محمد العريقي
تسعى اليمن حالياً إلى تثبيت وتجذير الدولة المدنية الحديثة دولة النظام والقانون، التي ظلت تتطلع إليها منذ قيام الثورة اليمنية قبل أكثر من خمسين عاما، فقد كان لضعف أو لانعدام تطبيق النظام والقانون أثر كبير على مسار التحديث والبناء والتنمية، وبرزت الكثير من التشوهات المتراكمة، واستنزفت الموارد وتدهورت دون أن يكون هناك ضوابط جامحة تحد من خطورة هذا التدهور وبالذات في قطاع المياه.
ورغم أن هناك العديد من القوانين واللوائح على مختلف الأصعدة ومنها في مجال المياه، إلا أنها ظلت بعيدة ومغيبة دون أي تفعيل، وهذا يعكس عدم الجدية في التطبيق، وابتعاد القول عن الفعل.
وإذا كان المجتمع اليمني يعتزم الدخول إلى مرحلة جديدة عنوانها التحديث وتطبيق القانون، فالأولى أن يكون التطبيق الفعلي والسريع للقوانين والقرارات المتعلقة بحماية الثروة المائية، هذه الثروة هي مصدر الحياة والتنمية في كل المجالات، وهذا يتطلب إدارة وإرادة قوية.
فالإدارة الناجحة تقوم على قواعد من الأنظمة والقوانين والسياسات والخطط المناسبة التي تحدد الرؤية والمسار وتضبط أي انفلات.
والإدارة المائية الفعالة تحتاج إلى أرضية مناسبة من السياسات والخطط.. وإلى سند قانوني قوي وصارم يكفل الالتزام بها ويحمي مصالح الآخرين وحقوقهم. فثمة أشخاص لا تجدي معهم أي مناشدات أو برامج توعية، وليس لديهم استعداد للتقيد بالخطط والبرامج فيضعون مصالحهم الخاصة فوق أي مصالح أخرى. مثل هؤلاء لا ينفع معهم إلا الشدة والضبط عن طريق حزمة من التشريعات القانونية.
ولاشك أن اليمن قطعت شوطا كبيرا في اتجاه إصدار التشريعات المائية لا يقصد بها الإضرار أو التعسف بحق المستخدمين وإنما الهدف منها هو إطالة أمد الموارد المائية وتأمين حاجة الأجيال القادمة من المياه من خلال تنظيم وتنمية وترشيد استغلال الموارد المائية وحمايتها من الاستنزاف والتلوث، ورفع كفاءة نقل وتوزيع استخدامات الموارد المائية وحسن صيانة وتشغيل منشآتها، وإشراك المنتفعين بإدارة الموارد في مراحل تنميتها واستثمارها وحمايتها والمحافظة عليها.
إن التحدي الأكبر بالنسبة للقوانين والتشريعات المائية في اليمن يكمن في تطبيقها، أما صياغتها وإقرارها فلم يشكل في يوم من الأيام مشكلة حقيقية، فقد ظهر الاهتمام بمثل هذه التشريعات قبل أن توجد وزارة المياه والبيئة (اُنشئت الوزارة في عام 2003م بينما صدر قانون المياه رقم 33عام 2002م)، وتم تحديث القانون وإجراء تعديلات عليه وصدرت لائحته التنفيذية بموجب قرار رئيس الوزراء رقم 112 لعام 2011م ومع ذلك فقد ظلت هذه التشريعات دون تفعيل مؤثر فالاستنزاف والإهدار والعشوائية في الحفر مستمر حتى الآن.
مع أن الدستور يحرم استنزاف الموارد الطبيعية دون ضوابط ومنها الموارد المائية، والقانون المدني (رقم 19 لسنة 1992م) تطرق لموضوع المياه حيث ورد في المادة (1366) منه: الماء لا يملك ملكية خاصة إلاّ بالنقل أو بالإحراز أو ما في حكمهما.. ويعتبر حفر بئر لمتلقي الماء إحرازا له إذا أتى من مباح ومر في المجرى.
وليس هذا وحسب بل إن التشريعات تحرص أن يحصل المواطن على مياه شرب نقية وفي هذا الصدد نصت المادة (22) من قانون المياه على أنه: " يمنع بيع أو توزيع المياه لأغراض الشرب بواسطة براميل أو صهاريج متنقلة أو شبكات توزيع أو بأي وسيلة كانت، إلاّ إذا كانت هذه الوسائل ملائمة صحيا لنقل المياه المخصصة لهذا الغرض".
كما صدر قرار مجلس الوزراء رقم (253) لعام 1999م بشأن المواصفات القياسية لمياه الشرب والري والمواصفات القياسية للمياه العادمة الصناعية والتجارية والخدمية، وحدد القرار عددا من المهام منها: مراقبة الموارد المائية وحمايتها من التلوث ومراقبة المياه العادمة الخارجة من المصادر المختلفة.
ولم يغفل قانون السلطة المحلية رقم (4) لعام 2000م موضوع المياه، حيث أشار في مواده رقم (16، 17، 18) على دور السلطة المحلية في تنفيذ وإدارة وصيانة مشاريع المياه.
وصدرت عن مجلس الوزراء العديد من القرارات المنظمة لإدارة المياه واستغلالها، ومنها قرار مجلس الوزراء رقم (343) لعام 2002م بشأن الضوابط والإجراءات في مناطق الحجر المائي، والقرار رقم (277) لسنة 2004م بشأن لائحة تنظيم عمل حفارات آبار المياه وحركتها في اليمن.
ويعد قانون المياه رقم (33) لسنة 2002م تتويجاً للجهد التشريعي للمياه في اليمن.. وقد تناول ذلك القانون العديد من الجوانب المتعلقة بالمياه وذلك برؤية شاملة ومتكاملة لإدارة وتنمية واستخدام هذه الموارد استندت إلى مبدأ الإدارة المتكاملة الذي أصبح اليوم النهج المتبع عالمياً في هذا المجال.
وقبل ذلك كانت لليمن عدة محاولات تشريعية في مجال المياه.. حيث أعد مشروع قانون تنظيم استغلال الموارد المائية عام 1990م، وذلك كجزء من نشاط مشروع دعم المجلس الأعلى للمياه الممول من قبل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي الذي جاء تلبية لطلب الحكومة بضرورة الإسراع في وضع تشريعات مائية تلبي الحاجة المتزايدة لتنظيم استغلال الموارد المائية في اليمن.
وقد تضمن مشروع القانون الخطوط العامة لتشريعات الموارد المائية في اليمن واحتوى على أربعة فصول موزعة على (44) مادة.
وفي عام 1995م صدر القانون رقم (26) بشأن حماية البيئة والذي تكون من القانون (86) مادة، وتناول في بابه الثاني حماية المياه والتربة واستخدام المبيدات في (9) مواد.
وبهذه المحاولات التشريعية تكون اليمن قد استوعبت أهمية القانون كأداة هامة للإدارة المائية، وسايرت بذلك اهتمامات العالم المنصب بهذا الجانب.
خاصة بعد تزايد الاهتمام والتأكيدات في المحافل الدولية على ضرورة أن تقوم الدول التي تعاني من تحديات مائية بتطوير تشريعاتها والانطلاق بها إلى حيز التنفيذ. وتتكرر مثل هذه المطالب في كل المؤتمرات واللقاءات المتخصصة الدولية.
والإشارة هنا إلى مشاركة مستخدمي المياه في المسؤولية هي جوهر العملية الإدارية للمياه.. إذ يرى الكثير من المهتمين بالمياه أنه ورغم فشل المحاولات التي بذلت حتى الآن لتنظيم استغلال الموارد المائية الجوفية، إلاّ أن تنامي الأزمة يفرض الحوار الوطني وخاصة ونحن نعيش فعاليات مؤتمر الحوار الوطني الشامل، الذي يستوجب العمل من خلاله على وضع الرؤى والتصورات التي تساعد في انتشال الأنظمة والقوانين من دائرة المزيدات الكلامية، إلى واقع الفعل والتطبيق وبالذات قوانين المياه.

حول الموقع

سام برس