بقلم / د. فضل الصباحي
من وصايا الحكماء للحكام : قولهم أنفعهم، لا تؤذهم، أعنهم على النجاح، ولا تخذلهم، امنحهم الحَيَاة، ولا تفتك بهم، اعطهم، ولا تأخذ منهم ادخل الفرحة عليهم، ولا تتسبب في معاناتهم اجعلهم سعداء، لا تتسبب في جوعهم …

هل يؤمن المتصارعون على الحكم في اليمن بتلك المبادئ الجميلة لا أتوقع ذلك لأن السلطة في نظرهم فرصة للحصول على المال والثروة والنفوذ و مزيد من الأتباع الذين لديهم الإستعداد للتضحية دفاعاً عن أسيادهم من همجية بقية الشعب …

والدولة الدينية في مخيلتهم هي السلطة المطلقة، اما الدولة المدنية فهي عبارة عن مجالس وسلطات يجلس عليها كمبارس من عامة الشعب يؤدون دورهم بحرفية عالية لتبرير كل تصرفات الحكام وتغطيتها بغطاء الديمقراطية …

ومع الأسف الصورة المتكاملة للدولة المدنية التي يريدها اليمنيون لم تتضح معالمها حتى الآن ، في ضل غياب المشاريع السياسية الواضحة المعالم ، المدعومة بالإرادة الشعبية العارمة إن الدولة المفقودة التي يبحثون عنها ليس لها وجود في مخيلة أطراف الصراع، وإلا لما كان هناك مشكلة …

اغلب من تولو مناصب في الحكومات السابقة لم يكونو بالمستوى المطلوب وتم تهمش دور المبدعين ، والمفكرين والعلماء، لتصبح الدولة في مهب الريح تلعب بها عواصف القوة والهيمنة الخارجية ،لأنها تخلت عن اهم ركائزها وهم الخبرات الأكاديمية والعلمية في شتى المجالات …

من اهم صفات الدولة المدنية أنها غير عسكرية والذي يأتي للحكم يأتي بموجب النظم المدنية ، وليس عن طريق الأنقلابات العسكرية، والاستيلاء على الحكم بقوة السلاح، أو الفوضى التي تودي إلى الإستيلا على الحكم
والدولة المدنية عكس الدولة الدينية لأن لازدواجية هي التي أوجدت لنا الخلافات من خلال اللعب بعواطف البسطاء، ونحن في المقابل لا نريد دولة – ميكا فيلي – الدولة التي لا تخظع لأي منظومة قيمية، أو أخلاقية.
التي يرى فيها ميكا فيلي “نزع المطلق الديني والقيمي عن تصرفات السياسي” ونريد أن نقف بقليل من التحليل مع ما قاله – تومس هوبز – الذي يقول “أن الحكومة الزمنية والحكومة الروحية لفظان لم يظهرا إلى العالم إلى ليحدثا ازدواجية عند الناس، بحيث يخطؤن في معرفة الحاكم الشرعي” ويقول أيضاً ان التمييز بين الحكومة الروحية، والحكومة الدنيوية زائف و لا يستطيع الإنسان أن يخدم سيدين كما أن الحكومة المشتركة أو المختلطة ليست حكومة بالمعنى الدقيق لهذه الكلمة ولم يبقى إلى أن تخظع إحداهما للأخرى …

أعني أن تخظع السلطة الروحية لسيطرة الدولة ، فألا خطاء التي وقعت فيها الامم بسبب السلطة الروحية
لا حد لها ، ولهذا كان لا بد أن تحدد بدقه المكانه التي يشغلها الدين داخل الدولة ، وان يبين حدود
السلطة الروحية”، المعنى واضح يجب أن تحدد مهام رجال الدين الذين يحضون بتقدير أغلبية الناس،
تحدد مهامهم في دعم مسيرة الدولة وتوجية أفراد المجتمع للمحافظة على كيان الدولة، وتماسكها فقط ويتركو العمل السياسي لرجال الدولة العارفين بإدارة البلاد وفـــــــن الحكم …

ولم يذهب الدكتور محمد عمارة بعيداً حيث رسم ملامح العلاقة بين الدولة المدنية والدينية ” يقول عمارة الدولة الإسلامية دولة مدنية تقوم على المؤسسات ، والشورى هي آلية اتخاذ القرارات في جميع مؤسساتها ، والأمة فيها هي مصدر السلطات شريطة الا تحل حراماً او تحرم حلالاً، جاءت به النصوص الدينية قطعية الدلالة والثبوت، هي دولة مدنية، لأن النظم والمؤسسات والآليات فيها تصنعها الأمة ، وتطورها وتغيرها بواسطة ممثليها، حتى تحقق الحد الأقصى من الشورى والعدل، والمصالح المعتبرة التي هي متغيرة ومتطورة دائماً وأبدا ،فالأمة في هذه الدولة المدنية هي مصدر السلطات ،لأنه لا كهانة في الإسلام ،فالحكام نواب عن الأمة ، وليس عن الله ، والأمة هي التي تختارهم وتراقبهم ، وتحاسبهم ، وتعزلهم عند لاقتضاء

وسلطة الأمة ، التي تمارسها بواسطة ممثليها الذين تختارهم بإرادتها الحرة : لا يحدها الا المصلحة الشرعية المعتبرة ،ومبادئ الشريعة التي تلخصها قاعدة لا ضرر ولا ضرار والدولة الإسلامية كما يقول عمارة دولة مؤسسات ، كانت القيادة فيها والسلطة جماعية ترفض الفردية ، والدكتاتورية ، والاستبداد ، فالطاعة للسلطة الجماعية . “

أخير نحن لا نريد للدولة اليمنية الفشل قبل أن تولد السلطة والموارد أساس الصراع بين جميع القوى السياسية لكن الدولة الحديثة تحركها فعالية المجتمع ،الذي يؤثر في حركتها وتطورها فهل يكون للنخب والكفأت العلمية في مختلف المجالات يكون لهم الدور الأبرز في رسم ملامح وصورة الدولة اليمنية القادمة أتمنى ذلك …
ولكي يتحقق للشعب ما يريد أبعدو صراعاتكم المقيتة عن قوته وأمنه وحياته ،اتركوا له المجال ليعش بسلام ورفاهيه مثل بقية الشعوب و يدير مؤسساته بعيداً عن أحقادكم وصراعاتكم التي لا تنتهي …

إن بناء الدولة المدنية الحديثة يحتاج إلى الطرق الصحيحة والفعالة من خلال مشروع حضاري يتحمل مسؤوليته النخب المؤهلة المسلحة بالعلم والمعرفة وحدها القادرة على إخراج اليمن من مستنقع الصراعات والتقاسم الأناني الذي يعبث بمقدرات الشعب ويستهين بفقره و كرامته من أجل مصلحة قوى النفوذ والسيطرة التابعة لقوى التخلف والإرهاب ………
كاتب عربي
نقلا عن رأي اليوم

حول الموقع

سام برس