سام برس
نقلاً عن “رأي اليوم”

لأوّل مرّةٍ منذ عقدين ونصف، يحلّ رئيس وزراء إسرائيليّ ضيفًا على كلٍّ من أذربيجان وكازاخستان، في خطوةٍ يعتبرها الكثيرون إنجازًا للدولة العبريّة، في ظلّ تنامي عزلتها الإقليميّة والدوليّة. رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، أضفى على زيارته أبعادًا سياسيّة وأمنيّة واقتصادية، لكنّه في الوقت عينه، لم يفوِّت الردّ على بعض الداخل الإسرائيليّ بالقول إنّ إسرائيل لا تعاني العزلة السياسيّة في ظلّ حكومته وأدائه السياسي، سواءً على المسار الفلسطينيّ أمْ الإقليميّ.

وبحسب المُحلل المُخضرم، دان مارغليت، فإنّ الزيارة تحمل في طيّاتها أبعادًا اقتصاديّةً كبيرةً، ذلك أنّه يتّم التوقيع على معاهدات واتفاقيات بين الطرفين، تعود بالفائدة المُهّمة على الخزينة الإسرائيليّة، كما قال اليوم في حديثٍ أدلى به للقناة الثانية في التلفزيون العبريّ.

وبحسب الصادر السياسيّة الرفيعة في تل أبيب، فإنّ إسرائيل قامت بالتوقيع مع أذربيجان على عقود طويلة الأمد لشراء أسلحة وعتاد أمنيّ بقيمة خمسة مليارات دولار، كما وقّع الجانبان على أربع اتفاقات تعاون اقتصاديّ، فيما وقع على هذه الاتفاقات عن الجانب الإسرائيليّ وزير البيئة زئيف ألكين.

وتأتي هذه الزيارة في إطار السياسة الخارجيّة الإسرائيليّة التي تهدف لتوسيع دائرة علاقاتها، وتعزيز نفوذها السياسيّ والاقتصاديّ، إضافةً إلى البعد الأمنيّ الذي بات حاضرًا بصورةٍ مباشرةٍ أوْ غيرُ مباشرةٍ في أيّ اتفاقات تنسجها إسرائيل على الساحتين العالميّة والإقليميّة.

على هذه الخلفية، وضع نتنياهو زيارته ضمن ترجمة لمساعي تل أبيب لتعزيز الأواصر، كما أكّد. وتابع قائلاً، بحسب صحيفة (هآرتس) العبريّة، إنّه بعد تعزيز العلاقات مع دول عظمى في آسيا وأفريقيا وأمريكا الجنوبيّة، جاء الآن دور توثيق العلاقات مع دولٍ بارزةٍ في العالم الإسلاميّ، وفق تعبيره.

مع ذلك، يبقى لزيارة نتنياهو إلى أذربيجان خصوصية محدَّدة، وهي الثانية له بصفته رئيسًا للوزراء، فيما كانت الأولى عام 1997. هذه الخصوصية كانت وستبقى حاضرة في خلفية وأهداف أيّ تعزيز للدور الإسرائيليّ في تلك المنطقة المحاذية للجمهورية الإسلاميّة الإيرانيّة، والتي تعتبرها تل أبيب العدّو رقم واحد، تكتيكيًا وإستراتيجيًا.

على المستوى الاستراتيجيّ، يأتي تعزيز علاقات تل أبيب مع باكو في سياق مخططٍ يهدف إلى تطويق إيران باعتبارها مصدر التهديد الاستراتيجيّ على الأمن القومي الإسرائيليّ، كما يُعرّفها المستويان السياسيّ والعسكريّ في تل أبيب.

بالإضافة إلى ذلك، يأتي هذا التطور كامتدادٍ لإستراتيجيّةٍ مشابهةٍ اعتمدتها إسرائيل في العقود الأولى من تاريخها، وآنذاك، نسجت تل أبيب علاقات ذات طابع استراتيجيّ مع الدول الإقليميّة غير العربية التي تحيط بما كان يُطلق عليها دول الطوق المعادية لها، وذلك بهدف تطويقها وإشغالها بجبهاتٍ خلفيّةٍ.

وكانت إثيوبيا وتركيا وإيران، في عهد الشاه، أبرز ثلاث دول تحالفت معها إسرائيل في مواجهة كلّ من مصر الناصريّة وسوريّة والعراق، علمًا أنّ تركيّا كانت أوّل دولةٍ إسلاميّةٍ تعترف بإسرائيل في الأمم المتحدّة.
وبعد تغيّر المعادلات، وتبلور بيئة إقليمية مغايرة، لم تتخلّ إسرائيل عن نظريتها. بل تحاول إعادة تطبيقها، لكن لمواجهة إيران ومحور المقاومة، توجد عدة مسارات من ضمنها الدفع باتجاه نسج علاقات مع دول الاعتدال العربيّ، أوْ كما يُسّميها قادة تل أبيب الدول السُنيّة المُعتدلة، على قاعدة المصالح المشتركة والتهديدات المشتركة، وهو ما عبّر عنه نتنياهو في أكثر من مناسبة، آخرها قبل يومين في مقابلة مع وسائل إعلام أمريكيّة، عندما أكّد أنّه حتى لو لم تُعلن جبهة موحدة مع السعودية في مواجهة طهران، فإنّ هذه الجبهة قائمة في كلّ الأحوال، كما قال.

أمّا المسار الثاني، فإنّه يجري عبر تعزيز العلاقات مع أذربيجان التي تحدّ إيران من الشمال، وترى تل أبيب أنّها توفر لها مزايا ومنافع إستراتيجيّة، وهو ما دفع العديد من الخبراء والدبلوماسيين الإسرائيليين في مناسبات سابقة إلى وصف أذربيجان بأنّها شريك استراتيجيّ، علاوةً على كونها “بابًا خلفيًا” لإيران، هذا بالإضافة إلى أنّها تُعتبر مزوّد النفط الرئيسي لإسرائيل، من خلال أنبوب يمرّ عبر جورجيا وتركيا.

وقال نتنياهو إنّ هذين البلدين الإسلاميين، كازاخستان وأذربيجان، يرغبان بشدة في تعزيز العلاقات مع إسرائيل. وأضاف إنّ هذا هو جزء من سياسة واضحة في التواصل، وعلاقات إسرائيل آخذة بالازدهار بصورة غير مسبوقة، بحسب تعبيره.

من ناحيته، أكّد المُحلل الأمنيّ في صحيفة “معاريف” يوسي ميلمان، على ما وصفها بالـعلاقة الغرامية بين إسرائيل وحليفتها في بلاد القوقاز أذربيجان، في ظلّ التعاون الأمنيّ الاستخباري بينهما بجانب عمليات تصدير السلاح بمبالغ ماليةٍ كبيرةٍ، وأشار إلى أنّ العلاقات الوثيقة بين إسرائيل وأذربيجان بدأت فور إعلان الأخيرة استقلالها عقب تفكك الاتحاد السوفيتي السابق عام 1991، وهذه العلاقات في طريقها للتطور والتنامي خاصة أن الرئيس الأذري إيلهام علييف يرى في إسرائيل حليفة إستراتيجية.

وخلُص ميلمان إلى القول إنّ هذا التحالف يزداد قوة على خلفية اندلاع الصراع المتجدد بين أذربيجان وجارتها أرمينيا للسيطرة على إقليم ناغورنو كرباخ المتنازع عليه بينهما، حيث يستخدم جيش أذربيجان في هذه المعارك أسلحة ووسائل قتاليّة إسرائيليّة، بحسبه.

حول الموقع

سام برس