بقلم / علي البخيتي
هكذا نحن العرب ، سرعان ما ينقطع نفسنا ونرفع الراية، ونموذج ذلك القرار السعودي المتعلق بوقف منحة مقدمة من المملكة للجيش اللبناني تقدر قيمتها بمبلغ ثلاثة مليار دولار، إضافة الى مليار دولار لقوى الأمن الداخلي، وحتماً سيكون له تداعيات كثيرة خلال الأشهر القادمة، وسيدفع الكثير من القوى اللبنانية الى إعادة ترتيب أوضاعها بناء على الوضع الجديد المتمثل في تخلي الرياض عن دورها في لبنان ورفعها راية الاستسلام أمام طهران.

القرار أتخذ -كما أفادت مصادر سعودية- بسبب مواقف لبنان الرسمية في المحافل الدولية والعربية، وتحديداً كرد فعل على تحفظ وزير خارجية لبنان جبران باسيل على البيان العربي الذي يدين الاعتداء على السفارة السعودية بطهران، مع أن حجة باسيل فيها الكثير من المنطق –لأنه تحفظ فقط على كلمة ولم يعترض على البيان- حيث افاد ان القرار يدين حزب الله أيضاً، ولا يمكن التأييد الحرفي لكل ما ورد في البيان، لأن ذلك سيثير انقسام داخل لبنان والحكومة اللبنانية الممثل حزب الله فيها، وهنا يكمن الفخ –الله العالم من نصبه- الذي أوقع الجميع في هذه المشكلة، فصيغة البيان هي من أسس للانقسام عبر ذكر حزب الله لا موقف لبنان، ولو كان هناك حكمة لتجنب واضعوا البيان ذكر حزب الله –الذي لا دخل له أصلاً في اقتحام السفارة السعودية- حتى يكون هناك موقف عربي موحد، لكننا نبحث وبجدية عن ما يصنع انقسام لا ما يوحد الصف، وهنا يكمن مقتل السياسة العربية.

تعرف ايران قِصر نَفَسَنَا، وعلى العكس منا تماماً لديها نفس طويل يُمكنها من التخطيط على المستوى الاستراتيجي، فيما خطط العرب تكتيكية في أحسن الأحوال، وغالباً ما تُبنى سياسات الدول العربية على ردات الفعل الوقتية والاعتبارات الشخصية، والأخيرة تحديداً هي ما سبب غزو الكويت ومن ثم حرب الخليج الأولى والثانية، وما سبب الأزمات في سوريا وليبيا وأخيراً اليمن، فلا مصلحة لنا كعرب في كل تلك الحروب والفتن، التي استفاد منها الغرب اقتصادياً واستفادت منها ايران في توسيع نفوذها الى العراق وتعميقه في سوريا وصولاً الى رفعنا راية الاستسلام لها في لبنان اذا ما تم تطبيق القرار السعودي الأخير بوقف المنحة المقدمة للجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي، وقد ترفع الراية في اليمن كذلك اذا ما استمر التحالف في عاصفته المدمرة التي باتت تُحرج حلفائه عبر سياسة العقاب الجماعي التي تنتهجها في اليمن، وتدمير الدولة ومؤسساتها وترك المجال مفتوحاً أمام الجماعات المتطرفة عوضاً عن مواجهة سلطة انقلابية بوسائل تحافظ على الدولة ومؤسساتها.

حتماً سيجد اللبنانيون طريقة لتسليح جيشهم وقواهم الأمنية، فإيران حاضرة وروسيا كذلك، والخبراء يعرفون ما معنى أن يكون سلاحك من دولة ما وعلاقة ذلك باستقلال القرار، وبالأخص عندما لا يدفع ثمن السلاح، فحتماً سيكون المقابل الالتحاق وبشكل كامل بالمحور الآخر.

كما أن القوى اللبنانية التي تقاوم الحاق لبنان كلياً بالمحور الآخر ستشعر أن الخليجيين تخلوا عنهم، وسيرتبون وضعهم على هذا الأساس، وسيتوزعون بين منكفئ على نفسه، ومغازل للطرف الآخر وملتحق به، كما يمكن أن تظهر قوى جديدة من داخل تلك التيارات تعلن عن نفسها كممثل لتلك الطوائف، وتكون بذرة قوية لعلاقة دائمة مع إيران.

أجدني –وغيري الكثيرين- أقرب الى المواقف الإيرانية الممانعة في المنطقة، في لبنان، وفي فلسطين تحديداً، ولا أختلف مع الدور الإيراني الإيجابي الداعم لمقاومة إسرائيل، لكني أختلف وبدافع من قوميتي العربية مع سعي إيران الى تجيير ذلك لمصلحتها وتقديم نفسها كقائد للعالم الإسلامي وتهميش الدور العربي في قضيتنا المركزية، مع أن ذلك من حقها –وان كان لا يروق لي- في عالم اليوم الذي تلاشت فيه الكثير من الحدود والحواجز، إضافة الى تدخلاتها السلبية في العراق واليمن –وسأكتب ملاحظتي على الدور الإيراني السيء في اليمن تحديداً في مقال لاحق- لكن ما باليد حيلة للأسف الشديد، فمواقف زعاماتنا وسلطاتنا مخجلة، وتضعنا في تناقض صعب، فلكي نقاوم إسرائيل علينا أن نقبل بإيران كسيد للمنطقة، والالتحام بدولنا وأنظمتنا وزعاماتنا السياسية صعب، بل يكاد يكون مستحيل علينا، لأنه يجرنا الى المحور الآخر الذي تتزعمه أمريكا، وفيه مصالح إسرائيل مقدمة على كل شيء حتى على المصالح الأمريكية نفسها بحكم تأثير اللوبي الإسرائيلي القوي، فبعد وفاة الزعيم العربي جمال عبدالناصر غاب الدور العربي المشرف الذي تجد الجماهير نفسها ملتحمة معه وبشكل تلقائي دون الحاجة الى صرف المليارات لشراء الولاءات كما يحدث اليوم في الكثير من الدول العربية، فمشروع ناصر كان أقوى وأكثر اغراءً من كل المليارات التي ينفقها البعض.

كان يمكن للسعودية أن تلعب دوراً عربياً، ولا تزال الفرصة أمامها، إذا ما تعاطت مع قضايانا من منطق عروبي، وبنفس نظامها السياسي لا نفس مؤسستها الدينية الذي يجعل المملكة طرف في النزاعات الداخلية لا وسيط وأخ أكبر يمكن أن يساهم في الحل، وذلك الدور السلبي يعزز شيعية بعض الطوائف في بلداننا على حساب عروبتها، عبر الدخول معها والمكونات السياسية التي تمثلها في مواجهات وحروب وقمع واتهامهم بأنهم مجوس وفرس كما ورد –مثلاً- في المنشورات التي القتها طائرات التحالف على المناطق التي يسيطر عليها "أنصار الله" الحوثيون في اليمن، وقد كتبت قبل فترة مقال بعنوان: (كيف أدخلت السعودية إيران الى عمق المنطقة العربية...وأوصلت اليمن الى وضعه الحالي؟)، يمكن قراءته من مدونتي: http://albkyty.blogspot.com/2015/07/30-2015_30.html.
أعود لموضوع المقال وأدعوا المملكة وكل دول الخليج الى مراجعة سياستهم تجاه لبنان، عبر التراجع عن وقف المعونة للجيش اللبناني وقوى الأمن ولعب دور جديد في لبنان لا يستبعد الشيعة، وتجاه القضية الفلسطينية عبر تزعم المشروع العربي الهادف الى تحرير فلسطين أو صناعة سلام عادل -يقبل به الفلسطينيين أولاً ويدعمه الشارع العربي- مع إسرائيل، لا استسلام كما تروج له الولايات المتحدة واسرائيل، وفي سوريا وليبيا واليمن عبر السعي لإيجاد حلول سلمية توقف نزيف الدم العربي وتخفض من مستوى الاحتقان الطائفي وخطاب الكراهية فيما بيننا، فالبديل لذلك هو تزعم ايران للمنطقة وبالتعاون مع الغرب، على اعتبا العرب غير جديرين بأن يديروا حتى منطقتهم، ومؤشر ذلك تسوية الملف النووي الإيراني، وقد تلتحق الكثير من التيارات العربية في الكثير من بلداننا بالمشروع الإيران تحت لافتة عالم إسلامي واحد، لكنه في حقيقته سيطرة إيرانية فارسية على القرار في المنطقة وتهميش الدور العربي، ولا أعتب على ايران في سعيها لتزعم المنطقة، فنحن كعرب من نقدم لها عناصر النجاح عبر مواقفنا المخزية من قضايانا المركزية و حروبنا الداخلية وصراعاتنا الطائفية والمذهبية، إضافة الى غياب مشروع قومي عربي منافس للمشروع الإيراني الفارسي في المنطقة والمشروع الأمريكي الصهيوني.
من صفحة الكاتب

حول الموقع

سام برس