سام برس
ماذا يَقصد الحية عندما يَقول سيَتمْ نَقْلُه إلى الضِفّة؟ هل هي “زَلّة لِسان” أم عنوانٌ لاستراتيجيّةٍ جديدةٍ؟ ولماذا نُرجّح الأخيرة؟ وهل “هَرّب” السيد نصر الله صواريخ غير “الكورنيت” للمُقاومة؟

عندما يُؤكّد السيد خليل الحية، نائب رئيس حركة “حماس″ في قطاع غزّة، وعُضو مَكتبِها السياسي، أن سِلاحَ المّقاومة “خَطٌّ أحمر” لا يُمكن السّماح بأيِّ نِقاشٍ حَوله، وأنّه سيَنتقل إلى الضِفّة الغَربيّة قريبًا، فإنّ هذا يَعني أن “فُقاعة” المُصالحة انفجرت، وأن حركة “حماس″ تتّجه نحو تصعيدِ المُقاومة للاحتلال في الضِفّة الغَربيّة في المَرحلةِ المُقبلة، وعلى السّلطة الفِلسطينيّة أن تتحسّس رأسها.

حركة “حماس″ تَتغيّر بُسرعةٍ، وباتت تَعود تَدريجيًّا إلى يَنابيعها الأوليّة التي جَعلتها تتمتّع بشعبيّةٍ طاغيةٍ انعكس في فَوزها في أوّل انتخاباتٍ تشريعيّةٍ شفّافةٍ شاركت فيها.
التغيير في الحركة تَجسّد في ثلاثةِ أمورٍ رئيسيّة:

• الأوّل: انتخاب قيادة “صُقوريّة” جديدة تتّخذ من الدّاخل مَقرًّا لها، وتَفتح صفحةً “أمنيّةً” جديدةً مع البوّابةِ المِصريّة، وتَنفتح على جَناح دحلان الفَتحاوي المُبعد، كورقةٍ قويّةٍ للضّغط على السلطة في رام الله، وتَخفيف حِدّة المُعاناة في القِطاع، من خلال حَلِّ مُشكلة معبر رفح بطريقةٍ أو بأُخرى، وكذلك أزمة الكهرباء، ممّا يُؤكّد أن “الشيوخ” يُجيدون فنَّ اللّعِب بالسّياسة وليس إطلاق الصواريخ فقط.

• الثّاني: اتخاذ مواقفَ حاسمةٍ تُجاه حالةِ الاستقطاب العَربي الرّاهنة، والفِتنة الطائفيّة المُتصاعدة، والانحياز بالكامل إلى خَندق المُقاومة، وإعادة العَلاقة التحالفيّة مع إيران و”حزب الله” اللّبناني.

• الثّالث: تَفعيل الجَناح العَسكري في الضِفّة الغَربيّة وإيكال هذهِ المُهمّة للسيد صالح العاروري الذي بات “ضابط الاتصال” المُكلّف في هذا المِضمار، وترتيب مسألة نَقل الأسلحة وتكنولوجيا الصّواريخ إلى العُمق الفِلسطيني، من خِلال خُطّةٍ استراتيجيّةٍ مُحكمة، وهذا ما عَناه السيد الحية، في اعتقادنا، عندما قال أن سِلاح المُقاومة في القِطاع سيَنتقل إلى الضِفّة الغَربيّة، وللمَرّة الأولى بهذهِ العَلانية.
الرئيس محمود عباس قال أنّه لن يَسمح بوجودِ أيِّ سِلاحٍ آخر غير سلاح الشرعيّة، أي السّلطة، في قطاع غزّة، لأنّه لا يُريد تِكرار تجربة “حزب الله”، وهذا الكلام هو من قَبيل التمنّيات، وإذا استمرت حالة الجُمود الحاليّة، وعمليّة التّهميش للقضيّة الفِلسطينيّة، ومن الواضح أنها ستَستمر، فإنّ ظاهرة “حزب الله” الفِلسطينيّة ستترسّخ في قِطاع غزّة، و”تتمدّد” إلى رام الله، والخليل، وطولكرم، ونابلس، وباقي مُدن الضِفّة الغَربيّة.

فِعلاً سلاحُ المُقاومة خطٌّ أحمر، وأيُّ مُصالحةٍ يُراد لها أن تُقام على أنقاضه مَحكومةٌ بالفَشل، فهذا السّلاح هو الذي تَصدّى “للعُدوانات” الإسرائيليّة الثّلاث في العَشر سنوات الماضية، وهَزّ أُسطورة الأمن الإسرائيليّة، والقُبب الحديديّة، ودبّابات “المِيركافا”.

السيد حسن نصر الله كَشَفَ في آخر خِطاباته أنّه زَوّد المُقاومة الفِلسطينيّة بصواريخَ “كورنيت” التي جَرى استخدامها في قَصفْ العُمق الإسرائيلي وأحدثت حالةً من الرّعب في تل أبيب ومَطارِها الدّولي، ولا نَستبعد أن تكون صواريخ أُخرى أكثر تَطوّرًا قد جَرى تَهريبها إلى القِطاع، وربّما الضِفّة الغَربيّة أيضًا، وسَتكون المُفاجأة الأبرز في أيِّ حَربٍ قادمة، ولا نَنسى أيضًا طائرات بدون طيّار التي هَندسها الشهيد التونسي محمد الزواري، وأنتج العَشراتِ منها لترسانةِ حماس.

الفصائل الفِلسطينيّة، وخاصّةً حركتي “حماس″ و”الجهاد الإسلامي” وبدعمٍ من الجبهة الشعبيّة، رَفضتا بشجاعةٍ وقوّةٍ قرارات اجتماع وزراء الخارجيّة العَرب الذي انعقد قبل عشرة أيّام في القاهرة، واعتبر المُقاومة اللبنانيّة المُتمثّلة في “حزب الله” حَركةً “إرهابيّةً”، الأمر الذي يُعيد للقضيّة الفِلسطينيّة كرامتها ووَهْجَها، ويُرسل رسالةَ تَحذيرٍ قويّة إلى الدّول الخليجيّة التي تَقطع أشواطًا طويلةً نحو التّطبيع على المُستويين الشّعبي والرّسمي مع دولة الاحتلال الإسرائيلي.

المُقاومة الفِلسطينيّة تَستجمع قِواها، وتتشبّت بسِلاحِها، وتَقف الآن في الخَندق الصّحيح، خندق المُقاومة والكَرامة والشّرف، وهو الخَندق المُنتصر حَتمًا.

طالما أن هُناك عُدوانًا إسرائيليًّا، وطالما استمرّ الاحتلال، وغابَ السّلام ومعه الدولة الفِلسطينيّة المُستقلّة، فإنّ سِلاح المُقاومة يَظلْ هو السّلاح الشّرعي، وكل ما عَداه سِلاح يَخدمْ الاحتلال، والاستيطان ويُكرّسهُما، ونَحن نتحدّث هُنا صراحةً عن سِلاح قوّات أمن السّلطة، دون أيِّ لف أو مُواربة.

نحن الآن في انتظار عُنصر التّفجير لحالةِ الجُمود الحاليّة، وبالتّحديد عَمليّة الانتقام التي ستُنفّذها حركة الجِهاد الإسلامي ثأرًا لشُهداء النّفق، ولا نَعتقد أن انتظارنا سَيطول، وستَجد المِنطقة نَفسها أمام حَربٍ جَديدةٍ لن تَخرجْ مِنها إسرائيل مُنتصرةً مِثل كُل حُروبِها الأخيرة مُنذ عام 1973 حتى اليَوْم.. والأيّام بَيننا.
“رأي اليوم”

حول الموقع

سام برس