقتل الابرياء من باكستان الى افغانستان واندونيسيا والعراق ولبنان واليمن وسورية وحتى مصر وليبيا وتونس.

صحيح أن هناك بيئة عربية واسلامية شكلتها الحركات السياسية المتأسلمة لهذه الجماعات، لكن الحاضنة الحقيقية كانت أوروبا ذاتها التي تكتوي اليوم بنارها، فتحت شعار حقوق الإنسان والافساح في المجال لما كانت تسميه حكوماتها “سماع صوت المعارضة العربية” امنت للمتطرفين المأوى والمنبر والحماية، ومنحتهم جنسياتها، بل ساندتهم في احيان كثيرة للوصول إلى سدة الحكم في بعض الدول العربية.

ما حصل في السنوات الأخيرة بفرنسا وأوروبا عموما هو ما حذر منه الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك في باريس العام 2007، لكن بدلاً من فهم الرسالة راح مطبخ صناعة القرار الفرنسي يتحدث عن أن ما يسميه مبارك “ارهابا عالميا” هو مجرد “رد فعل على القمع المصري للمعارضين وتحديداً الإخوان المسلمين”، فماذا كانت النتيجة بعد ثماني سنوات على هذا الموقف المشجع على الارهاب، بل قبل كل هذا أليست فرنسا هي من سوقت لمشروع الإمام الخميني الانقلابي على شاه ايران تحت عنوان “الثورة الاسلامية”، وجعلته يمارس تحريضه السياسي، بل وفرت له الدعم، وكانت هي اول هي من اكتوى بنار “الارهاب الثوري الايراني” عبر عمليات محاولة اغتيال مسؤولين إيرانيين سابقين على اراضيها؟

أليست المملكة المتحدة هي من جعلت أرضها مسرحا لـ”الاخوان” ومن بعدهم “القاعدة” و”طالبان” وغيرها من الجماعات الارهابية التي وصل بعض رموزها الى حد اعتبار بريطانيا دار حرب، وذاقت لندن في العام 2005 مرارة ذلك بتفجيرات راح ضحيتها العشرات من الابرياء؟

أليست الولايات المتحدة الأميركية هي من نادت منذ زمن بالاستماع الى أصوات هؤلاء الناس، ونظمت لهم برامج التدريب على ادارة الدول والحكم، ودعمتهم في افغانستان وكانت هي أكثر من تجرعت مرارة ما زرعته في هجمات 11 سبتمبر العام 2001؟

“داعش” الذي اعلن مسؤوليته عن مجازر باريس هو نتيجة طبيعية للحاضنة الأوروبية لتلك الجماعات، فهل تحتاج “دول العالم الحر” الى المزيد من الأدلة او سفك دماء اكثر كي تقتنع بما حذر منه حسني مبارك قبل سنوات، ومن بعده الملك عبدالله بن عبدالعزيز قبل وفاته بأشهر قليلة حين قال للسلك الديبلوماسي المعتمد في الرياض: “إن خطر الإرهاب سيمتد إلى أميركا وأوروبا، في حال لم يتحد العالم في محاربته، أنا متأكد أنه سيصل إلى أوروبا بعد شهر، وإلى أميركا بعد شهرين”؟

هل يتفكر قادة باريس وواشنطن ولندن وغيرها من العواصم الغربية والأوروبية بكلام خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز في البيت الأبيض قبل شهرين حول ضرورة استقرار الشرق الاوسط والتوحد عالمياً لمحاربة الارهاب، أم لا يزال الرئيس الأميركي باراك اوباما على قناعته ان هؤلاء الارهابيين يخافون مما يسميه “العدالة الدولية” وانه سيجلبهم إليها، فهل يعتقد اوباما وغيره من القادة الاوروبيين ان الارهابيين يؤمنون بعدالتهم؟

من يرتكب تلك المجازر المروعة لا يعترف بحقوق الانسان أصلاً ولا يقيم العدالة والتسامح، انما هو يسعى الى فرض رؤيته على الجميع بالقتل والدم ودائما يكونً أول ضحاياه من يفتح له أبوابه، لذلك على تلك الدول التخلي عن سياسة معالجة داء الارهاب العضال بمسكنات الاجراءات الامنية والسعي جدياً لاجتثاث الورم من جذوره عبر التحالف مع الدول العربية، والاسلامية في الحرب عليه.
نقلا عن السياسة الكويتية

حول الموقع

سام برس