بقلم / عبدالكريم المدي
مازال معظم اليمنيين يعوّلون خيراًعلى مشاورات الكويت،رغم إن هناك ما يكفي من غيوم الاحباطات والتطورات السياسية والميدانية التي تقول عكس ذلك، فخلال الأسبوع الأخيرمثلا ،حشدت السعودية أكثرمن (500) آلية عسكرية ضخمة وما تحتاجه من طواقم فنية وقوات بشرية إلى مناطق وجبهات عدّة في مأرب معسكر( تداوين) ، (صرواح) ،(الجدعان ) ،وتخوم محافظة صنعاء ،منطقة( نهم) ومناطق في الجوف،ومثلها إلى منطقة (كرش ) الفاصلة بين محافظتيّ لحج وتعز، ومنطقة ذُباب الساحلية .

أما عن الغارات الجوية والمواجهات العسكرية الشرسة في عشرات الجبهات فحدث ولا حرج ، وفي المقابل يبدو أن الطرف الداخلي ( الحوثيون ) ووحدات الجيش الموالية لهم يقومون بالحشد نفسه والتعبئة الكاملة إستعدادا للموقعة الكبرى ( فتح صنعاء) التي أكد العميد أحمد العسيري في تصريحه الأخيرمنذُ أيام ،إنهم جاهزون لدخول صنعاء،بمجرد الإعلان عن فشل مشاورات الكويت ،وأن ترتيباتهم لهذه الغزوة تجرى على قدم وساق، ولعل هذا التوجه هو ما أكدته قنوات العربية والعربية الحدث وسكاي نيوز مساء السبت 14مايو ، حينما ذكرت تلك الحشود الضخمة للجبهات.

المهم سبق وأن أعلنا مراراً أن الإخوة في السعودية - ومن خلال ما نلاحظه - قد رجّحت كفّة جناح الصقورلديهم وحسموا أمرهم نحو الخيار العسكري من وقت مبكر، بغض النظر عن سير أو نتائج أي مشاورات ،خاصة وأن أميركا قد منحتهم حقّ التصرُّف الكامل والحصري بالملف اليمني ، كمراضاة بعد سخطهم عليها من الاتفاق النووي مع إيران وعدم تدخلهم عسكريا في سوريا، لاسقاط نظام الأسد،لكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو : لماذا لم تُعلن الرياض هذا الموقف صراحة، بدلاً من إرهاق المواطنيين والإعلاميين والسياسيين والمراقبين الذين يهدرون أوقاتهم ويطيلون من حبال آمالهم بتتبع أخبار المشاورات وملاحقة المعلومات المتعلقة بها ،والبحث عن إجابات من قبيل : من وافق ومن رفض ، ومن حضر ومن تأخر، ومن اعترض ومن تحفّظ ، وما هي نقاط البرنامج المتفق عليها ، والمختلف عليها ، ومن هم أعضاء الفريقين ، وأي طائرة ستقلّهم وعبر أي مطار، وهل سيتمكن المرضى والمسافرون اليمنيون من السفر الشهر القادم من المطارات والموانىء اليمنية والإقليمية والدولية مباشرة إلى حيثُ وجهتهم ، من دون أن يتمّ إذلالهم إما في مطار الملكة علياء بعمان ،أومطار بيشه السعودي في جيزان الذي تحول إلى لعنة تُلاحقهم، وصار بمثابة محرم أوصكّ غفران تمنحه (هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) للمواطنيّ هذا البلد الصابر المُبتلى ؟

المهم رغم كل ما لحق باليمنيين ، هل تعلمون أين تكمن المشكلة الأخطر في الأمر ؟ تكمن في ترك الحبل على الغارب للسعودية ، وعدم تحرُّك المجتمع الدولي لمحاسبتها والضغط عليها بإتجاه وقف العدوان والبحث عن حل يحفظ لليمن سيادته ووحدته وتعاييشه ويحقن دماء أبنائه ، ونظراً لهذه الإشكالية ،يبدو أن الإخوة في الخليج لم ينتبهوا بعد للجرائم الفظيعة التي ارتكبوها بحق هذا البلد،من خلال عدة ممارسات كان العدوان المباشرعبارة عن مفتاح لها،ثم تبعه اسقاط مؤسسات الدولة في المحافظات الجنوبية وتسليمها للإرهاب، مرورا بنشر المناطقية والكراهية فيها تجاه كل ما هو شمالي ،وصولا إلى جمعهم هوءلاء الشمالين الغلابى في عدن ولحج في معسكرات إعتقال تُشبه معسكرات ( النازيه ) ومن ثمّ ترحيلهم نحو محافظة تعز بعد سلبهم كل ما يملكون حتى علب السجائرو الهواتف المحمولة.

باختصار هناك سعي سعودي حثيث لتمزيق النسيج الاجتماعي اليمني وقتل الهوية والروح الوطنية وفضيلة التعاييش ،لأن أصحاب العاصفةوحلفاءهم يُدركون تماماً إن مسألة الأعراض والكرامة وعزّة النفس لدى الإنسان اليمني حساسة جدا،وتكمن قيمتهالديهم،في كونها الجُرح الذي يتوغّل فيه الغازي وأدواته كي يجعلوه ينزف مزيدا من الإهانة والإذلال والشرف والحقد والكراهية ، التي تُولّد ،غالباً ،ردود أفعال تفرضها مشاعر الإحباط والتركيع .
نكرر هذا الكلام هنا،انطلاقا من معطيات واقع معاش طالما حذّرنا منه ،ويحتّم علينا أن نتحدث حوله اليوم خارج منطق ظروف وأعذار الأزمات والمفردات الدبلوماسية التي تبحثُ لها في الهواء عن مبررات سخيفة للجرائم التي أُرتِكبت بحق اليمنيين بدعم وإشراف وتوجيه من الأشقاء ،ومن أميركا التي غدت قواتها والمئات من جنودهاحالياً في عدن ولحج وشبوة والمكلا وسقطرى وغيرها.

لهذا ينبغي أن يعلم الجميع إن ما حصل بحقّ هذا الشعب الذي لم تسمعوا له صوتاً يستجدي فيه أحداً رغم مشاعره الداخلية المغسولة بالدموع والدماء ،لن تكفي قواميس للتعبيرعن مآسيه ووصف آلامه ومظلوميته، بعد هذا الضُّر البالغ الذي مسّه من أهله وجيرانه ، لدرجة أنه صار محتاجاً،ربما إلى عقود طويلة من الإصلاح والترميم ومداواة الجراحات، ومضادّات فعّالة لفيروسات الكراهية والموت والانقسامات بين ما يجري وما يجب ،واعذروني إذا قلت لكم : إن أعداداً غيرقليلة من أبنائه بحاجة - أيضا - إلى إعادة تأهيل ، يتم تزويدهم فيه بقيم جديدة وطاقات وطنية وإنسانية وإبداعية خلّاقة تحميهم من صادرات عاصمتيّ حرّاس مصيبتين اسمهما ( السُّنة - الشيعة ).
نقلا عن رأي اليوم

حول الموقع

سام برس