سام برس
الكويت تنضم الى السعودية في الهجوم الشرس على اوباما وعلى اعلى المستويات.. ما هي اسباب هذا التحول “غير المسبوق” ومن دولة “حررتها” القوات الامريكية؟ وهل “انفرط” عقد التحالف التاريخي؟ وما هي البدائل الخليجية الاخرى؟

رأي اليوم:

تحول الرئيس الامريكي باراك اوباما الى اكثر شخصية مكروهة في منطقة الخليج العربي، بعد المقابلة الصريحة التي ادلى بها الى مجلة “انتلانتيك”، وانتقد فيها المملكة العربية السعودية، واتهمها بدعم التطرف، ونشر الارهاب، والاسلام الوهابي المتشدد في العالم، وكان لافتا ان يدخل مسؤول كويتي رفيع المستوى الى حلبة الهجوم هذه، بعد ايام من المقالة غير المسبوقة التي كتبها الامير تركي الفيصل، وتمضنت هجوما شرسا على الرئيس الامريكي.

الشيخ ثامر الصباح رئيس جهاز الامن الوطني في الكويت، كسر تقليدا كويتيا متبعا منذ ان تمكنت قوات “عاصفة الصحراء” الامريكية من تحرير بلاده، واخراج القوات العراقية منها في شباط (فبراير) عام 1991، وشن هجوما عاصفا على الرئيس اوباما بسبب قوله في المقابلة المذكورة آنفا “ان دول الخليج تنتفع مجانا من خلال دعوة امريكا للتحرك دون ان تشارك بنفسها في الحرب”، وهي العبارة نفسها التي اوجعت السعودية “الشقيقة الكبرى”، ودفعت الامير الفيصل الى القول في بداية مقالته “موجها كلامه الى الرئيس اوباما “نحن لسنا الذين يمتطون ظهور الآخرين لتحقيق اهدافنا”.

الشيخ الصباح عاتب الرئيس الامريكي قائلا “ان الكويت مثل قطر ودول خليجية اخرى فتحت مطاراتها وقواعدها للطائرات الامريكية لقصف مواقع “الدولة الاسلامية” في العراق وسورية، وانفقت مليارات الدولارات في محاربة الارهاب ومساعدة اللاجئين وتبادلت المعلومات مع واشنطن”، وتساءل “كيف يكون هذا انتفاعا وبالمجان”.

هذه الحملات الخليجية التي لا تقتصر على حملات اعلامية، مثلما جرت العادة، وانما على تصريحات لمسؤولين كبار ايضا، تعكس خيبة امل كبيرة تجاه الولايات المتحدة، الحليف التاريخي، بسبب توجهها نحو ايران، وتبرئة ساحتها من اي اعمال ارهابية، وكسر العزلة عنها بتوقيع اتفاق نووي، مثلما تؤكد ان حكومات الدول الخليجية باتت تشعر بالخذلان، ولم تعد تعلق آمالا على الولايات المتحدة كمظلة حامية، امنيا وعسكريا، او على ادارتها الحالية على الاقل، وربما يتغير هذا الموقف في حال وصول ادارة امريكية جديدة الى الحكم في الانتخابات الرئاسية المقبلة بعد سبعة اشهر، تتبع سياسات مختلفة وتناصب ايران العداء.

من الواضح ان هذا الهجوم الكويتي يأتي تضامنا مع المملكة العربية السعودية في اطار سياسة جديدة بدعمها في مواجهة الخطر الايراني الذي يهددها، حسب الادبيات السعودية، وهذا ما يفسر انضمام جميع الدول الخليجية، باستثناء سلطنة عمان، الى “عاصفة الحزم” في اليمن، وادانتها جميعا لـ”حزب الله” ووضعه على قائمة الارهاب، ولكن يبدو لافتا ان الكويت وحدها، ومن دون الدول الخليجية الاخرى، هي الوحيدة التي شاركت السعودية في الهجوم على الرئيس الامريكي، وبمثل هذه القسوة والمباشرة.

ما يؤكد اقتراب الكويت من السعودية اكثر من اي دولة خليجية اخرى في هذا الملف، نزعها الحصانة البرلمانية عن النائب الشيعي عبد الحميد دشتي بسبب “تهجمه” على السعودية وحربها في اليمن، ودفاعه عن “حزب الله” باعتباره حركة مقاومة، وظهورة في برامج تلفزيونية تابعة او متعاطفة مع النظامين السوري والايراني، حسب لوائح الاتهام.

الكويت تقف على خط المواجهة مع ايران، بعد ان فعلت الشي نفسه مع الرئيس الراحل صدام حسين، ولكن حكومتها، فيما يبدو، لم تتخذ هذا الموقف الجديد اعتباطا، ولا بد انها حسبت النتائج هذه، فهي الاقرب جغرافيا الى ايران، وتشترك معها في آبار نفط وغاز، وفوق هذا وذاك، ان الاحصاءات الرسمية تؤكد ان اكثر من 35 بالمئة من مواطنيها من ابناء الطائفة الشيعية، نسبة لا بأس بها من هؤلاء من اصول ايرانية، بالاضافة الى انها تواجه خطرا ارهابيا آخر من متشددين سنّة، وآخر حلقات هذا الخطر تفجير انتحاري استهدف مسجدا شيعيا في العاصمة تبين لاحقا ان منفذيه جاءوا من السعودية، ويحملون جنسيتها.

ان تعتمد دول خليجية على نفسها في الدفاع عن امنها واستقرارها في اطار تحالف بقيادة السعودية، فهذا تطور جديد ومهم، ولكن ان تستغني عن المظلة الدفاعية الامريكية بمثل هذه الصورة المفاجئة و”النزقة” فهذه “مقامرة” محفوفة بالمخاطر، خاصة لعدم وجود بدائل اخرى، وان كان هناك من يجادل بأن “التحالف الاسلامي” الذي اعلنت السعودية عن تشكيله قبل شهرين من 32 دولة، قد يكون احداها.

كنا دائما نعارض في هذه الصحيفة “راي اليوم” اي اعتماد على امريكا كقوة صديقة للعرب، وعارضنا “عاصفة الصحراء” لانها ادت الى تدمير العراق ومهدت لاحتلاله، الامر الذي صب في نهاية المطاف في احداث خلل موازين القوى الاقليمية لمصلحة ايران، وتتحمل الحكومات الخليجية المسؤولية الاكبر في هذا المضمار، لانها لعبت الدور الاكبر فيه، لان الرغبة في الانتقام حجبت الرؤية عن المخاطر الاستراتيجية التي نرى ارهاصاتها الآن.

شتم امريكا بالطريقة التي نراها يذكرنا بالمثل العربي الذي يقول “اشبعناهم شتما وفازوا بالابل”، والبديل في نظرنا هو العمل على تأسيس مشروع سياسي وامني عربي مستقل عن امريكا وغيرها، واول خطوة على هذا الدرب تغيير، او مراجعة، الكثير من السياسات الحالية الانعزالية، والاقصائية، والطائفية، والخروج من الحروب العربية الحالية بأقل الخسائر، وتوسيع الدائرة الخليجية الحالية الى دائرة عربية تؤسس الى تضامن اسلامي حقيقي.
ندرك جيدا انها معادلة صعبة، ولكن طريق الالف ميل تبدأ بخطوة، ونحن في انتظارها في جميع الاحوال.

حول الموقع

سام برس