بقلم / د.اكرم العجي
قال المفكر الجزائري الراحل  مالك بن نبي إذا كانت الوثنية في نظر الإسلام جاهلية، فإن الجهل في حقيقته وثنية، لإنه لا يغرس افكاراً ؛ بل ينصب اصناماً وهذا شان الجاهلية.

بتلك الكلمات الموجزة كشف بن نبي  عن عمق  الترابط القوي والمتين بين الجهل  والوثنية ، فحيثما  تسيطر الوثنية يسود الجهل وحيث يعم الجهل تسود الوثنية ، لكن قد تختلف  تلك الصورة من عصراً لآخر. فحين سيطرت الوثنية انشغل أجداد العرب بعبادة الأصنام التي صنعتها أيديهم؛ وحين ساد  الجهل  انشغل  الأحفاد  بعبادة الأصنام  التي نصبوها لأنفسهم.

  عندما نتحدث عن الأصنام لا نعني بذلك أننا نعيش مظاهر  الصنمية القديمة التي عاشها الأجداد؛ بل نتحدث عن الضمنية حيث لا أصنام مادية  تعبد بمعنى العباده الحقة؛ بل اننا نصبنا لأنفسنا اصناما حديثة سلمناها عقولنا ورقابنا ونفوسنا وتركناها تمضي بنا إلى حيث تجرنا الصدف.

قد تكن هذا الأصنام افكاراً نعتنقها أو اشخاصاً صنعناها ونتفانى في خدمتها والانصياع لها أو قد تتمثل في حزب أو طائفة أو مذهب...الخ  نغالي في الدفاع عنها ونلقي بانفسنا إلى التهلكة في سبيل الاعلاء من شأنها أو الانتصار  لتوجهاتها ِ.

 نحن لا نعيب على اي فرد اعتناق الأفكار أو التفاني في طاعة الزعماء والقادة وخدمة المذاهب والطوائف ....الخ ؛ بل نحن ضد الغلو والتعصب الذي قد يخلق جواً مناسبا  لتغذية النزاعات و الاحقاد والكراهية في ما بين افراد المجتمع الواحد، مما  يجعل  من رسم صورة الشيطان في الأخر شرطا وواجب لاستباحة حقه في الحياة  و الفكر والمعتقد أو في الوصول للسلطة....الخ .

مما لاشك فيه أن الخنوع والخضوع والتفاني في تقديس الأشخاص و الأفكار والاعلاء من شأن القيم العصبية وتمجيد الحرب والقتل تشكل اهم قيم الجهل و الوثنية التي غرق فيها اجدادنا، كما تشكل أعلى اشكال الاستلاب الفردي والجماعي في مجتمعنا اليوم، وبهذا الاستلاب تحول معظم افراد المجتمع  إلى آلات عمياء تتحرك وفقاً لما هو مرسوم لها دون ابسط تفكير.

ولو تمعنا في  واقعنا اليمني اليوم للاحظنا اننا نعيش في براثن الجاهل والوثنية  فقد صنع كلا منا  لنفسه صنماً يعبده و يتماهى ويذوب في خدمته، ولديه الاستعداد  الكامل لأن يهلك نفسه وأهله ومجتمعه في سبيل الدفاع عن صنمه،  كما هلك معظم القرشيين في الدفاع عن هبل.

تلك حقيقة لا يمكن نكرانها ولنا من الدلائل على أرض الواقع  ما يؤكد ذلك فعلى سبيل المثال، لعل الكثير منا  شاهد  مقطع الفيديو الذي نشرته إحدى مجموعات الذئاب البشرية و هي تطلب من أحد الجنود الأسرى لديها ،التابع لأنصار الله  أن يسب سيده ( عبدالملك)  لكنه رفض وكان جزاءه القتل من قبل تلك الوحوش،  والجنه من قبل وجهة نظر انصار السيد الجنة  لإن سيدهم شخصية مقدسة لا يجوز شرعاً المساس بها. اليس هذا  ابرز  مثال للجهل والوثنية التي غرق فيها مجتمعنا ، كما  تعد أسوأ صور الاستلاب والفساد، حيث يتم استغلال الحاجات الدينية لمقاصد سياسية. اعتقد لوكان السيد مكانه لسب اليمن واهله وكفر بالدين  لإنقاذ نفسه من تلك الوحوش، لكن إذا اردت أن تتحكم في  جاهل ما عليك إلا أن تغلف كل باطل بغلاف ديني.

 الم تكن الحروب والصدامات المسلحة على الرئاسة والسلطة هي من ابرز صور العصر الجاهلي  حيث كان السلاح هو الحكم في إدارة النزاعات المختلفة، ونحن ما زلنا نحتكم لنفس الألية في إدارتنا لنزاعتنا السلطوية في عصر انتقلت إدارة النزاعات من العراك الدموي إلى الجدل الورقي – الانتخابات- كما  وصفها   بذلك المفكر العراقي علي الوردي.

 ولمزيد من  القاء الضوء على وقوعنا  في براثن الجهل و الوثنية، فبعد ايام قليلة ستشهد العاصمة صنعاء الغارقة في دماء ابناءها حشد جماهيري غير مسبوق بمناسبة الذكرى الوطنية الـ35 لتأسيس حزب المؤتمرالشعبي العام، ومن حق كل يمني أن يحتفل بذكرى تأسيس حزبه ، لكن لماذا نصطف استجابة لرغبة فرد أو حزب ولا نجروء على الاصطفاف  لمطالبة طرفي الصراع بوقف الحرب ووقف نزيف الدم الأرخص ثمناً في العالم؟ لماذا نحن عاجزون عن المطالبة بحقوقنا المسلوبة من قبل حكوماتنا المنقسمة؟  لماذا اصبح مصير الملايين من اليمنيين في يد بضعة افراد مغامرين ومقامربن  يسوقون البلاد الى الخراب والدمار و يدعون أن ذلك في خدمة الوطن ؟ لماذا اصبح معظم المثقفين ابواقا بيد المتصارين ؟ حتى لا يطول الحديث اعتقد أن العجز والشلل الذي اصاب افراد المجتمع عن القيام  بدورهم  تجاه الوطن  هو الاستلاب التام ، الذي جعلنا  رعايا تابعين لا مواطنين فاعلين، حتى اصبحنا اشبه بقطيع الاغنام التي لا تعرف إلا الانقياد  لعصى الراعيِ، وللراعي كامل الحرية في بيعها أو ذبحها دون أن يكون لها أي ارادة او اختيار إلا الخضوع و تنفيذ الأوامر.
اليس  تنصيب  الاصنام وعبادتها  و التفاني في الدفاع عنها اهم ما تنتجه الوثنية اليس  الخنوع والخضوع والانقياد والتعصب للافكار والانتصار للطوائف والاحزاب والجماعات  من قيم الجاهلية  الاولى  التي لم نتمكن من التخلص منها ، وإذا كنا فعلنا شيئاً فهو استبدال أوثان الأجداد بأوثان جديدة تتلائم وتتناسب مع عصرنا الراهن.

  الأنقياد والاستلاب والخضوع ليس من عبث الاصنام التي نعبدها، والتي حولت معظم افراد  الشعب الى قطيع يقاد إلى حيث يريد قائدها؛ بل  من قبل الأنفس التي سلمت امرها إلى يد غيرها و لا سبيل في  الخلاص  من ذلك إلا في اخراج نموذج جديد للإنسان ، والمجتمع اليمني  إنسان محرر بعقل غير معتقل عن طريق التعليم والتثقيف والتهذيب>

حول الموقع

سام برس