بقلم / منى صفوان
الدولة السعودية الثالثة في مأزق ، نُبش تاريخها من تحت الرمال ، وحينما تتحرك الرمال يمكنها ان تبتعلك، هكذا تقول الصحراء، من مضيق باب المندب الى مضيق وجزر تيران، حيث اعادت الازمة المفتعلة في مصر، للذاكرة العربية الجمعية، محطات السعودية كدولة حديثة العهد في المنطقة تجاور مصر و اليمن، وتقارع بحكمها الادرن والعراق الهاشميتان “وقتها” ، فتتوسع اولا بصراعها مع حكم القبائل العربية والهاشمية في الحجاز، وتعيد الدولة الوهابية قبل ان يسفك دمها على يد الحكم العثماني.

ولا تياس السعودية فتعيد تواجدها من تحت عباءة المحمية البريطانية في الخليج ، لتصارع اليمن على حدودها معها ، مع نشوء دولة اسرائيل، فتشغل بعد ذلك مصر بحرب في اليمن في وقت كانت قد اغلقت فيه مصر مضيق تيران، فتصارعها السعودية وتجرها الى باب المندب لتُهزم مصر في تيران شمال البحر الاحمر على حدود اسرائيل ، فيمهد ذلك لاحتلال اسرائيل للجزر وتدفع مصر الثمن 1967 .

تاريخ سعودة المنطقة

الملفات تتداخل، يقطعها تصفيق البرلمان المصري، لعاصفة الحزم وابتسامة ثقيلة من الملك السعودي، بينما يتلفت محمد بن سلمان حوله ، احفاد الجد المؤسس للدولة السعودية “الاولى” الذي تم قتله بطريقة وحشية جدا من قبل محمد علي باشا وابراهيم باشا “حاكم مصر” حين اردا ان يجاهر بوجود دولته في عز تواجد الحكم العثماني.

وقبل ان يتوجه الملك سلمان الى اسطنبول ، ويعقد لقاء دافئ مع اردوغان ، فان التاريخ كان هناك قبل عقود ليروي قصة اخر ملوك الدولة السعودية “الاولى”الرجل الجسور الحازم، الذي تحدى الباب العالي فقتل ومثل بجثته في اسطنبول 1818.

تاريخ الحزم السعودي، كلف المنطقة كثيرا، وهو يبحث عن التوسع، والعدو المفترض، وتامين امنه القومي، وهذه المرة الخطر قادم من ايران، والتي على الجميع محاربتها، بمن فيهم دول الخليج التي ترتبط باستثمارات بالمليارات مع الدولة الجارة التي عليها الكثير من الملاحظات والتحفظات، لكن الطريقة السعودية تهرول بالمنطقة برممتها و بازماتها وبطريقتها الفاشلة في ادارة الازمة، الى الجحيم.

فقبل ان يعلن “محمد بن سلمان” عن خطته الفذة المتهورة لمحاربة ايران في اليمن، كان جده عبد العزيز ال سعود يفكر باعادة الدولة السعودية “الثالثة” بعد مصرع الاولى وتأكل الثانية.

و بعد عقود من البقاء في كنف الحكم البريطاني في الكويت، حيث طلب امير الكويت وقتها “مبارك الصباح” الحماية البريطانية بسبب الخلاف مع العثمانيين، وتم ذلك في 1899.

في هذا التوقيت “نهاية القرن التاسع عشر” تخلصت الكويت من الحكم العثماني ووقعت معاهدة الحماية مع بريطانيا “معاهدة الصداقة الانجلو – كويتية” يمكن تسميتها بالاحتلال بعد عقود حين يجري الاحتفال بعيد الاستقلال ، وهذه احدى مفارقات تاريخ المنطقة الصحراوية المتغيرة.
في ذلك الوقت كانت دولة ال رشيد وعاصمتها حائل هي من تحكم وسط الجزيرة حيث لم تولد الدولة السعودية “الثالثة ” بعد وكانت الحروب بين ال الصباح وال الرشيد مشتعلة، ولم تكن لتحسم لصالح الكويت، لولا تحالف عبد العزيز ال سعود مع جابر المبارك الصباح مع 1902 وهنا في هذه اللحظة ولدت الدولة السعودية الثالثة وريثة الدولة الاولى والثانية التي تأكلت وورثتها دولة ال رشيد.

في البداية 1902 كانت الدولة السعودية فقط تشمل امارة الرياض،و في العام 1921 سيطرت على حائل ونجد، ولم تعلن “المملكة العربية السعودية” بشكلها الحالي الا في العام 1932 .

اذا عاد ابن ال سعود ليرفع العلم السعودي بحنكة ابن الجزيرة، وفطنة شاب يراقب التغيرات الجديدة، ويعقد الصفقات السياسية الجديدة، وبيده البوصلة، تبعا للمتغيرات في الخارطة الجغرافية والسياسية العربية قبيل واثناء نشوب الحرب العالمية الثانية، التي سوف تحدد بعد ذلك الخارطة الجغرافية الجديدة، وترسم الحدود الجديدة حيث ستولد دول جديدة، وتفرض تواجد الاستعمار البريطاني على جنوب اليمن ومصر.

وحيث سيُوجد “الكيان الصهيوني” في فلسطين ، متزامنا مع السنوات الاولى لولادة الدولة السعودية، القادمة كما اشرنا من كنف الحماية البريطانية في الكويت. انها الصدف التاريخية والقدرية اليس كذلك، فلنذهب الى المستقبل لتراقب مزيدا من الصدف.

الحرب اليمنية- السعودية

هنا في عمق الجزيرة العربية، بعد طرد الاسر العربية الحاكمة من الحجاز الى الاردن و العراق. تتحرك الرياح سريعا، فبعد موت الرجل المريض ” الدولة العثمانية” كانت الدول الشابة في المنطقة، واكثرها شدة ” المملكة المتوكلية اليمنية ” وعاصمتها صنعاء ، كوريث شرعي للحكم العثماني وكمنطقة وعرة لم يستطع الاستمعار البريطاني ان يحكمها.

المملكة اليمنية كانت كثير الحروب مع الجارة السعودية النزاع كان على الاراضي.
على الحدود التي تريد كلا الدولين ضمه لها، اليمن الكبير، كان يتقلص، ولكنه كان يحتمي بجباله حيث كان دخول المقاتلين السعودين الى داخل العمق اليمني يعني انتحارا في العام 1934 اي بعد عامين فقط من اعلان المملكة العربية السعودية، سيطرت السعودية على نجران وجيزان وعسير اليمنية وجاء التحكيم البريطاني لانهاء الحرب ، معاهدة الطائف التي يتم تجديدها كل عشرين سنة، وتم ترسيم الحدود ، وكانت المخابرات البريطانية تتخذ من عدن اليمنية في جنوب الجزيرة العربية موقع استرايجي بحري مهم في ذلك الوقت، و هي التي تحمي تواجد وطن قومي لليهود في فلسطين، وكانت السعودية تقوم بحروبها الصغيرة لفرض عملية التوسع بعد التخلص من القبائل الحاكمة هناك، وجعل اليمن دائما في حالة نزاع وصراع معها، في وقت كان يجب ان تركز الانظار على فلسطين نحن في “منتصف الاربعينيات”.

تلك الرواية ليست كاملة، فالصحراء العربية تخفي بين رمالها الساخنة اكثر من الاحداث سخونة .

انه اذا القرن العشرين، قرن التحولات الكبرى، النكبات، وبدء المحاولات للتحرر من الاستعمار “الاجنبي والبريطاني خاصة” تحرر اليمن، وقبلها مصر، من بريطانيا، ومن ثم مساعدة مصر “جمال عبد الناص” ر لقيام حكم جمهوري في شمال اليمن، وحرب مصر و السعودية في اليمن والنزاع على باب المندب 1962-1967 ودور ذلك في هزيمة مصر امام اسرائيل.

وبرغم ان حرب 1967 كانت بسبب اغلاق مضيق تيران، وسيطرة مصر على الجزر الواقعة فيها، كل هذه امور يمكنها ان تمهد للحديث، عن عاصفة الحزم مارس 2015 والضغط على مصر للتواجد في باب المندب مرة اخرى، والتركيز على تهديد الامن القومي الخليجي من قبل ايران، مقابل محاولة السيطرة السعودية بعد ذلك في ابريل 2016 على جزر مضيق تيران الذي يتعتبر قاعدة عسكرية واستراتيجية هامة في الصراع العربي – الاسرائيلي وقاعدة دفاعية اولى لمصر.

هذه الجزر اهميتها لمصر انها تبقى قاعدة دفاعية بالدرجة الاولى، ليس لها اهمية سياحية او اقتصادية بل حربية، في حالة نشوب اي حرب اوخرق الاتفاقية من قبل اسرائيل، التي من المفترض انها العدو الاول للامن القومي العربي والمصري، فهل جردت السعودية “ربيبة المحمية البريطانية” ، مصر من خطها الدفاعي البحري.

الزيارة اللغم

فجر الملك السعودي بزيارته لمصر الاسئلة والاحتمالات عن التوقيت، والطريقة، ووضع النظام المصري الحليف في مازق داخلي كان في غنى عنه “نظرا لازماته الداخلية المتلاحقة”
كان الملف اليمني هو الملف الابرز الذي بحث في المفاوضات الثنائية، حيث تعتبر السعودية ان اليمن هو ملفها الامني الاول، وان التهديد الايراني يبدا من اليمن ومن باب المندب، وان على مصر ان تثبت انها تقف مع السعودية، وان كان ذلك ضد مصلحة اليمن كلبد عربي شقيق وضد استقراره وامنه ، حيث لم تخلف الحرب في اليمن الا الارهاب والفوضى و الخراب، اما الحوثيون الذين شنت عاصفة الحزم للتخلص منهم، فقد تم دعوتهم الرياض الى مفاوضات سرية مع المملكة توجت بهدنة وبرعاية سعودية لمباحثات يمنية – يمنية في الكويت في ابريل تزامنا مع زيارة الملك السعودي الى مصر.

كل الملفات ترتبط ببعضها، لاتفصل ولا يمكن تقطيع اوصالها، كلها ترتبط بالمصالح و الصراع، والامن ، في مناطق جغرافية متنازع عليها منذ عقود، وحيث تظهر اسرائيل الدولة الاكثر استقرارا ممن حولها. فهل الامر مجرد صدف تاريخية متلاحقة؟
كاتبة يمنية
نقلا عن رأي اليوم

حول الموقع

سام برس