جميل مفرح
انطلقت شرارته الأولى من مظلومية فرد واحد بأقصى الغرب العربي، فتداعى لهذه الشرارة شرر كثير من الغرب حتى الشرق، في منطقة موات أصابها وظل يصيبها الخمول في مقتل طوال عقود إن لم نقل قرون من الزمن.. كان البوعزيزي صرخة أولى تلتها الصرخات، وطلقةافتتاحية انهالت من بعدها الطلقات، ولكنها كانت طلقات مختلفة الأشكال والأهداف والمبررات، ولم تكن كلها طلقات من فوهة المظلومية والانعتاق كما كان يجب!!
إنه هو المسمى بالربيع العربي القادم من حقول قصية التربة والمنشأ كما يرى البعض، أو النابتة جذوره في التربة العربية، كما يدعي البعض الآخر، وسيظل الخلاف قائماً إلى أبد غير قصير عليه وحوله سواء من ناحية الوصف أو من ناحية المقاصد والأهداف أو من نواح مختلفة أخرى!! إلا أنه كان وحصل وما يزال يحاول التماسك مع أن الظروف والأحوال تكاد تجزم بأنه كائن ناقص في تكوينه ومظهره على الرغم من أنه ولد صحيحا معافى غير أن ظروف البيئة أو البيئات التي كان يفترض أن يترعرع فيها ربما كانت غير مناسبة ليكتمل نموه ويشب عن الطوق!!
هل حقاً كان ربيعا؟ ربما فذلك كان واردا لو لم تتطفل عليه فصول أخرى تسلب منه شخصيته وتتداخل بصفاتها معه وفي صفاته.. هل مايزال ثمة أمل لأن يعود الربيع ربيعا؟ كان ذلك مأمولا في مرحلة مهده وطفولته الأولى أما الآن فأعتقد أن المستحيل يكاد يكون أقرب منه وأكثر منه تجسُّدا.. وذلك كله برأيي لم يكن ليحصل لو لم تطأ السياسة براعمه وهي تتفتق وتتنفس عبيرها الطفل وألوانها الأولى.. لقد بغت السياسة على حياتنا وعلى فصولنا ففرت بقفارها من أن تكون مقصداً لاخضرارنا وربيعنا، وجاءت لتقودنا من جديد وتنأى بنا عن حياضها التي كبلتنا وأسرت تاريخنا وكبَّدت حضارتنا خسائر جمة لا يكاد يدرك حصرها ولاتعويضها.
أيها الربيع أين أزهارك التي كنت تعدنا بتقلّدها والاغتسال بعبقها؟!! أين الاخضرار الذي يفترض أن يكون رسالتك ومنهجك؟! أين نحن؟! بل أين أنت؟! لم نعد نريد منك عبقا ولا إشراقا ولا مطرا ولا ثمرا.. لم نعد نحلم بأن نقطف من بساتينك زهور أحلامنا ولا ثمار طموحاتنا.. غدونا نحلم فقط في أن نأمن في جوارك وأن تتركنا عيونك المحدقة بنا وبأوطاننا لم نكن يوماً أعداءً لسماتك، ولا قتلة لأزهارك، ولم نترصد لأنهارك بقاذوراتنا ولا لعصافيرك ببندقياتنا، فقط كنا مواسم من الاشتياق إليك، وفصولاً من أمنياتك التي كنت تعد، فغدونا في لمحة حالٍ كسرا ويبابا وأطلالا مما خلفته أعاصيرك غير المرتقبة..
أيها الربيع نعرف ما يجب عليك.. نحن في انتظارك فاعتذر.

حول الموقع

سام برس