بقلم / إبراهيم الحكيم
دار الزمان دورته وانقضت ثلاثة من عقوده، ولم يدر بخلد أحد في اليمن عموما وجنوبه خصوصا أن فاجعته بأهوال مجازر 13 يناير الدامية ومآسيه التي حفرت في الوجدان واستعصت على النسيان ولا تزال جراحها غائرة تتسبب في الاحتقان؛ ستتجدد في ذات المكان، وللأسباب ذاتها وبالأدوات والشخوص نفسها.
لم تكن أحداث 13 يناير 1986م مهلكة غربان ولا انفجارات بركان عدن، كما ظن السكان أول الأمر، بل مهلكة بشرية جماعية بشعة بنيران أحقاد راكمتها أدران دورات عنف سياسي دامية، أشعل فتيلها الاحتلال الأجنبي قبل رحيله بتسليم السلطة فصيلا بعينه، وظل يغذيها الارتهان للخارج وأجنداته.

ظفر رفاق النضال باستقلال الأرض من محتل أجنبي مستغل غادرها من دون مقومات دولة، وشرعوا في تأسيسها من دون خبرة أو اتحاد وجهة، وكان الثمن بحسب مراقبين سيادة الوطن قراراً، والشعب انتخاباً، بانجرافهم فكرا ومسارا وتوجها وتوجيها، مع رياح الحرب الباردة بين قطبي العالم حينها.

لم يكن الخارج بمعسكريه الاشتراكي (السوفيتي) والرأسمالي (الأمريكي)، يأبه لتوحد صفوف داخل اليمن أو شطريه، قدر اهتمامه بحسم سباق فرض الهيمنة وبسط النفوذ على مضايق العالم ومنابع النفط، فظل يدفع الرفاق لحروب إقليمية بالوكالة تحت شعار “تصدير الثورة”، ويغذي التناحر الداخلي وتصفياته.

افترق رفاق النضال الوطني على مذبحة السلطة إلى زمرة وطغمة، وبين تطرف الفكرة وعجرفة القوة، حصدت دورات العنف في جنوب اليمن مئات السياسيين ونحو 12 ألف يمني أعدموا طوال 12 يوما برصاص البنادق وقذائف الدبابات والبوارج، على أساس مناطقي تبعا لانتماءات المتصارعين.

الحال نفسها عادت بظروفها وشخوصها .. أطماع الخارج المتربص باليمن موقعا وثروة تتداعى غزوا، وصراع الداخل المخلص للخارج يتنامى جرما، بمواجهات وتصفيات لا تتوقف، تمولها دول تحالف لا تأسف، لبسط نفوذها عبر دعم استحواذ أجنحة لها على السلطة بقوة الاغتصاب لا شرعة الانتخاب.

إقصاءات بالجملة يقابلها إحظاءات للشلة .. ضغائن تتولد وأحقاد تتوقد، وجراح تنكأ ونعرات تذكى، ونزعات انتقام تستدعى .. يغذيها ارتهان للخارج يتجدد على حساب امتهان للداخل يتمدد، وآمال في الأمن والاستقرار تتبدد، مع تصاعد وتعدد قوى التدخل الخارجي وتمويلها اتساع دائرة الاقتتال الداخلي.

تلك ملامح شاخصة بقوة اليوم لحال جنوب الوطن، تطغى أكثر على عدن بعدما أضحت تحت قبضة الاحتلال تئن بصراعات قوى مختلفة لكنها ترتهن لتدخلات الخارج تحت عنوان عهد جديد، يسميه الخارج “عهد التحرير” بينما واقعه المرير يصدح بمظاهر التدمير ويصخب بجرائم الاغتيال والتفجير.

تتوالى عمليات التصفيات لقيادات الفصائل المتصارعة على ثقة دول تحالف العدوان والغزو، بوتيرة أكبر مع بداية يناير الجاري، فشهدت عدن وحدها اغتيالات لشخصيات عسكرية ومدنية، جسد اختيارها أنها امتداد لصراع الأمس المناطقي وانعكاس لصراع دول العدوان وأجنحتها في الداخل.

مآلات خطيرة تظل متوقعة بنظر مراقبين يرون في أوضاع جنوب اليمن وبخاصة عدن تحصيل حاصل لما يسمونه واقع الارتهان للخارج وأجندته على حساب امتهان الداخل وحقوقه وفي مقدمتها حق اختيار حكامه عبر صناديق أصوات الاقتراع لا ما تسومه صناديق ذخائر الصراع.

عودة عنيفة لدورات عنف دموية، كان اليمن عموما وجنوبه خصوصا قد طوى صفحتها بإعادة توحيد شطريه وإعلان النهج الديمقراطي سبيلا للتنافس السياسي على السلطة وبلوغها عبر ساحات الانتخاب لا ساحات الانقلاب، لولا انشدا بعض سقيم لماض أليم انعكس في حاضر وخيم!.

alhakeem00@gmail.com
نقلا عن صحيفة الثورة

حول الموقع

سام برس