سام برس/ متابعات
قصــــيدة
حين اكتملت القصيدة أخيرا، تمطت أعطاف القوافي بين جنباتها المشعة، صارت نهرا متماوجا ما زال يجري بهدوء مشهود.

على ضفتيه المتقاربتين وقف صغار أشقياء يغنون أغان جماعية صاخبة ومغموسة بشلالات الأحلام الباكرة، ويتضاحكون بلا سبب حقيقي.

والنهر..

هذا الهادئ الأخاذ، يجري بعيدا وبعيدا، لكنه لا يصل، وهو أيضا لا يتعب!

أما ضحكته التي جلجل بها منذ منبعه البعيد، ها هي تستقيم بوقار باهر وهي ترنو بثقة إلى المصب الذي يبدو بعيدا أيضا.

الأفجع الأليم..


ثم إنهم كفوا عن الضحك، ونسوا تماما كيف يبتدعون أسبابا معقولة للجديد منه. أما النهر وقد تباعدت ضفتاه، فقد ظل يجري بهدوئه التاريخي من دون أن يلتفت وراءه، أو يدير رأسه نحو اليمين أو اليسار، ومن دون أن يسأل أصدقاء طفولته الصغار متى عبروا، وكيف تحولوا نحو الغناء اليائس، ولماذا كفوا عن الضحك

كان النهر يجري ويجري ويجري ..!

وبين ضفتيه، اللتين ظلتا تتباعدان يوما بعد يوم، يصطخب أمل متقد باكتمال جريانه ذات يوم سيأتي لعله يتحول، لحظتئذ، إلى قصيدة تتمطى أعطاف القوافي بين جنباتها، ثم تستكين بردا وسلاما!

*** *** ***

حيــلـة
هذا باب مغلق!

أما حزمة الضوء المتحدة والتي كانت تتسلل من بين يديه ومن تحته ثم تتفرق منسربة نحو ظلامات الشارع الخالي، فكانت سادرة في غيها الجميل أبدا.

لم يبق أحد من رجال القرية الموحشة البليدة إلا وحاول جاهدا كسر هذا الباب الموصد على أسراره الغامضة.

كل المفاتيح، الطويلة والقصيرة والعريضة والدقيقة والمصنعة محليا وتلك التي أتوا بها من أسواق المدينة البعيدة ذات القباب العالية، لم تفلح في فتح ذلك القفل الحديدي العتيق.

أما الحدادون المتباهون بسر صنعتهم القاسية والذين اجتهدوا بصنع مفاتيح مبتكرة فقد برروا فشلهم الذريع بمؤامرات بادر إليها المطر مع الهواء فأينعت صدأ تراكم، هكذا ادعوا، في تجويف ذلك القفل العنيد.

عندما طرق الغريب المبلل الشعر ذلك الباب بقبضة يده الحانية ذات ليلة ممطرة، وانفتح أخيرا على ضياء باهر وأنفاس مذهلة، استغرب رجال القرية الأغبياء وتساءلوا كيف لم يفكروا بهذه الحيلة من قبل!

قال الرجل الغريب الذي جفت ملابسه المبللة، وصار سيد البيت والباب والقفل والمفتاح: إنها لم تكن حيلة، ولكنها…!

ولم يكمل جملته المفتوحة تلك، فلم يكن أحد بحاجة إلى سماع بقيتها المتوقعة. كانوا يتأملون بعجب وإعجاب، أولئك الصغار الذين أخذوا يتسربون من الباب العتيد طفلا جديدا كل سنة جديدة.

أما أولئك الحدادون المتباهون بسر صنعتهم القاسية فقد ظلوا يطرقون الحديد الملتهب المحمر، ويجعلون منه أدوات حديدية ما إن تبرد حتى تنبجس في أشكالها المقررة الثابتة للأبد.

حول الموقع

سام برس