بقلم / محمود كامل الكومى
يبدو الواقع السياسى الذى يعيشه العالم الآن هو الأشد فتكا بقواعد القانون الدولى ومواثيق المنظمات الدوليه التى أرست قواعد للأنسانيه فى عالم مابعد الحرب العالميه الثانيه بُغية تخليص الشعوب من نير الحروب ودمارها وأبادة أمم وقوميات بكاملها والتى خرجت من ركام الرماد تعلن للأنسانية جمعاء –كفى- وهيا بنا نمضى الى عالم السلام والرخاء وضمان المجتمع الدولى لكل من على الأرض بعيش يحقق رغد العيش والوئام .

لكن الأستفراد والأستقواء بدى فى حنايا ودهاليز تلك المنظمات من جانب أمريكا وبغايا الأمبراطوريتين الفرنسيه والبريطانيه حين غربت شمسهما وبقيت استعماريتهما تُجتر من جديد مع أمبريالية أمريكا الصاعده لأفتراس العالم تحت مسمى الأمم المتحده ومجلس الأمن الدولى وكافة المنظمات التى تبغى فى مواثيقها حفظ الأمن والسلم الدوليين -هكذا فهمت شعوب العالم – لكن بغايا الأستعمار القديم والأمبرياليه الحديثه وَصِفُوا السلم والأمن من خلال مفهومهم الأستعمارى حين قصروه على أنفسهم فقط واذا ماتعارض مع مصالحهم الشخصيه فهو مايهدد السلم والأمن العالمى حتى وأن حقق لشعوب العالم أمنها وأستقرارها وتنمياتها المستقله بعيدا عن قوى السيطره العالميه المتمثله فى أمريكا ومن يلهث خلفها .

لم يكن فرض الأستيطان الأسرائيلى على أرض فلسطين اِلا نتاجا لهذه السياسه المصلحيه المتمثله فى أنتهاك ميثاق الأمم المتحده والمواثيق الدوليه من جانب أمريكا وفرنسا وبريطانيا خضوعا للوبيات الصهيونيه الناعقه كالبوم فى فرض تعريف استعمارى صهيونى لمفهوم السياسه الدوليه .

رويدا .. رويدا بدى المفهوم العلمى للسياسه يتغير من "تحليل الواقع لأستقراء المستقبل مع أخذ العِبر من التاريخ " بهدف التعاون من اجل الأنسانيه بمفهومها الأنسانى .. الى " اللعب على الأحبال "وتنحى التاريخ جانبا وتحويله الى أفلام دنكشوتيه بلا عِبر ولا أنسانيه , من أجل تحقيق الذات وتغليب المصلحه الذاتيه حتى ولو عاثت فسادا فى الأنسانيه وأشعلت فى دروبها النيران للقضاء عليها والعوده الى قانون الغاب ,ليصير "هتلر " الجديد أشد فتكا ودماراً على الأنسانيه بما يجعل شعوب العالم تترحم على عالم ماقبل الحرب العالميه الثانيه وعلى أدولف هتلر "نفسه" .

فى عالمنا العربى صار "الزعيم جمال عبد الناصر"ظاهرة ما بعد الحرب العالميه الثانيه فى السياسه الدوليه , وبدى تمسكه بقيمها ومبادئها ومواثيق المنظمات الدوليه والأنسانيه مضرب الأمثال وبدت سياسته تغرد بعيدا عن سرب التحالفات الدوليه أيام الحرب البارده حيت تمسك بالمفهوم العلمى والأنسانى للسياسه من أجل رفاهية شعوب العالم الثالث وحقها فى تمتعها بالسلم والأمن الدوليين بما يضمن لها استقلال ارادتها بعيدا عن مافيا القوى التى اهدرت المفهوم العلمى للسياسه وأصطنعت سياسه اللعب على الاحبال
لفرض هيمنتها على الضعفاء- ووفقا للمفهوم العلمى للسياسه والمطابق لروح المواثيق الدوله والأنسانيه ,أنشىء جمال عبد الناصر منظمة دول عدم الأنحياز مع تيتو ونهرو على المستوى العالمى , وعلى مستوى العالم العربى كانت سياسته الوحدويه ومن اجلها قاد النضال ضد اسرائيل لتحرير فلسطين ومساعدة الدول العربيه للتحرر من نير الاستعمار وحكام الرجعيه العربيه المتحالفه معه.

كان نضال جمال عبد الناصر من اجل الأنسانيه وتأصيله لمفهوم السياسه للمواثيق الدوليه , جديرا بأن يتناقض مع المفهوم الاستعمارى الأمبريالى للسياسه وتطويع مفهوم المواثيق الدوليه والأنسانيه لخدمة أغراضها الأستعماريه , لذا وصمومه بأنه يبغى تعكير الصفو وأثارة القلاقل وتأليب الشعوب على جلاديها – فتم تسخير قوى الرجعيه العربيه التى تتبنى السياسه بمفهومها الأستعمارى الذاتى المحض والتى لاترى من السياسه اِلا أنها تحفظ لها كرسى الحكم فى دولها لذا رضخت للأمبرياليه والأستعمار - الذى نصبها ضد ارادة شعوبها- لأوامره فى محاربة "جمال عبد الناصر" حتى لايزداد تعميق السياسه بمعناها العلمى فتكشف الشعوب حقيقية الاستعمار الذى يتاجر بالشرعة الدوليه من اجل نهب ثرواته.

بدت أسرة الحكم فى المملكه السعوديه هى المنوط بها التصدى لجمال عبد الناصر ووقف مشروعه التحررى القومى , وكانت البدايات مع وحدة مصر وسوريا .. والتاريخ يسجل للأسره السعوديه مؤامراتها على مصر
حسب الدراما التاليه .
1-المفكر الحجازي الدكتور "فوزى أسعد نقيطي"، وهو أحد الضباط الأحرار في السعودية خلال الستينيات فجر مفاجأة عند كشف المؤامرة التي دبرت ضد عبد الناصر، والتي بدأت أوائل عام 1958 للعمل على منع قيام الوحدة المصرية-السورية، وذلك بضرب طائرة عبد الناصر وإسقاطها، بعد مغادرته دمشق إلى القاهرة.
وقد رصد الملك سعود مبلغ 20 مليون جنيه إسترليني لاغتيال عبد الناصر، وإفشال الوحدة مع سوريا، وشارك في تنفيذ هذه المؤامرة سوريون وسعوديون وكان للولايات المتحدة ورئيسها "روزفلت" يد في تدبير محاولة الاغتيال. كشف المقدم عبد الحميد السراج الذي تم عرض عليه مبلغ من المال للقيام بانقلاب في سوريا وإفشال الوحدة السورية المصرية تفاصيل المؤامرة بالكامل للرئيس ناصر، ولذلك لم يكتمل مخطط قتله.
2-تشجيع الملك فيصل لأسرائيل على قيامها بحرب حزيران 1967,
طبقا للرسالة التي بعثها الملك فيصل إلى الرئيس جونسون ( وهي وثيقة حملت تاريخ 27 ديسمبر 1966 الموافق 15 رمضان 1386 ، كما حملت رقم 342 من أرقام وثائق مجلس الوزراء السعودي ) ما يلي :-
– أن تقوم أمريكا بدعم إسرائيل بهجوم خاطف على مصر تستولي به على أهم الأماكن حيوية في مصر، لتضطرها بذلك ، لا إلى سحب جيشها صاغرة من اليمن فقط ، بل لإشغال مصر بإسرائيل عنا مدة طويلة لن يرفع بعدها أي مصري رأسه خلف القناة ، ليحاول إعادة مطامع محمد علي وعبد الناصر في وحدة عربية .
بذلك نعطي لأنفسنا مهلة طويلة لتصفية أجساد المبادئ الهدامة، لا في مملكتنا فحسب ، بل وفى البلاد العربية ومن ثم بعدها ، لا مانع لدينا من إعطاء المعونات لمصر وشبيهاتها من الدول العربية إقتداء بالقول ( أرحموا شرير قوم ذل ) وكذلك لإتقاء أصواتهم الكريهة في الإعلام 0
3- فتح المجال الجوى السعودى للطيران الاسرائيلى لقصف الجيش المصرى فى اليمن .
4- تجنيد السادات بمعرفة كمال أدهم رئيس المخابرات السعوديه لصالح أمريكا وتيسير الأمور له للصلح مع اسرائيل .
5- دور المستثمرين السعوديين فى تخريب الأقتصاد المصرى –أبان سياسة الأنفتاح وعصر فساد مبارك فى تشجيع بيع المصانع والقطاع العام لأمراء سعوديين بأبخس الأثمان .
وتأتى زيارة الملك سلمان للقاهره والتى بدأت فى 742016لمدة خمس أيام لتجتر الماضى السالف البيان وهى تثير التساؤل عن سيادة منطق السياسه بمفهوم اللعب على الأحبال وصعود المفهوم العلمى للسياسه الى عالم السماء بعيدا عن الأرض وطغيان البرابره واتباعهم ممن يملكون البترودولار..
طبقا لهذا المفهوم الساقط والمتدنى للسياسه تحاول مصر أن توهم شعبها بأنه الحل لنهوضها من كبوتها الأقتصاديه لذا تمارس الغنج والعهرالأعلامى على شعبها للترحيب بخادم الحرمين وتحذف من الصوره مايشينه من خدمة أى من البيتين الأبيض أو الكنيست وتصطنع له البطولات والأيادى البيضاء وتمسح عنه أى تأمر لأسرته على مصر فيما فات .
وبنفس المفهوم لاتريد الرياض من مصر اِلا التبعيه فى الأقتصاد للأمريكا ن وأتخاذ مواقف اشد قربا من أسرائيل , والحرب بالوكاله عن الصهيونيه والأمبرياليه مع السعوديه وعلى ذلك تكون القروض سخيه .
لذلك كان التمهيد لزيارة سلمان :
حيث صدرت الاوامر بمنع بث قناة المنار من النايل سات , تنفيذا لطلب الملك السعودى واهدارا لحرية الكلمه والرأى وبث الحقائق .
و أعطت الأداره المصريه الضوء الاخضر لعودة بعض أفراد تنظيم الأخوان المسلمين من الخارج وأخرج بعض المتطرفين من الجماعه الأسلاميه من السجون – وبدت الجماعه الاسلاميه فى مصر يساندها ملك السعوديه وحزب النور السلفى فى طريقمها الى الحياه السياسيه ,
فى تأكيد لشرعنة الأرهاب وتمويله الذى تقوده السعوديه ودمرت به سوريا واليمن وليبيا من قبل .
بعيدا عن مفاهيم السياسه الأستعماريه .. يبدو أننا جديرين الآن أكثر من أى وقت مضى أن نعود الى المفهوم السياسى المبنى على تحليل الواقع لأستقراء المستقبل مع الأخذ فى الأعتبار عبرة التاريخ , لذا لابد للنقاش أن يكون بالتحليل العلمى لا بلغة السوقه أى بالعب على الأحبال .
فهناك من يرى ان السعوديه اخدت دور مصر كلاعب اقليمى - مصر كانت تقود المنطقه كلها وبأيعاز من امريكا السعوديه تنحى مصر جانبا وتأخد دورها
وهناك من يرى أن قروض السعوديه ليست الا وهميه والرئيس السيسى فى اخرخطاباته قال السعوديه وعدت 30مليار دولار استثمارات ولم توف الا ب 3 فقط ,- وهناك من قال ان السعوديه تشترط ان تورط مصر فى حروبها فى اليمن وسوريا لصالح امريكا - اذن فلوس السعوديه مرهونه بشروط تبغى تدمير مصر- وكأننا ممومس ننصاع لمن يدفع اكثر.

اذن من يرى ذلك يريد ان تكون مصر لها حرية القرار
أما الارهابيين من الاخوان او الفاسدين من دولة مبارك فهم بالطبع لايريدون الخير لمصر ..ونحن قد ازلنا ارهاب الاخوان ومازلنا فى معركه ضد فساد دوله مبارك
ومصر كلها خيريكفى أنها تُسرق وتجرف منذ 40 سنه وتحملت أعباء ثورتين خلال الأعوام الأخيره ومازالت تقف على قدميها الى الآن , وبالطبع لو تم القضاء على هذا الفساد والحفاظ على المال العام ورجعت كل الأموال المنهوبه وسخرت كل الأمكانيات لعودة آلاف المصانع التى بناها الشعب فى عهد جمال عبد الناصر الى الأنتاج بالتأكيد سيتقدم اقتصادنا ولن نحتاج لبترودولارات السعوديه ولاغيرها وسيعود لمصر القرار .
كاتب ومحامى - مصرى

حول الموقع

سام برس