بقلم/ أنور محمد سليمان
باﻻمكان ان نزعم ان اكبر مساوئ التغيير في مصر (ثورة 25 يناير) هو وقوع مصر بأسرها تحت تأثير احتواء خليجي محكم، وقد كانت قبل “الثورة” خاضعة جزئيا للنفوذ الخليجي خصوصا في شقها المعارض المتمثل في جماعة اﻷخوان و التيارات السلفية؛ فالمال السعودي “بنك فيصل” و غيره من المال الخليجي كان يمثل شريان حياة و حبل سري لتغذية التيارات اﻻسلامية؛ هذا عدا عن النفوذ الناعم الذي تمارسه عبر مئات اﻻﻻف من المغتربين المصريين في دول الخليج، فيما كانت الدولة و حزبها الوطني لحد كبير بمنأي عن الخضوع لتأثير وسطوة امراء الخليج.

لكن بعد الثورة و بسبب التضعضع الذي اصاب الجهاز الرسمي و الخطاب السياسي واﻹعلامي و لعدم توافر ال “ثوار” علي بديل سياسي وﻻ رؤية مغايرة أصبحت ساحات مصر السياسية تعاني فراغا عريض، و قد تنبه الخليجيون سريعا لذلك وقرروا ملء ذلك الفراغ لخوفهم من نمو تيار ديمقراطي حديث في مصر يمكن ان يتمدد ويتسبب في بعث حياة سياسية في الخليج؛ سيما وان الخليجيون يتذكرون جيدا حقبة انقلابات الضباط اﻻحرار التي انهت عهد حكم اﻻسر الملكية في عدد من دول المنطقة “العراق، اليمن،ليبيا، ومصر ذاتها..” و يذكرون كذلك قتالهم لعبد الناصر في مرتفعات اليمن الوعرة علي ابواب ممالكهم وامارتهم!

يتحدث البعض عن خلاف خليجي إزاء مصر “سعودي قطري باﻷساس″ و هؤﻻء يحكمون بناء علي ظاهر اﻷحوال؛ لكن جوهريا مامن خلاف بين القطبين بل تنسيق لتحقيق المصلحة الخليجية اﻷولي وهي استقرار اﻷنظمة الحاكمة “موالية أو معادية للخليجيين، فالاستقرار- الجمود – السياسي يمثل في حد ذاته غاية بالنسبة لمجلس دول الخليج” في المنطقة و منع اي تغيير و مكافحة اي عملية انتقال ديمقراطي بالخصوص؛ إذ ليس لقطر مثلا اي مصلحة محددة في حكم اخواني لمصر او غيرها ويأتي دعمها من باب التحكم في القرار اﻷخواني و السيطرة و كبح جماح نواياها السلطوية؛ فقطر تعلم جيدا ان الجماعة لو تمكنت سياسيا ستنقلب علي حلفائها و تسعي ﻹنهاء حقبة “الملك العضوض الخليجي” واقامة “خلافتها” او اتحاد امارات “جمهوريات” اسلامية، تحت راية المجلس العالمي لعلماء المسلمين .

لذا فان الحل اﻻسلم و اﻷنسب “بالنسبة للخليجيين طبعاً” هو دعمها – جماعة الاخوان – حينا واضعافها احيانا ﻹبقاءها دائما في طور اﻻعتماد علي جهة ما، والحرص علي عدم وصولها ابدا الي مرحلة استقلال القرار السياسي او الفكري او الفقهي، و ابقاءها كذلك اداة طيعة للتوظيف ضد التيارات الديمقراطية علي وجه الخصوص، وضد اﻷنظمة و الدول التي تمثل تهديد للخليج بحكم اﻷمر الواقع “أي النظام السياسي الذي تتبعه” فكل اﻻنظمة الجمهورية تمثل تهديد بما فيها انظمة الحزب السياسي الواحد و الرجل الواحد والتي سماها أحد المفكرين الجملوكيات -ليست بجمهوريات وﻻ ملكيات- ومصر كانت عشية 25 يناير علي وشك ان تصبح احداها باقتراب تنصيب جمال مبارك خلفا لوالده”!

ان ما هو حادث حاليا في مصر هو احتواء خليجي مزدوج للحكومة المصرية و المعارضة الرئيسية التي تمثلها جماعة اﻷخوان المسلمين؛

وان كانت نظرية الاحتواء تعرف علي انها ” السيطرة علي دولة او منظمة معادية بوسائل غير عسكرية – دبلوماسية أو استخباراتية – اي سيطرة بوسائل ناعمة”، والاحتواء المزدوج يعرف علي انه السيطرة علي دولتين او منظومتين معاديتين عن طريق خلق حالة عداء فيما بينهما لتسهيل السيطرة والتحكم فيهما، فان ما يفعله الخليج بمصر هو نوع جديد من انواع الاحتواء؛ يتمثل في احتواء الدولة من داخلها عن طريق خلق حالة استقطاب و عداء داخلي يسهل التحكم فيها “احتواء ذاتي!”

وخيث انه يتم ضمان التحكم في الدولة المصرية ومعرفة نواياها مسبقا “تنبؤ” عبر السيطرة علي الجهاز الرسمي و ضمان ولاءه للخليج و ضمان ولاء المعارضة “جماعة الاخوان” لقطر وهي كما هو معلوم دولة خليجية؛ فيتبقي التيار الليبرالي وحده خارج هذا اﻹحتواء؛ ربما لكون انه ليس ذي خطر يذكر من وجهة نظر خليجية علي اﻷقل! وهذا التيار الليبرالي يظل تحت رحمة مراكز ابحاث امريكية و منظمات مدنية غربية.

ان مصر اﻷن مغلولة اليد مسلوبة اﻻرادة ومرتهنة القرار، فمصر الرسمية تدين بالتبعية للموقف السعودي /اﻻماراتي؛ و مصر الشعبية “المعارضة – اﻻخوان” مرتهنة القرار لقطر؛ فيما يبقي الشعب منقسما ومنغمسا في لعبة صراع عبثية وسيبقي الحال كذلك حتي تستفيق قوي الغالبية “المدنية/الديمقراطية” المحيدة او التي اختارت الحياد بسبب تشرذمها وانقسامها وقبولها بدور المتفرج.
كاتب صحفي سوداني مختص بالشأن السياسي والدستوري.
نقلا عن رأي اليوم

حول الموقع

سام برس