بقلم / علي البخيتي
شكلت الصور التي انتشرت في مواقع التواصل الاجتماعي في اليمن والتي أظهرت عشرات المواطنين من أبناء المحافظات الشمالية وهم محملين على ظهور ناقلات متوسطة وبعضهم ممدد على الأرض سخطاً هائلاً واحتقان شعبي كبير، بسبب ما رافق تلك الصور من تحريض مناطقي واسع، إضافة الى مبالغات وتوظيف سياسي لقضية لا تزال حقوقية حتى اللحظة، لأن أي جهة مسؤولة لم تتبنى تلك الإجراءات أو تعترف أنها موجهة ضد أبناء محافظات معينة، بل على العكس صدرت توضيحات رسمية من إدارة أمن عدن تعتبر إيجابية على المستوى النظري الى حد بعيد، ومن هنا يجب البناء على الجانب الإيجابي من تلك التصريحات، والتنبه الى النقاط التالية السريعة عند تعاطينا مع تلك القضية بالغة الخطورة والحساسية:

- هناك عشرات الآلاف إن لم يكن أكثر من الشماليين لا يزالون يعيشون في عدن ومدن جنوبية أخرى.
- هناك مئات الآلاف من الجنوبيين يعيشون في صنعاء ومدن شمالية أخرى، منذ سنوات، وبعضهم من عقود، إضافة الى من نزحوا أثناء الحرب.

- هناك مخاطر حقيقية من استمرار التحريض المناطقي على كل تلك الكتل البشرية، وبالتالي علينا التعاطي بحذر شديد، ومراعاة مصالح ومخاوف تلك الكتل، وعدم توظيف ما حدث بشكل سياسي ضد جهة ما أو ضد فلان أو علان.

- هناك فرق كبير بين ما حدث للشماليين في بعض المحافظات الجنوبية ومنها عدن ولحج والضالع في مرحلة الفوضى قبل أشهر عند خروج الحوثيين منها، وما يحدث اليوم في عدن من قبل سلطات الدولة هناك بقيادة المحافظ عيدروس ومدير الأمن شلال، الفرق لصالح المرحلة الحالية طبعاً، حيث أنها أكثر إيجابية من حالة الفلتان السابقة التي رافقها الكثير من عمليات السلب والنهب وحتى السحل ضد شماليين بتهم في غالبها ملفقة، نفذتها –غالباً- عصابات ولصوص ومجموعات مسلحة مستغلين حالة الانفلات الأمني والسخط الشعبي الناتج عن التحريض المناطقي، والذي للأسف قام بالدور الأكبر منه من يتباكون اليوم على ما حدث في عدن.

- بحسب المعلومات التي لدي فإن ما حدث في عدن ولحج هي إجراءات أمنية عقب تزايد عمليات الاغتيال والتفجيرات طالت كل من لا يحمل بطاقة هوية في بعض المربعات التي وصفت بالخطرة، سواء كان من أبناء المحافظات الجنوبية أو الشمالية، الا أن التعامل مع أبناء المحافظات الشمالية كان فضاً وغليظا ومهيناً في كثير من الأحيان، بسبب حالة الاحتقان والتحريض الذي صور المواطن الشمالي حتى على مستوى صاحب البسطة أنه نافذ وشيطان أو مخابرات وعميل لصالح أو الحوثي، وبالتالي يتم التعامل معهم على اعتبارهم طابور خامس من قبل الأجهزة الأمنية، الا أن مسألة حدوث ترحيل جماعي للعاملين من أبناء المحافظات الشمالية غير صحي، مع أن هناك حالات محدودة جداً من عمليات الترحيل طالت العشرات لا أكثر، يمكن أن هدفها كان جس النبض، لعمليات أوسع قد تتم في مرحلة قادمة، ونتيجة للحملة الإعلامية والتصريحات المنددة بالجريمة، والتي اطلقها حتى الكثير من الجنوبيين أوقفت تلك التصرفات، وأعتقد أن ردة الفعل المجتمعية من الجنوبيين والشماليين ستكون رادعة لمن أطلقوا بالونة الاختبار تلك.

- هناك أخطاء وتجاوزات جسيمة وتعامل بعنترية مارستها السلطات في عدن أثناء تنفيذ تلك الإجراءات الأمنية، ويتحمل المسؤولية عن ذلك المحافظ عيدروس ومدير الأمن شلال، بوصفهما المسؤولين المباشرين، ومن يقود تلك الحملات الأمنية، فذلك عمل غير مسؤول ويشوه سمعة عدن والسلطات فيها، ويؤسس لوباء المناطقية الذي إذا ما استفحل سيصل الى داخل الجنوب نفسه.

- هناك مسؤولية تقع على عاتق هادي وحكومته فلا فائدة من التنديد والمطالبة والشجب، لأنهم لا يتحدثون عن تجاوزات في دولة أخرى، بل عن تجاوزات في محافظات يفترض أنها خاضعة لسلطتهم، وبالتالي عليهم تشكيل لجنة تحقيق وبأسرع وقت للتأكد من حالات الترحيل المحدودة التي حدثت، إضافة الى بعض عمليات السطو التي حصلت على محلات البعض التجارية من مجموعات معروفة بالاسم، ولمعاقبة منتهكي حقوق الانسان والتعامل الغير لائق والمهين أثناء تنفيذ الاجراءات الأمنية، فالصور المنتشرة للمواطنين وهم محملين على ظهر ناقلات أو ممددين على الأرض أو يتعرضون للإساءة أثناء الاعتقال والمداهمة تشابه الى حد بعيد ما يحصل من انتهاكات ضد الفلسطينيين من قبل السلطات الإسرائيلية، ولا أتوقع أن أي مواطن جنوبي شريف ولديه قيم يقبل بها، فلا ذنب للبسطاء لنحملهم أخطاء وجرائم السياسيين.

- استمرار الحملة الإعلامية ضد سلطات عدن بعد التوضيح الإيجابي على المستوى النظري على الأقل –بغض النظر عن الحقيقة الكاملة- سيحول الموضوع الى صراع واستقطاب سياسي ستضيع في ثناياه قضية البسطاء الذين تضرروا، إضافة الى أنها قد تؤدي الى زيادة الاحتقان.

- أنا مع أن يتم التعامل مع القضية على اعتبارها قضية حقوقية، وتقوم منظمات مجتمع مدني برصد حالات الترحيل وبشكل منهجي، والتعاطي مع سلطة هادي وحكومة بن دغر وسلطات عدن لمعالجة تلك القضايا ومحاسبة المسؤولين –أو على الأقل وقف تلك التصرفات وادانتها- بعيداً عن الضجيج والصخب السياسي الذي لن يُنصف مظلوم.

*نقلا من صفحة الكاتب بالفيسبوك

حول الموقع

سام برس