بقلم/أحمد عبد العزيز الجارالله
محاربة الفساد علامة تجارية دائمة في الحملات الانتخابية، يرددها المرشحون منذ 30 عاماً، وعندما يصبحون نواباً يبدأون بالتعدي على المال العام ويجاهرون بمخالفة القوانين بفرضهم على الوزراء تعيين المحاسيب والمفاتيح الانتخابية في وظائف ليسوا أهلاً لها، أو يتخصص أحدهم بالسياحة العلاجية في الخارج، فيتباهى أنه استطاع إرسال ألف شخص أو أكثر إلى الخارج بحجة العلاج، فيما ثالث يقترح قوانين للهدر من المال العام.

هؤلاء الذين لا حديث لهم غير محاربة الفساد، كانوا ولا يزالون الأكثر فساداً في تاريخ العمل البرلماني الكويتي، هم ذاتهم من يخوض المعارك لحماية وزراء يسهلون لهم فسادهم، أو يدفعون وزيراً لا يسايرهم في جرائمهم إلى منصة الاستجواب، بل يجمعون التواقيع لطرح الثقة حتى قبل عرض الاستجواب في قاعة عبدالله السالم.
هؤلاء من عطلوا ويعطلون المشاريع التنموية إذا لم يكن لهم حصة فيها، أو خدمة لمتنفذ لم ترسُ عليه مناقصة ما، وهم ذاتهم يبذلون أقصى جهدهم لرفع تكلفة مشروع معين من مليار دينار إلى مليارين أو ثلاثة، مثلاً، شريطة أن يكون لهم فيه حصة.

صحيح أن الفساد، وبأشكاله المتعددة، بات مشكلة تعاني منها دول العالم كافة، لكن الفارق بين المتقدمة منها، حيث يحترم مسؤولوها الدساتير والقوانين وبين الدول المتخلفة، إن في الأولى يحاربون هذه الآفة فعلاً لا قولاً، فالوزير حتى إذا ملأ خزان سيارته وقوداً من المال العام ورد المبلغ الزهيد في اليوم الثاني يستقيل من منصبه، ولا يحتاج المرشحون إلى رفع شعار محاربة الفساد في حملاتهم الانتخابية لأن الرادع الاخلاقي واحترام القانون كفيلان بمعالجة أي مشكلة تُشتم منها رائحة الفساد.

أما في الثانية فيرتكب النواب، قبل الوزراء، جرائم كبرى في التعدي على المال العام، ولدينا في البلاد مثل هؤلاء، وبسبب ذلك كانت الكويت طوال 25 عاماً تتصاعد أسهمها في مؤشر الفساد العالمي، آخرها العام الماضي، إذ احتلت المرتبة السابعة عربياً والأولى خليجياً والـ69 عالمياً على مؤشر مدركات الفساد من بين 177 دولة.
هذه الحقيقة المؤلمة لم تغيرها شعارات النواب والمرشحين الساعين إلى تعميم الفساد والإفساد، أكان من خلال قوانين الرشوة التي فرضوها على الدولة من أجل زيادة أرصدتهم الانتخابية، ومن خلالها طبعاً ترتفع أرصدة أخرى، أو عبر محاربة الإصلاحات الاقتصادية والإدارية، بل تعميم الخراب الإداري كي تبقى مؤسسات الدولة مرتعاً لهم يدخلون عبرها جنة لقب “سعادة النائب”.

هؤلاء المتحدثون عن العفاف، من يصورون أنفسهم الأتقياء الأنقياء الذين لا تتلوث أيديهم بالمال العام، هم للأسف ، غارقون بالفساد حتى آذانهم، وينطبق عليهم الحديث النبوي الشريف، فعن ابن مسعود، رضي الله عنه، قال : قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: “إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى: إذا لم تستح فاصنعٌْ ما شئت”، لذلك يصنعون الموبقات ولا يستحون، ومن لا يخجل من نفسه وشعبه وربه لا يستحق أن يكون مشرعاً ومؤتمناً على المال العام وحقوق الأجيال القادمة.
*نقلاً عن السياسة الكويتية

حول الموقع

سام برس