بقلم / أحمد عبدالله الشاوش
ما يدعو للحيرة والقلق أن بوصلة العلاقات السياسية بين العرب وإيران مازال يشوبها الكثير من الضباب والغموض ، نتيجة للخلافات المصطنعة والتاريخ المعلب والاختلاف الغير مبر ر، البعيد عن منطق العقل ولغة التسامح والمصالح المشتركة وقاعدة التعايش الإنساني ورابطة الإسلام .

الف وأربعمائة عام من التشدد والتخندق والصراع والضياع والتكفير والتكفير المضاد دونتها كتب التاريخ وكشفتها أساطير الاولين بما أختزلته من أساليب الترهيب والترغيب والتعصب الاعمى ، جعلت المواطن العربي والإيراني يعيش في حيرة وحالة من الوهم والرعب والفزع ، ورغم ذلك مازال الكثير من هؤلاء الأكثر اتزاناً وتحرراً وتحكيماً للعقل يستغربون حالة العداء التاريخي ويدركون الدهاليز المظلمة للتعبئة الخاطئة والروح الانتقامية من مراكز القوى الخفية والخبيثة التي أوغرت القلوب حقداً وحولت السواد الأعظم من الامتين الى ضحية وقرباناً للسياسات الخاطئة التي يتبناها رؤوس الشياطين من الحكام العرب وبعض أقرانهم في ايران .

وما يعزز تلك الانقسامات أن السواد الأعظم مازال أسيراً لثقافة الاحتواء وإيقاعات التسلط وأساليب الفرقة وسياسة الاغواء في المجتمع الإسلامي الواحد ، الذي مازال مشدوداً لثقافة الانغلاق دون أن يغادرها الى عالم النور والتنوير ، في حين " يهرول " قادة وملوك وأمراء وحكام ومثقفي العرب الى التطبيع مع العدو الصهيوني بكل وقاحة من فوق الطاولة واقلها " نذالة " من تحتها بين الجزمات ، متنكرين للقسم وقافزين على الثوابت ومتمردين على منظومة القيم التي جاء بها الإسلام الحنيف.
ورغم بعض محطات التقارب والانسجام وتحكيم العقل الداعية الى التئام الجروح وواد الخلافات وإصلاح ذات البين لتصحيح مسار الامة .. يسارع مثلث الشر " البريطاني – الصهيوني – الأمريكي" الى تحريك تجار الحروب من حكام وسياسيين ورجال دين وأعشار المثقفين لأثارة " الفتنة" وتأزيم الأوضاع وبث سموم الفرقة والعودة بنا الى فترات تاريخية مشوهه ومزورة وبعضها حقائق مؤسفة لتاجيج الخلاف عن طريق الابواق الإعلامية وسعار الدبلوماسيين والسياسيين والفتاوى الشيطانية وغيرهم من أبناء الطابور الخامس لتفخيخ المواطن الغلبان " فكرياً " ونسف أي تقارب عقلاني يجسد اللحمة الإسلامية والإنسانية التي من شانها حفظ أمن واستقرار شعوب المنطقة والتفرغ للبناء والاعمار ، ورغم ذلك يصر شياطين الانس على انتهاج سياسة " فرق تسد " ورفع ترمومتر الكراهية وتسويق المشاريع الطائفية والمذهبية التي أثبتت الأيام والسنين ان اسرة " آل سعود " هي الراعي الرسمي لتدمير العالم الإسلامي والعلاقات الإنسانية نيابة عن مثلث الشر ، في ابتداع الفكر " الوهابي " الأكثر دموية وارهاباً في عالم الأديان والمعتقدات والمذاهب والنحل الهدامة ، مستغلين في ذلك حالات الجهل والفقر والبطالة مقابل اغراءات المال السحت الناتج عن الطفرة النفطية.

الى أين نحن ذاهبون ؟ ألم يحن الوقت لتحكيم العقل وتفعيل مبادئ التسامح والتعايش الإنساني وتجنيب أوتجميد صفحات التاريخ المثيرة للانتقام وطي صفحة الخلاف والاختلاف ونبرات التشكيك والتخوين والتكفير ووقف نزيف المعارك العبثية منذ فجر الإسلام مروراً بحرب الخليج الأولى والثانية وماتلاها التي دمرت الأوطان ، وشردت ، وقتلت الأطفال والشباب والشيوخ واستنزفت الثروات والانطلاق نحو الاسهام في بناء الحضارة الإنسانية بدلاً من ان نصبح مجرد " دُمى " قادة ومواطنين في أيدي الثالوث الرهيب؟

مازلنا في العالم العربي نفتقد الى استراتيجية واضحة المعالم نهتدي بها في ظلمات البر والبحر وتنتشلنا من مستنقعات الانحطاط الى غد آمن ومشرق يُشرفنا ويحمي أجيالنا من الضياع ، ومازالت الأجواء ضبابية وأشبه بالسراب لتواري القدوة وغياب الإرادة وانعدام المصداقية ..

هرولنا الى إقامة علاقات مشبوهة وبعضها متميزة مع الشرق والغرب وفحطنا الى آخر بقاع الأرض ، مع اعدائنا وأصدقائنا وتجاوزنا الخطوط الحمراء وبقية الألوان دون احم ولادستور في سبيل نزوات ومصالح جامحة لمراكز القوى العابثة في وطننا العربي التي زلزلت الامن القومي العربي وصدعت رأس المواطن بالخطابات الاستهلاكية الزائفة ، في حين أننا لم نستغل علاقاتنا بإيران وغيرها من دول العالم وفقاً لسياسة الند بالند وقانون المصالح المشتركة .

ورغم تلك الانكسارات والعواصف والزلازل السياسية التي اجتاحت المنطقة العربية مازال كبرائنا يصرون على إعادة تصنيع أنفسهم على ساحة العبث من جديد في محاولة لاغواء الشعوب المكلومة بعد تحويل المنطقة الى جحيم وتشريد وتهجير وقتل الملايين دون أخذ العبر والدروس من الخمس السنوات العجاف التي قضت كل احلامنا وتطلعاتنا ، في حين حققت ايران استراتيجيتها على مستوى الداخل والخارج بإرادة صادقة وصمود كبير ونجاح منقطع النظير ، رغم الحصار الجائر وقطيعة ذوي القربى ووحشية واشنطن وأوروبا ، وببراغماتية عجيبة دخلت النادي النووي من أوسع ابوابه وهرولت دول الغرب وفي طليعتها أمريكا وفرنسا وبريطانيا الى رفع الحظر واعادة المليارات المجمدة مع الفوائد وإعادة توطيد العلاقات المبنية على المصالح ، في حين خسرنا نحن العرب كل شيء حتى سمعتنا واسلامنا الحنيف بعد ان أبتدع كبراءنا الكثير من المغالطات والبعد عن تعاليم الله عز وجل ، وكأن لسان حالنا يقول " وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا " فهل من عودة الى الله واتباع لشريعته التي نزلت برداً وسلاماً على كل الأمم ، وهل آن الأوان لاستحضار الاخلاق ومراجعة النفس وتغليب لغة التسامح والتعايش ووقف نزيف الدم بين أبناء الوطن الواحد لاعادة فتح صفحة جديدة وعلاقات ندية ومتوازنة مع الدول الأخرى.. أملنا كبير مالم فإن القادم أسواء.


Shawish22@gmail.com

حول الموقع

سام برس