بقلم/ فادي عيد
بعد أن أوصى البرلمان الاوروبى بتجميد مفاوضات انضمام تركيا للاتحاد بسبب الإجراءات القمعية وحملة الاعتقالات التي اتخذتها الحكومة التركية عقب محاولة الانقلاب الفاشلة كما ادعى الاتحاد، وبتأكيد ليس هذا هو السبب الحقيقي الذى جعل أوروبا تغلق كافة أبوابها ونوافذها أيضا امام السلطان العثماني، فالإجراءات القمعية تتبع منذ اليوم التالى لمحاولة الانقلاب الفاشلة منذ منتصف تموز الماضى ولم تتحرك أي دولة أوروبية تجاه أردوغان، وهنا نستعرض الاسباب التى جعلت أوروبا يفيض بها الكيل تجاه أردوغان.

أولا: البداية كانت منذ عام 2012م عندما ألقى الامن العام اللبنانى القبض على أتراك داخل بيروت يعطون جوازات سفر فرنسية مزوة لبعض العناصر الارهابية كي يتمكنو من خلالها دخول فرنسا واختراق كافة دول أوروبا، وهو الامر الذى يفسر لنا لماذا كانت فرنسا صاحبة نصيب الاسد من التفجيرات والعمليات الارهابية التى طالت أوروبا على مدار العام الحالي والماضي، وهو الامر الذى أنعكس فى تصريحات رئيس اركان فرنسا الاسبق أدوارد جيو لمجلة لوبوان الفرنسية بفبراير 2012م، عندما وجهت الصحيفة سؤالا له فحواه ما الخطر الذي يهدد أوروبا و الأمن العالمي حالياً ؟

وكانت اجابة إدوارد جيو "إنها معسكرات تنظيم القاعدة في جنوب تركيا وتحديداً في مدن كارمان وعثمانية وسالنيورفا، ولا أعتقد أن الأتراك أنشؤوا تلك المعسكرات في هذه المدن هكذا اعتباطاً، بل هم سيزحفون علينا يوماً ما قبل أن يصدِّروا إرهابهم لكافة دول الشرق الأوسط بأكمله".

ثانيا: أستغلال أردوغان الازمة السورية أسوأ استغلال والتعامل مع اللاجئين على أنهم ورقة يستطيع بها مساومة أوروبا، وهو الامر الذى نجح فيه رئيس الوزراء الاسبق داوود اوغلو عندما تم الاتفاق على ان تمنح أوروبا تركيا 6.6 مليار دولار امريكي مقابل استقبالها الاجئين، قبل ان يطيح اردوغان برجل تركيا المفضل لدى الغرب أحمد داوود اوغلو ثم يصدر لهم وجه يلدرم الذى عزم تدوير مرحلة ابتزاز أوروبا من جديد.

ثالثا: توجة أردوغان نحو روسيا بعد محاولة الانقلاب الفاشلة وتغيير جلد وهيكل الجيش التركى الذى لم يكن سوى فيلق بحلف الناتو، فأكثر من نصف جنرالات الجيش التركي باتو فى السجون وربما يتم تصفيتهم قريبا سواء بشكل قانونى بعد تطبيق تركيا عقوبة الاعدام او حتى بعدم تطبيقها، والامر الاخطر على أوروبا تجاه الدولة التى تولت ملف مواجهة أي تهديدات أمنية تواجه القارة العجوز من ناحية جنوب شرق القارة، والدولة التى تعد أحد أعمدة حلف شمال الاطلسي وتسير كافة منظومات جيشها وأسلحتها فى فلك حلف الناتو، هو رغبة اردوغان فى امتلاك منظومة دفاع روسية كى تعزز موقفه امام منظومة باتريوت الامريكية التى تنسحب من حدود تركيا وتعود من حين لاخر، وهو أمر سيجعل قاعدة انجرليك التى كان يجتمع فيها سفير امريكا بتركيا جون باس مع أكين اوزتورك قائد الانقلاب والتى تعد مفتاح أمريكا بتركيا وبالشرق الاوسط كله مكبلة بالقيود وتحت أعين خلوصى اكار رئيس الاركان التركي وفكري إيشيق وزير الدفاع، وهنا وبعد أن تأكدت أمريكا وبريطانيا من اقتراب أنتهاء صلاحيات قاعدة انجرليك توجه حلف الناتو ليدق مسماره الجديد فى الكويت، بعد أن أتبعت بريطانيا نفس الخطوة بالبحرين، خاصة وأن المرحلة المقبلة تطلب التواجد بتلك الرقعة.

رابعا: بعد النقطة السابقة وبعد أن بات فلاديمير بوتين يوجه سموم السلطان العثمانى فى وجه الغرب بعد محاولة الانقلاب، كما كان يفعل الغرب بنفس تلك الافعى فى وجه بوتين قبل منتصف تموز الماضى، حتى راى الجميع الخليفة الجديد ما هو الا مخلب قط وأداة يتلاعب بها الشرق والغرب لحساب مصالحهم، صار أردوغان عبء حقيقى على من صنعوه ومن قامو بتصعيده بدوائر النفوذ باسطنبول وأنقرة قبل غزو العراق 2003م والان بات التخلص منه أمر أشد عبئا، فأن كان تحضير الجن أمرا سهل للغرب ولنا فى أسامة بن لادن وابو بكر البغدادى وغيرهم عبرة فالتخلص منهم يكون أمر غاية الصعوبة وهى نفس المعادلة تنطبق على اردوغان حاليا.

خامسا: الوضع الاوروبي الحالي بعد خروج بريطانيا من الاتحاد، وخسارة هيلاري كلينتون، وانسحاب ساركوزي من الانتخابات الفرنسية، وتولى أصدقاء يوتين رومين راديف حكم بلغاريا وايغور دودون رئاسة مولدوفا، وصعود التيارات اليمينية والقومية فى أوروبا، جعل من المستحيل ان تنهى أوروبا حياتها سريعا بضم تركيا الى الاتحاد، فأوروبا لم تنسى حتى الان ثأرها مع الدولة العثمانية، والذى يحاول أردوغان جاهدا أعادة امجادها على حساب أوروبا المريضة حاليا، فى ظل تعامل اردوغان مع العناصر المتطرفة التى يصدرها لاوروبا والاجئين على أنهم القوى الانكشارية الجديدة التى ستمد نفوذ امبراطوريته لما هو ابعد من القسطنطينية، وهو الامر الذى ينعكس بشكل مباشر فى سياسة المانيا (حلم بقاء أوروبا الوحيد) تجاه اردوغان، وكذلك النمسا التى منعت تصدير معدات وتجهيزات عسكرية لتركيا مما جعل اردوغان يهدد اوروبا بالتوجه نحو شنغهاي، متوهما أن أوروبا مازالت باقية على تركيا.

وبعد ما أستعرضنا من نقاط لاسباب غلق اوروبا ابوابها فى وجه السلطان العثمانى الذى قدم لها ما لايقدمه أحد، لم يبقى لاردوغان اى نافذة أمل تجاه أي ملف سوى الملف السوري، فبعد حالة الشد والجذب مع كافة الاطراف الدولية والفشل بأغلب ملفات الاقليم خاصة بعد عدم مشاركته فى القوات الدولية لتحرير الموصل (الخطة ب لدى اردوغان)، ثم عدم القدرة على التوجه نحو تلعفر التركمانية بالعراق واحتلالها (الخطة ج لدى اردوغان)، بل أنه أضطر بتغيير تمركز قواته بمعسكر بعشيقة، لم يعد أمام أردوغان فرصة من تحقيق أي نجاح يذكر سوى بتحقيق حلمه بأقتطاع لواء اسكندرونة جديد بشمال سوريا، وهذا لا يتم الا فى حالة السيطرة على مدينة "الباب" فى ظل طموح اردوغان بانشاء منطقة آمنة شمال سوريا على مساحة 5000كم (للعلم مساحة لواء الاسكندرونة 4800كم) الى أن جائت رسالة دمشق سريعة للجيش التركى بعد ان وجه الطيران السوري ضربات للقوات التركية أدت الى مقتل ثلاثة واصابة أخرين من الجنود الاتراك، وكما ذكرت سابقا بمقالة "لمن سيفتح باب سوريا" ان معركة "الباب" هى المعركة التى تنقطع بها كل الخطوط الحمراء.

وقبل ان يعود اردوغان للعمل جاهدا على ان لا تكون هناك قوى عسكرية امامه بالحدود العراقية سوى انصاره من التركمان، وافق البرلمان العراقي يوم السبت 26 نوفمبر الجاري بالإجماع على قانون دمج هيئة الحشد الشعبي بالجيش العراقي، وبالتزامن أكد رئيس الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية اللواء محمد باقري في مؤتمر للبسيج (قوات التعبئة) أن بلاده بحاجة إلى قواعد بحرية في اليمن وسوريا، قائلا : لدينا حاجة لوجود قواعد بحرية خارج الحدود، وربما عندما يأتي الوقت المناسب ستكون لدينا قواعد بحرية إما على الجزر أو قواعد عائمة في السواحل اليمنية والسورية، فهل امتلاك قواعد خارج الحدود هي أقل قوة من التقنية النووية؟ على العكس أنا أقول إنها أقوى بعشر مرات، فنحن لدينا قدرة نووية ووصل التخصيب إلى 95 بالمائة ولم نصنع سلاحا نوويا لكننا أجبرنا العالم على أن يجلس معنا على طاولة التفاوض"

وذلك المشهد التى كانت تتوقعة أنقرة كان كفيلا أن يجعل من عودة تركيا الى تل أبيب بشكل علنى أمر ضروري وواقع يفرض نفسه على اردوغان، لذلك جاء التحضير لحوار أردوغان للقناة الثانية الاسرائيلية بسرعة أشد من البرق، وهنا يجب علينا تأمل التحركات المقبلة للخليفة الذى قال ان سيطرة العثمانيون ستعود مجددا على الشام ومصر بعد سيطرة مليشيات الجيش السوري الحر على دابق، وكأنه يذكرنا بالتاريخ وما حملته معركة مرج دابق منذ 500 عام، ومن كتب قصيدته "المآذن بنادقنا القباب خوذتنا المصلون جنودنا المساجد ثكناتنا" وقت ان كان طالبا جامعيا، وترجم لنا تلك القصيدة على ارض الواقع بعد خروج انصار حزب العدالة والتنمية يكبرون فى مكبرات صوت المساجد بأنقرة واسطنبول داعيين انصار حزب العدالة والتنمية للاحتشاد فى الميادين والتصدى لتحركات الجيش التركي، فالايام القادمة حبلى بالكثير لتركيا واردوغان.

الباحث و المحلل السياسى بقضايا الشرق الاوسط
fady.world86@gmail.com

حول الموقع

سام برس