بقلم / نادية عصام حرحش
شاركت اليوم في مسيرة العودة التي أقيمت هذا العام في احدى القرى المهجرة والغير معترف بها في بئر السبع (قرية زوبالة . اسمها الاصلي سبالة) . أعترف بأنني لست من محبي المسيرات ولا تنظيماتها ، ولكن … شاءت الظروف ان اكون هناك . وسعدت جدا ، وذكرت نفسي مرة اخرى بما يصاحب هكذا فعاليات من تحريك للمشاعر تدغدغ الكثير من الاحاسيس الرتيبة بنا .

كان المشهد مهيبا ، ذلك الذي يخترق صحراء النقب من خلال مستعمرة بمدخل رهط لتجد نفسك وسط جموع غفيرة للآلاف في عمق الرمال واعلام فلسطين ترفرف من كل الاتجاهات . وفي المدخل تصطف سيارات الشرطة متأهبة من ناحية وحارسة ربما من ناحية اخرى .

مشهد به الكثير من الهزلية ربما والقوة التي من الصعب شرحها. قوة صاحب الحق رغم انف المحتل وجبروته وهيمنته .

وفي عمق المكان اطفال وشباب من كل الاعمار وعائلات قادمة زحفا وكأن الغبار وقسوة النباتات المتيبسة على ارض الصحراء تشكل تذكارا للحقيقة . مرحبة قاسية بنفس الوقت .
مشهد اعاد الي الحنين للوطن … ذاك المشهد الذي كان يملأ كياني عند رؤية علم فلسطين يرفرف. تعطش ظمآن بصحراء ….ماؤها سراب .

مشهد تشعر به بأن الوطن يكبر بعروق ابنائه وينتقل باوردتهم كالدم . ذاك الصوت في عمق الفضاء الشاسع الذي اخترق احتفالات الاسرائيليين بالمنطقة باحتفالاتهم يوم استقلالهم. ذاك الصوت الذي لا يزال يصرخ شوقا للحرية .

شوق لعودة لارض او دار لم تمحه السنون ولا خلط النهج الاسرائيلي في كيان الشعب المحتل في الداخل .
اغاني جوليا بطرس ومارسيل خليفة واحمد دحبور كانت تعيد بكل ايقاع ذاك الشوق والحنين لشجون الوطن.
قسم العودة دوى السماء وارض الصحراء القاحلة : ” اقسم بالله العظيم،ان اتمسك بتراب الوطن وارض ابائي واجدادي،وبحق العودة المقدس الى دياري الأصيلة،وان ارفض باسر والعلن كل البدائل،كانت تبديلا ،او تعويضا ،او توطينا،والله على ما اقول شهيد .”

هذا المشهد مهيبا وحقا من ذلك المشهد الذي نراه مكللا بالخطابات السياسية الفارغة الصاخبة في رام الله . تحولت به النكبة الي يوم تذكاري تملؤه الشعارات الانتخابية والاعلام المتسابقة على وضع يدها على السيادة .
كم كان متحديا ذلك العلم الفلسطيني الصحراء المحتلة في قلب بير السبع ، وعيون الاحتلال تنظر ولا تنستطيع ان تقمع او تنكس.

كان ملفتا رؤية هذا الكم من الشباب اناثا وشبابا زاحفون الى كل هذه المسافة للمشاركة بالمسيرة .جيل كامل راهننا نحن الكبار وراهن الاحتلال من قبلنا على انه جيل اسرائيلي الطابع والهوى ولن تعنيه اي هوية غير تلك التي يحملها . فلسطين بداخل ابنائها ليست ارض …بل كيان متشبث بارواح اصحابها . وكأن فلسطين في كل فلسطيني . لن تزول الا بزوال الفلسطيني .

للحظات شعرت بنشوة الامل … وبقي هذا الشعور مع كل مرة لفت انتباهي شاب او شابة . اب وام يجرون بعربة طفل رضيع . الا ان هذا الشعور كان يتناثر وهواء الصحراء الغابر . قد تكون فوضى التنظيم من محببات قلبي . فبها من الطابع الفلسطيني ربما ما كان اقرب بالنسبة الي من الاصالة منه الى ما كنت سأعتبره فوضى . الا انه مع مرور الوقت وبدء الناس بالارتجال عودة الى بيوتهم ، كان مشهد المخلفات من القناني الفارغة والاوراق ملفتا في المكان.

احبطني المنظر واعاد ذهني الى حالة احباط لا تتغير .. وقلت في نفسي .. لا يزال الوقت طويلا امامنا لبناء الوطن.

هناك حالة من الفردية حتى في حسنا الجماعي لم نعد قادرون على التحكم فيها . في مشهد كهذا يجمع الناس لحلم او تمني واحد . عجز الجميع عن ترك المكان نظيفا . وكأن المكان لا يشكل شيئا لهم بالرغم من المشهد الذي لم يزل قائما لوجودهم هناك

كان التراب الذي مزجناه مع تراب الجليل قبل لحظات لمتكن بعيدة لا يزال يختلط بتراب النقب.
هناك حس جمعي فقدناه . اهو نتيجة بؤس الاحتلال المهيمن علينا ؟ ام هو غياب ما بتربيتنا ، بتعليمنا ، بقيادتنا ،بنهجنا ،بطريقة حياتنا ؟ في لحظات ما كان الوطن يضخ نفسه في عروقنا ووهج اللحظة .كيف لا نستطيع ربط الوطن بمسألة الحفاظ عليه ؟ كيف نسعى لارجاع وطن لا نقوى على الحفاظ على ابسط ملامح الحفاظ عليه من نظافة بسيطة ؟

لا زلنا في طريق طويل نحو استرجاع الوطن … لان الوطن تربية وتعليم ونهج حياة …. قد تكون هذه الاجيال الشابة القادمة اكثر فهما لربط الحفاظ على الارض بارجاعها ….
ونعم…..
شعب لا يقوى على المحافظة على نظافة مكان استخدمه لساعات لن يقوى على استرجاع وطن سلب منه لسنوات وسنوات .
http://nadiaharhash.com
* نقلا عن رأي اليوم

حول الموقع

سام برس