بقلم / خالد الجيوسي
هي خطوةٌ “إنسانية” قبل أن تكون “إصلاحية”، هي تلك التي أقدمت عليها دولة قطر، والتي تتعلّق بإلغاء “نظام الكفيل”، وتغييره بقانون آخر طال انتظاره، يَسمح للعاملين الأجانب المُقيمين على الأراضي القطرية، بالتّحرّك المَرن، والسفر، ونقل عقود عَملهم إلى جهاتٍ أخرى.

صحيح أن مُصادقة أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، على قانون تنظيم دخول، وخروج الوافدين الذي يَدخل حيّز التنفيذ بعد عام، تأتي بعد انتقادات دولية حادّة مُتكرّرة لنظام الكفيل في بلاده، وربما تأتي مُتأخّرة، وغير كافية، ولن تُعوّض المُتضرّرين أو المُتوفّين من “نظام الاستعباد” في قطر، والذي يُطبّق في مُعظم دول الخليج تقريباً، لكن أن تَصل “المُصادقة الأميرية” مُتأخرة، خير من ألا تصل أبداً، وهي مُصادقة ربما تُظهر الجانب الحضاري، لدولة صغيرة الحجم، وتاريخها غير جيّد فيما يتعلّق بحقوق الإنسان العامل على أراضيها.

هنالك عدّة فُروقات، لا بُد أن نُشير إليها، شَملتها التعديلات على قانون “الكفيل”، حيث تحوّل إلى نظام العقود، كما تم إلغاء ما يُعرف باسم “”الخروجية”، ونص على إنشاء لجنة تظلّمات تبحث حالات اعتراض صاحب العمل على خروج العامل عنده، ويَحق للعامل إنهاء تعاقُده حسب بنود العقد المُوقّع بينهما، كما يُمكن (للعامل) العودة إلى قطر قبل انتهاء فترة سريان العمل، بشرط أن تنتهي مُدّة العقد الأول، وذلك حِفاظاً على حُقوق صاحب العمل.

ما يُميّز النظام الجديد، أنه قام بإلغاء “مأذونية الخروج”، المَعروفة “بالخروجية”، وعوّضها بضرورة إعلام صاحب العمل ثلاثة أيام عمل قبل السفر، كما أجاز النظام انتقال العامل بصفة مُؤقّتة إلى صاحب عمل آخر، هذا في حال وجود شكاوى بين الوافد للعمل، ومُستقدمه، بشرط مُوافقة وزارة العمل.

وبالرّغم أن “نظام العقود” القطري الجديد الأول من نوعه في الخليج، نص على ضرورة توفير الحماية لحقوق العُمّال، ونظم رعاية الجوانب العائلية، والإنسانية لهم، لا تزال بنظرنا بعض نصوص النظام “فضفاضة”، وتحتاج إلى المزيد من التحلّي بالأخلاق، التي تَمنع بتاتاً قُدرة صاحب العمل على التحكّم بالعامل، فهذه المُرونة بقيت مُرتبطة بشكلٍ أو بآخر برب العمل، فهو (صاحب العمل) إن رفض خروج العامل حتى لو أعلمه بثلاثة أيام كما نص النظام الجديد، عليه (العامل) أيضاً مُراجعة لجنة التظلّمات، ودور هذه اللجان عادةً معروف في بُلداننا العربية، وربما “قاصر” لا يُلبّي طُموحات المَظلومين، خاصة المُقيمين على أراضي دول الخليج.

نُصوص “نظام العقود” الجديد التي مَنحت “امتيازات” للعامل كما قيل، ارتبطت كلها تقريباً بمُوافقة مُسبقة من قبل وزارتي العمل أو التنمية القطريّتين، أو “الكفيل” صاحب العمل، وهذا يُعيدنا ربما إلى مربّع “المرونة” المقيّدة، فالعامل عليه أن يعود إلى أحدهم، حسب ما تقتضي حالته، وبالتالي هو لا يتمتّع كما يَظهر بالحُريّة المُطلقة كإنسان عامل حُر، شأنه شأن أي مُواطن قطري، بالطبع من حق الدولة القطرية فرض قوانينها على العاملين على أراضيها، لكن الأمر لا يزال بحاجة إلى الخوض في التشريعات والقوانين، التي من شأنها رفع صفة “عبد” من كشوف “الأسياد” أصحاب العمل!

هي خُطوةٌ “إنسانية” كما قُلنا في مطلع مقالنا، تُحسب للقيادة القطرية “الشابّة”، وقد تنقل البلاد إلى مَصاف الدول التي تحترم الإنسان، وتُقدّره، وتُحوّلها إلى “أرض الأحلام” العربية التي يَرغب الجميع الانتقال إليها للعمل والعيش الرغيد، لا فقط أرض استضافة “كأس العالم”، لكن الخطوة الاستثنائية تحتاج بالتأكيد إلى مَزيدٍ من المُراجعة الشفّافة والأخلاقية التي تُقدّم مَصلحة الإنسان، وتَضعه فوق كل الاعتبارات، بغض النظر عن جنسيته، وطبيعة عمله.

نأمل أن تنتقل العدوى “القطرية” تلك وإن كانت قاصرة برأينا في بعض أوجهها، إلى كل دول الخليج، ويكون هناك مُراجعة خليجية شاملة، وتعديلات لكل ما يتعلّق بنظام “الكفيل” “الاستعبادي”، فهؤلاء العاملين على الأراضي الخليجية على اختلاف جنسياتهم، ساهموا بعقولهم، وشهاداتهم، وخبراتهم، في بناء تلك الدول، المال وحده لا يكفي لبناء حضارة الدول، نحتاج إلى الإنسان “الجميل” لا نظام “الكفيل”، لسنا نحن الذين نقول هذا، وحده الزمن يَشهد على عِظَم إنجازات الإنسان عبر التاريخ، لا فقط أمواله!
كاتب وصحافي فلسطيني
*نقلاً عن رأي اليوم

حول الموقع

سام برس