بقلم / يونس الحكيم
ليس الأمر مناسباً للحديث عن أناس باتوا مدمنين على تمرير الإهانات وإلصاق التهم بالآخرين جزافاً. وليس الأمر مناسباً للسخرية من أناس كانوا إلى وقت مضى حمَلَة مشروع تنويري، ثم تحولوا بين ليلة وضحاها إلى حمَلَة مباخر. وإنما هي لحظة للبكاء على اسم وطن يتسرب من بين أيدينا، وبات مرتبطاً بأشخاص يبتذلونه ليرتهنوه في الداخل والخارج تحت مسميات عدة، وجميعنا منشغلون في الترهات التي لا نفع منها.

فسقطرى اليمنية هذه الأيام تعيش حالة «بريكسيت» إيذاناً بخروجها النهائي من اليمن الإتحادي الذي لم يلد بعد. هذه الجزيرة الساحرة أو عذراء اليمن كما يسمونها، والتي صُنّفت في المركز الأول عالمياً ضمن قائمة الأماكن العشرة الأكثر غرابة في العالم، والتي أعلنت الـ«يونسكو» أيضاً، بداية العام الماضي، إدراجها ضمن قائمة المواقع البحرية ذات الأهمية... عذراء اليمن الفاتنة التي لم تمنعها لفتة هادي حين «حفظها» وأعلنها محافظة يمنية من أن تقع في أعين العاشق الطموح، والشيخ الباغي المتربص صاحب السبع الجواري (دبي وأخواتها)... ها هي اليوم تعيش لحظة مراسم زفاف أسطوري على الطريقة «الكاثولوكية»، وبرعاية بريطانية كما يقول بعض الأشهاد.

وكما هو معروف، فإن هذا الزواج أبدي لا يقع الطلاق فيه، ولا يجوز منعه إن امتنع الأهل. ولهذا الزواج مهر مؤجل، وصداق مقدم. فالمهر المؤجل تعهد مكتوب من الشيخ المراهق على رؤوس الأشهاد بالسعي الحثيث والمتواصل وراء فك الإرتباط بين العائلة اليمنية الواحدة. أما الصداق المقدم، فقد تم احتساب كل ما أنفقه الشيخ المتقدم في سبيل تخليص الفتاة وأخواتها غير الشقيقات من بعض من أهلها كما يدعي، مع أن الفتاة لم تتعرض أصلاً للأذى من أي كان، بالإضافة إلى مزايا عينية ونقدية قدمها ذلك الشيخ للبعض من أخواتها غير الشقيقات، البعض منها معلوم والبعض الآخر بطرق سرية، لكسب ولائهن وخطب ودهن. عذراء اليمن، سقطرى، تعيش في هذه الأيام صراعاً داخلياً مع نفسها

ورغم قناعتنا التامة ببطلان العقد في حال لو تم، وبطلان كل ما سيترتب عليه كونه انتهاكاً صارخاً لكل الأعراف والمواثيق، وأشبه بزواج الإكراه استغلالاً للظروف التي تمر بها العائلة، فضلاً عن أنه لم يأت بموافقة الولي الشرعي (مؤسسات الدولة التنفيذية والتشريعية والقضائية)، وكذا الشعب الولي الحصري لمثل هذه الأمور، ورغم نفي البعض لهذا، إلا أن هناك ما يوحي بوقوعه أو على الأقل الترتيب له، وما حركة المطارات والذهاب والإياب، والشروع في الاعداد والتجهيز للمشاريع اللازمة دون علم وليها وبعض المقربين منها، إلا دليل على ذلك. كما تبين لاحقاً أن مرحلة الخطوبة كانت قد تمت، وتم التنسيق والاعداد لها منذ سنين، والبداية كانت أثناء مرحلة صياغة مشروع الدستور الإتحادي، الذي تمت صياغته في بلد الشيخ المراهق، حيث تضمنت بعض من بنوده اهتماماً بالغاً باللغة السقطرية والمهرية دون غيرهما، وما تلاها من زيارة للمسؤوليين الإماراتيين لهذه الجزيرة الساحرة، وهذا ما يفسر أن الحب وقع من أول نظرة. ولا ندري هل المهرة أيضاً ستكون على خطى سقطرى، تمهيداً لإلحاقها بالسلطنة عما قريب؟ وبصراحة، بدأنا نشك في أن يكون هذا أمراً واقعاً، بعدما تردد إلى مسامعنا رفض هاتين المحافظتين التبعية لإقليم حضرموت، وكأن البديل جاهز، ولا فرق في ذلك سوى أن السلطنة لا تمتلك الجرأة الكبيرة للاقدام عليه في هذه المرحلة.

خلاصة ما يمكننا قوله إن عذراء اليمن، سقطرى، تعيش في هذه الأيام صراعاً داخلياً مع نفسها، فلا تدري ماذا تصنع: هل تراعي طبيعة وعادات أهلها وترفض كل الإغراءات والامتيازات التي قُدمت لها، أم أنها ترحب بالخطوة وبأي الطرق كانت، نزولاً عند رغبتها الشخصية، ورغبة منها في الخروج عن دائرة الصراع العائلي المزمن الذي أفقدها حسنها وبهاءها ورونقها، وصيرها أشبه بمسنة بلغت من العمر عتياً؟ وبالتالي، هي بالتأكيد بأمس الحاجة إلى من يقف بجانبها، ويؤازرها في رفضها للعقد المشبوه من باغٍ ومن أولياء لا يملكون حق ولايتها، ويذكرها بالعادات والتقاليد التي نشأت عليها، وأن حياة الفقر بالنسبة لها أشرف بألف مرة من حياة اللهو المجون، فهي لن تألف هذا أبداً. ولنقل لهذا الشيخ الباغي بأن عذراء اليمن ستظل عذراء، ولن يمسها باغ أبداً، وستبقى محافظة لا إمارة، وإذا كان لهذا الشيخ شهية مفتوحة، فليستعد جواريه الثلاث (أم موسى وأخواتها)، وليفك أسرهن من طهران، وليترك اليمن، كل اليمن، وشأنها.

حول الموقع

سام برس