بقلم/ نُهى البدوي
إشارات النصر التي رفعتها الأيادي البريئة لأطفال أبين عند ترحيبهم بدخول الجيش المدعوم من قوات التحالف العربي يوم الأحد الماضي محافظتهم لطرد عناصر القاعدة منها، وعيونهم البريئة التي حملت ابتسامة الفرح لتعانق بها النصر بنظرة الأمل والتفاؤل للمستقبل القادم، لتحقيق أحلامهم المنسية تحت ركام ما دمرته الحروب المتكررة في محافظتهم ، تعكس الصورة الحقيقية لأبين الجريحة وهي تعانق النصر بفرحة لم تكتمل بعد!
تلك الصورة المشرقة والمؤلمة في آن واحد التي التقطتها عدسة الصحفي نبيل القعيطي ونشرها موقع صحيفة عدن الغد ، إعادت إلى ذهني صورة مشابهة لها لأطفال آخرين من أبين أثناء عودتهم اليها من النزوح بعد تحريرها من عناصر "تنظيم القاعدة" عام 2012م، حملت نفس الفرحة والأمل لتحقيق حلم إعادة الاستقرار لهم، وبناء ما دمرته الحرب، وتطهيرها من الفكر المتطرف، وحماية عقول الشباب من الفكر المتشدد وإنهاء العوامل المحفزة والمشجعة على استقطابهم في صفوف "تنظيم القاعدة" بعد طردة من مدنهم، وهو ما لم يتحقق! رغم الدعم الكبير الذي قدمة المجتمع الدولي للسلطة المحلية فيها، والحكومة اليمنية أنذاك؛ للتغلب على الأضرار المادية والمعنوية التي الحقتها الحرب بهم وبمساكنهم، والأثر النفسي والفكري الذي خلفه سيطرة "تنظيم القاعدة" على محافظتهم لأكثر من عام ، بحسب ما تؤكد التقارير الصحفية. الأمر الذي ترك في نفوس الأهالي شعورالإحباط هز ثقتهم بالسطة المحلية والحكومة اليمنية، مع أن هذا التقصير لا يعفيهم من تحمل جزء من المسؤولية؛ لعدم قيامهم بواجبهم المجتمعي؛ للتغلب على تلك المشكلات والقضاء على بعض العوامل المشجعة على بقاء فكر القاعدة الإرهابي في مناطقهم، لحماية أبنائهم من الوقوع تحت تأثيرها، لأنه مهما ساعدهم الآخرون وقدموا لهم الدعم ، ستبقى المشكلات قائمة والاخطار تهدد حياتهم واستقرارهم، إذا لم يتعاونوا مع الجهات ذات الصلة لإدارة شئوون محافظتهم بما يحقق لها الاستقرار.

الملاحظ من تفاعلات، وردود أفعال الأهالي مع حدث طرد القاعدة من أبين، سيستنتج خشيتهم من إعادة تكرارالمشكلة، أو تبخر فرحتهم كسابقاتها في حال تباطوء السلطة لملئ الفراغ بعد انسحاب عناصر "تنظيم القاعدة" من مدنهم لفرض سيطرتها الأمنية والخدمية فيها، ويرون أن أي تأخر لاستثمار هذا النجاح "أمنياً وخدمياً" ربما قد يضيع الفرصة للمرة الثانية لاجتثاث عوامل بقاء الفكر المتطرف الذي يخلفه "تنظيم القاعدة" بعد كل مرة يتم طرد عناصره من مدنهم، ومخاوفهم من امكانية اغتنام التنظيم أي تراخي من أجهزة الحكومة فيها، مع غياب العدل والمسائلة واستشرى الفساد، سيفقد الشباب ثقتهم بالقادم ، وسيصب لصالحه، وهو ما يراهن عليه لإبقاء العوامل التي تمكنه من العمل في الظلام حاضرة بين أوساط الشباب، للعودة ثانية إلى مدنهم، حتى بعد خروج عناصره منها بحكم امتلاكه لخاصية القدرة على سرعة تجميعهم.

إن فرحة أطفال أبين التي تعانق النصر تبحث عن من يكملها لتتحقق أحلامهم بإيجاد وضع مستقر، أمنياً ، وخدمياً ، ومجتمعياً، لعانقوا بها السماء وحتى لا تصطدم أمالهم وطموحاتهم بواقع صعب لا يترك فيه مساحة لاستمرار الفرحة، وسرعان ما يذهب المواطن للمقارنة بين اليوم والأمس، فإن الاستقرار المطلوب تبدأ خطوات تحقيقه من إعادة ثقة المواطن بالسلطة بفرضها الأمن، وبتوفيرها الخدمات له، بالتوازي مع استئصال العوامل التي يراهن على استمرار بقائها تنظيم القاعدة، كغياب المسائلة والعدل وتفشي أعمال العنف، والانتهاكات، كروافد رئيسية لإدامة منابع تغذية الفكر المتطرف في المسجد والشارع والحارة والمدرسة والأسرة وإلخ.

لن يستقر الوضع في أبين إلا بتحصينها من عودة عناصر التنظيمات الإرهابية، بعد أن حولتها إلى قبلة لهم عندما يشتد عليهم الخناق في بقية المحافظات الأخرى، ليتحولوا كالزئبق يظهرون ويختفون منها متى ما شاءوا! وهذا لن يتأتى إلا بتجفيف كل منابع ومحفزات بقاء الفكر المتطرف الذي يرثه شبابها من تنظيم القاعدة بعد طرده عناصره منها، وهو ما يتطلب من أبنائها البدأ بمعركة تطهيرها منه ؛ فبدون التطهير الفعلي لأبين من إرث "تنظيم القاعدة" الإرهابي والفكري والسلوكي المتطرف، لا يمكن إن تكتمل فرحة الأطفال ومعانقتهم للنصر بطرد عناصره منها فقط!
n.albadwi2013@hotmail.com
 

حول الموقع

سام برس