بقلم / مكاوي سعيد
مناسبات عدة تدعونى للحديث عن المهاتما غاندى الزعيم الروحى للهند، والمهاتما هي الروح العظيمة وقد أطلق عليه هذا اللقب لأنه أسس لمقاومة الاستبداد من خلال العصيان المدنى الشامل، الذي أدى إلى استقلال الهند وخروج الإنجليز منها وألهمت حركته الكثير من حركات الحقوق المدنية والحرية في جميع أنحاء العالم. ولاقت دعوته قبولا هائلاً وأصبح الزعيم الاكثر شعبية في الهند في عام 1915 (100 عام على هذه الذكرى).


وركز غاندى عقب الاستقلال على النضال ضد الظلم الاجتماعى من جهة وضد الاستعمار من جهة أخرى، واهتم بشكل خاص بمشاكل العمال والفلاحين والمنبوذين. ولم ترق دعوات غاندى للأغلبية الهندوسية باحترام حقوق الأقلية المسلمة، واعتبرتها بعض الفئات الهندوسية المتعصبة خيانة عظمى فقررت التخلص منه، وبالفعل في 30 يناير 1948 أطلق أحد الهندوس المتعصبين ثلاث رصاصات قاتلة سقط على أثرها المهاتما غاندى صريعا عن عمر يناهز 78 عاما (هذا الشهر تمر الذكرى الـ 68 لوفاته) ومن أقواله التي خلدها التاريخ: «إذا قوبلت الإساءة بالإساءة.. فمتى تنتهى الإساءة؟!» والمقولة الثانية التي نحتاج إلى تأكيدها في اللحظة الراهنة وهى: «لقد اقتنعت أكثر من أي وقت مضى بحقيقة أن السيف لم يكن هو من فاز بالمكانة للإسلام في تلك الأيام، بل كانت البساطة والاحترام الدقيق للعهود».

ومن أسبابى الشخصية للكتابة عن غاندى أن ثمة تشابهًا بيننا في الملامح الشخصية كما يؤكد البعض وهذا أمر يسعدنى بشدة، وكنت قد لاحظت ُأثناء زياراتى للإمارات العربية أن بعض المواطنين الهنود يتوقفون بمجرد رؤيتى مندهشين ثم يبتسمون ويحنون رؤوسهم ويمضون، وحدث ذلك ذات مرة في معرض الكتاب بلندن أمام أحد الأصدقاء الكتاب الذي اندهش بشدة لما يحدث، ثم نبهنى ألا أغتبط كثيرا لهذا الأمر فقد يظن شخص مهووس من طائفى الهندوس أنى غاندى ويغتالنى مرة أخرى. ولهذا الشبه أيضًا قصة طريفة فقد طلبنى الأستاذ يوسف عثمان وقتما كان رئيسًا لمدينة الإنتاج الإعلامى لتحويل روايتى «تغريدة البجعة» إلى مسلسل تليفزيونى؛ واستقبلنى بحفاوة على باب مكتبه واصطحبنى للداخل حيث يجلس مخرج وكاتب سيناريو تليفزيونى شهير، وقبل أن يقدمنى إلى شريك الحجرة رن موبايل يوسف عثمان فأخذه وخرج من الغرفة؛ ظل المخرج والسينارست يتأملنى ويخمن من أكون، ثم ظن أنى من أقارب الأستاذ يوسف ومجاملتى ستجعله ينجز طلباته من يوسف، سألنى هل أحب التمثيل فأجبته بنعم، أطلق بسمة عريضة وهو يسألنى هل مثلت من قبل؟ قلت بسرعة نعم، بدهشة تفرس وجهى وسألنى عن المسلسل أو الفيلم الذي مثلته؟ قلت له أنى مثلت بطولة فيلم إنجليزى اسمه غاندى. حدق في وجهى وقال إنه تذكر الفيلم وأن أدائى كان مبهرًا.

ثم دخل الأستاذ يوسف ووقف هذا الحوار العبثى وظل المخرج مستاءً طوال الجلسة بعدما قدمنى يوسف إليه التقديم الصحيح. وخرجت وأنا مندهش من أن مخرجا وسيناريست عريقا لا يعرف فيلم «غاندى» بطولة «بن كنجسلي» و«كانديس بيرجن» والحاصل 8 جوائز أوسكار. ولغاندى كتاب اسمه (قصة تجاربى مع الحقيقة) يقول فيه «تعلمت درس اللاعنف من زوجتى، وذلك حين حاولت إخضاعها لإرادتى. إلا أن مقاومتها الحازمة لرغبتى من جهة، وخضوعها الهادئ للألم الذي تسبب به غبائى من جهة أخرى، جعلانى أخجل جدًا من نفسى، وشفانى من غباء الاعتقاد بأنى خلقت لأحكمها. وفى نهاية الأمر أصبحت هي معلمتى في اللاعنف.
نقلا عن المصري اليوم

حول الموقع

سام برس