سام برس
الجزائر تنأى بنفسها عن قرار “تجريم” المقاومة ووصفها بالارهاب وتتبرأ منه.. ولحقتها تونس.. المجتمع المدني يتحرك في الاخيرة رفضا له.. فهل عاد الشارع العربي بقوة الى ثوابته الوطنية وقضيته المركزية الاولى؟

بدأت حكومات عربية “تتنصل” من بيان وزراء الداخلية العرب الذي وضع “حزب الله” على قائمة “الارهاب” بضغوط سعودية خليجية، فبعد ان نأت الجزائر بنفسها عن القرار، ها هو وزير خارجية تونس السيد خميس الجهناوي يؤكد ان “هذا البيان الختامي لا يعكس موقف تونس، وليس له صفة اقرارية”، وقال “مثل هذا القرار يصدر بالتشاور بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة وتعلنه وزارة الخارجية لا الداخلية”.
الحكومة الجزائرية كانت اول من سارع الى “نسف” هذا القرار، والتأكيد على موقفها الداعم لمقاومة الاحتلال الاسرائيلي، عندما قال وزير خارجيتها السيد رمطان لعمامرة ان بلاده تتبرأ رسميا من هذا القرار “وان حزب الله حركة سياسية تنشط في لبنان وفق قوانينه، والجزائر مواقفها ثابته لا ولن تتدخل في الشؤون الداخلية للدول”.

عدم صدور هذا التوضيح مبكرا من الحكومة الجزائرية احدث حالة من اللغط وسوء التفسير لموقفها الذي تمثل في الامتناع عن التصويت على قرار وزراء الداخلية العرب، واعتبر “حزب الله” ارهابيا، واوضحت على لسان وزير خارجيتها “ان اي تشويه لمواقفنا هو تجن على الجزائر ومحاولة جرها لحساسيات اقليمية”.

الجزائر التي قال زعيمها الراحل هواري بومدين انها مع فلسطين ظالمة ومظلومة، ودعمت كل فصائل المقاومة الفلسطينية دون استثناء بالمال والسلاح، وفتحت اراضيها لها وشهدائها، واستضافت كل جلسات المجلس الوطني الفلسطيني (برلمان المنفى)، وشاركت في كل الحروب العربية ضد الاحتلال الاسرائيلي بالمال والسلاح والمقاتلين، لا يمكن ان “تجرم” المقاومة وتوافق على الصاق صفة الارهاب بها.

دمعت اعين الملايين، ونحن منهم، في الوطن العربي يوم 17 شباط (فبرابر) الماضي عندما ازدحم المدرج الرياضي الاكبر في العاصمة الجزائرية بأكثر من مئة الف مشجع، رفعوا الاعلام الفلسطينية، وهتفوا باسم فلسطين مثل الاسود، وساندوا ممثليها في الملعب ضد فريقهم الوطني، وكانت مظاهرة دعم شعبي سياسي للقضية المركزية العربية والاسلامية غير مسبوقة، ستدخل تاريخ الشرق والكرامة والعزة من اوسع ابوابه.

قرار الصاق تهمة “الارهاب” بحركة مقاومة عربية الذي حاول البعض تمريره بقوة المال، عبر “منتدى” وزراء الداخلية العرب، اعطى نتائج عكسية كليا، وارتد على اصحابه جحيما، وفضح هذه المؤسسة التي من ابرز اهدافها حماية انظمة قمعية، والتنسيق بين دوائرها حول كيفية تعميق ثقافة القهر، ومصادرة الحريات، والتستر على الفساد والفاسدين.

ردود الفعل الشعبية الرافضة لهذا القرار الارهابي الذي قدم هدية ثمينة جدا للاحتلال الاسرائيلي، اكدت على وعي المواطن العربي، والتفافه حول قضية فلسطين، وثقافة المقاومة، وفشل كل محاولات جره الى حروب طائفية تمزق الاوطان وتزعزع استقرارها، وتنسف وحدتها الوطنية والجغرافية، وكل قيم التعايش والوئام.

كانت انطلاقة رفض بيان وزراء الداخلية العرب الارهابي من تونس التي تفاجئنا دائما بحسها الوطني المشرف، ومن قبل مؤسساتها المدنية التي فجرت الثورة الديمقراطية، وحافظت على اسسها ومنطلقاتها والسلم الاجتماعي، وهذا ليس غريبا على تونس وشعبها الاصيل.

ولا يمكن ان ننسى في هذه العجالة طرد 500 نائب مصري لزميلهم الذي استضاف السفير الاسرائيلي في بيته على مأدبة عشاء تكريمية، رغم تحفظاتنا على الكثير من السياسات والمواقف الرسمية المصرية، الامر الذي يؤكد ان الامة بخير، رغم ما يلحق بها من انتكاسات جراء المؤامرة التي تشهدها.

المقاومة التي هزمت الاحتلال الاسرائيلي سواء في لبنان، او قطاع غزة، او الضفة الغربية، او هضبة الجولان، وسيناء، لا يمكن ان تكون ارهابا، والذين يريدون تبني التوصيفات الاسرائيلية لها يرتكبون خطأ فادحا، ويؤكدون عدم استيعابهم لمشاعر الانسان العربي المسلم الذي ستظل بوصلته دائما موجهه نحو فلسطين ومقدساتها.
“راي اليوم”

حول الموقع

سام برس