بقلم / عبدالكريم المدي
كثيرٌ من اليمنيين والعرب والعجم يتساءلون: ما علاقة المصانع والشركات الخاصة وحتى معامل الخياطة والتطريز البدائية، بجماعة الحوثي .وبالأهداف العسكرية وبحاجة اسمها استراتيجية عسكرية وحسم معركة حربية وإعادة شرعية؟

إن من ينكر التخبط السعودي وغياب الرؤياء وضياع البوصلة ، ما هو إلا مكابر، أو واهم، أومستخف بعقول الناس وحقائق الأشياء ومعطيات الواقع.
ليس عيباً على السعودية، بعد كل الذي حصل ويحصل، أن تغير إستراتيجيتها وتحاول اخراج نفسها ومعها جميع المتصارعين – أيضا – من هذه المعمعة بماء الوجه، وليس من باب الانتقاص أبداً أن تُشرك معها للبحث عن السلام بوسائل السلام، أطرافاً عربية وإقليمية ودولية ولو كان ذلك بسرية تامة، كي لا تتأثر الصورة الصقورية الكونية التي رُسِمت، للأمير محمد بن سلمان، الذي يبدو أنه مغرم حدّ الإنتحار بوهم الإنتصارات والحروب العبثية التي افقدته وافقدت دولته التوزان المطلوب والتفكيرالصحيح بعقليات الدول، المستقرة، المسؤولة وليس المهزوزة، المأزومة.

السعودية إلى اليوم، وعلى الرغم من كل ما حصل، تظل أهم لليمنيين وأقرب لهم من إيران وأميركا والغرب والعرب والشمال والجنوب، والسعودية – أيضا – ورغم كل ما حصل ويحصل على يدها من جرائم بحقّ الشعب اليمني بسبب طيش المتحكمين بقراراتها وسياساتها، ما تزال الأقدر على إيجاد حلول سياسية لما يجري في هذا البلد، وبإمكانها الدفع وبسرعة الضوء في إتجاه وقف الاقتتال وإيجاد حلول سياسية جادة وصادقة وليست تكتيكية، تعجيزية.
المهم الذي حدث ويحدث في اليمن يُصنّف إلى اليوم بأنه كارثة يصعب وصفها أو الإحاطة بها، وخلونا نكون بُسطاء وعلى نياتنا ونفترض إن الملك السعودي لم يُدرك حتى الساعة فظاعة ما جلبته الحرب التي تشنها دولته على اليمن ومآسيها ومآسي الفوضى والاستقطابات والحرب الأهلية المدعومة من حكومته وعدد من الحكومات الخليجية، وسواء أتفقنا مع الحوثيين أو أختلفنا ، وللعلم أنا أول المختلفين مع معظم سياساتهم وقراراتهم، لابد من قول كلمة حقّ فيما يجري وتسمية الأشياء بمسمياتها، ومن ذلك إن الحرب على اليمن جريمة تتنافى مع القانون الدولي الجنائي والإنساني ومع ميثاق الأمم المتحدة وكل الشرائع السماوية والوضعية هذا إن كان هناك منطق وإنصاف.

وبناء على ذلك لو سمحتم ممكن تنصحون لنا جلالة الملك (سلمان) أن يراجع حساباته، ويدقق في الفاتورة المدفوعة والآجلة، وإن كان النسيان قد أثر عليه ذكّروه بأنه سبق وأن أنسحبت أميركا من فيتنام والصومال والعراق وأفغانستان ..وهذه الأخيرة كانت قد أنسحبت منها السوفيت بكل عظمتها وجبروتها.. وصفحات التاريخ مليئة بشواهد كهذه حصلت مع دول وإمبراطوريات تفوق السعودية عدة ومالا ورجالا ونفوذا ومكانة ووسائل.

وبالتالي قولوا لجلالته يفكّرويصلّي استخارة أكثر من مرة، ويأخذ وقته الكافي بعيدا عن ولي ولي عهده ، ومن ثم يردُّ لنا ولو بعد (500) ساعة، وإن كان سيقتل ويجرح خلالها (500) يمنيا، لكن نحسبهم عند الله شهداء، المهم هو أنه يفيق ويُدرك حقيقة ما يجري، ويضع له حدّا.
يا خادم الحرمين الشريفين :هل هناك من المقربين بك ومن بطاناتك أحدٌ جريء ،حتى لو كان خادما بنكاليا، فقط ، يهمس في أذنيك نهاية كل أسبوع أو شهر أو عشرة أشهر ويقول لك عداد حصر الضحايا في اليمن بلغ في نهاية الشهر الأول – مثلا- ألفي قتيل وجريح وفي نهاية الشهر السادس (اثناعشر ألف) وهكذا، على الأقل تضرب حسابك وتكون على بينة حينما يأتيك الملك المكلف بمحاسبتك أمام الله ويسألك: كم قتيل وجريح وجائع حدث في اليمن على ذمتك؟ عندها بماذا ستجيب عليه، هل ستحيله على نجلك ووزير دفاعك ، أم للعسيري؟

وهل هناك من مسؤل أو صحفي أو ناشط سعودي شجاع قال لك – يا جلالة الملك – أنتم تقتلون فقط ، الشعب اليمني ، وتحاصرون الشعب اليمني ، وتُدمرون مقدرات الشعب اليمني، وتحاولون فقط، إذلال الشعب اليمني، حتى على مستوى تلاعبكم برحلات الطيران وعدم اكتراثكم بمشاعر الناس وظروفهم حينما يتفاجؤن في مطارات القاهرة وعمان وصنعاء بأنكم ألغيتم الرحلات المقررة لنقلهم ، ناهيك عمّا تُسرفون فيه من إهانات لأبناء هذا الشعب، عندما تجبرون الطائرات التي تقلهم بالتوقف في مطار بيشه وما أدراك ما مطار بيشه وما أدراك من تفتيش وفحص وبهذلة؟

جلالة الملك المفدى ، بالله عليك هل قال لك أحدهم مؤخراً أن جماعة الحوثي وبعد أكثر من (300) يوم حرب عليها لم تخسر شيئا ،بل العكس كسبت سلاحاً وتعاطفاً، ومجاهدين وأطقما عسكرية ودعاء المتضرعين ،المتضررين من عاصفتكم ،من أهالي الشهداء والجرحى والجوعى والعاطلين والمشردين والمهجرين والمخطوفين والعالقين بين الشمال والجنوب ، القاعدة والدولة الإسلامية ، الحوثيين ولجان هادي، مؤيدي العاصفة وأعدائها، أنصار صالح وأتباع الإصلاح، السنة على طريقة نجد والشيعة على طريقة قم. وهلم جرا ؟!

(سيدي) خادم الحرمين ..متى ستعلم أن آلاف اليمنيين يموتون ويُحرقون ويُعاقون إما بصوريخك وقنابلك الذكية والمحرمة ، أو بحصارك وتدمير جيشك وجيش حلفائك من بلاك ووتر والجنجويد والكولمبيين والإسترالين والسنغاليين والتشاديين إلى العرب والمحليين وغيرهم ..؟!
و هل تعلم جلالتك ، إن جماجم القتلى والأعضاء المبتورة للضحايا في اليمن بسبب هذه الحرب، لو رُصّت من صنعاء واحدة تلو الأخرى لبلغت عتبة قصرك في الدرعية..وهؤلاء بالطبع ، ليس لهم ذنب يُذكر عدا أنهم مصنفين مناطقياً وطائفياً، أو أنهم وُجِدوا في المكان والزمان الغلط وفق حسبة عميدك العسيري وفتوى شيخ الديار..؟

وهل تعلم إن الذين يخسرون وظائفهم ومصادر أرزاقهم بسبب عاصفتك المجنونة، لو رفعوا ،هم ومن يعولون أيديهم للسماء في وقت واحد من الثلث الأخير لليل لتوقفت الدماء في عروقك وآبار نفطك للأبد، و لأمطرت السماء على جيوشك وطائراتك ودباباتك وسفنك بحجارة من سجيل وجعلتها كالعصف المأكول ..؟!

جلالة الملك الذي طالما أحبه الكثير من اليمنيين حينما كان أميرا للرياض ، هل تعلم أن جزءا كبيرا من هوءلاء الذين تحاربهم ينسبون للأوس والأنصار ومعد بن يكرب والسمح بن مالك الخولاني وعبدالرحمن الغافقي ولكل من كان لهم الفضل بعد الله في تثبيت ونشر دعوة الإسلام ونصر خاتم الأنبياء والمرسلين محمد ابن عبدالله (عليه وعلى آله وصحبه أفضل الصلاة وأتم التسليم )..وبسواعد وعقول آباء وأجداد هوءلاء القوم ..أستطعت أنت ومن سبقك لهذا العرش أن تخلع على نفسك لقب (خادم الحرمين) وملك الإنسانية ؟!

وهل تعلم أن إسرائيل وكل القوى المتطرفة هنا وهناك وحتى خصمك (إيران ) هي المستفيد الأبرز من عاصفتك (المباركة) ؟!
وهل تعلم – طال عمرك – أن اليمنيين الذين تدمر قراهم ومزارعهم ومصالحهم وحياتهم في صعدة وعمران وصنعاء وذمار وإب وحجة والمحويت والجوف وشبوة والضالع وريمه يقدسون الشهيد صدام حسين ويحملون صوره في كل مكان ..وهو العدو اللدود لأعدائك المفترضين في طهران ومشهد وقم ، كونه كان حارس البوابة الأمين عليك وعلى نفطك ومحيطك في الخليج ؟ ! فكيف حولت هوءلاء اليمنيين -إذن – في ليلة وضحاها إلى جعفريين وصفويين وإثناعشريين وإيرانيين وروافض وفرس؟!

أخيرا هل تعلم – يا جلالتك – أن الحرب التي تقودها وتحشد لها في اليمن تبتعد عن تحقيق أي نصر عسكري بمعدل يومي مسافة لا تقل عن سنة ضوئية ، وليست هذه المشكلة ، فحسب ، بل إن المشكلة والطامة الكبرى تتمثل في أنك لم تدرك هذه الحقيقة، أو أن هناك، للأسف الشديد ، من يريدك أن لا تدركها ولا تدرك معهاالخسائر والهزائم النفسية والمعنوية والأخلاقية والميدانية والتاريخية التي تُمنى بها أنت والعروبة في كل دقيقة وساعة تمرُّ من عمر هذه الحرب اللعينة ،التي تُزهق فيها آلاف الأنفس ..أنت أول المسؤلين عنها أمام الله والتاريخ والأشهاد.
كاتب يمني
نقلا عن رأي اليوم

حول الموقع

سام برس