بقلم / ناجي الزعبي
لا يخفى على المراقب العادي المناخات والفضاءات الاستراتيجية التي أشاعها الصمود السوري وانتصار محور المقاومة وحلفاؤه ، والتحولات الإقليمية والدولية في موازين القوى ، فالمشهد الراهن يزداد وضوحاً وتتظهر صورة المستقبل شيئا فشيئا فتسفر عن صورة مكتملة لمعسكر ثابت راسخ يزداد تماسكاً ومتانة وتحقيق مكاسب ونجاحات وانتصارات ميدانية عسكرية وسياسية ودبلوماسية ، يسير بخطى ثابتة راسخة مدروسة بعناية متزنة تنم عن ادراك عميق لكنه الصراع وجوهره مقابل معسكر الهيمنة الرأسمالية الآفل الذي يعاني من ارباكات وأزمات اخلاقية وسياسية ومنهجية و اقتصادية بالغة العمق والحدة.

وقد تبدت تجليات هذا الارباك على شكل خطوات وقرارات تنم عن عجز على قراءة التحولات وإدارة دفة الأحداث ، الامر الذي صب في مصلحة معسكر المقاومة وحلفائه .

فقد فرضت خطوات ترامب الحمقاء واستخدامه الورقة الكردية لدفع اردوغان للاصطفاف بالخندق الاخر.

ودفع إرباكه وإملاءاته الحمقاء للسعودية لخروج قطر عن الصف الخليجي ومجلس التعاون المهلهل وفك الارتباط العضوي الوثيق مع السعودية والامارات والاقتراب من ايران .

ودفعت حماس بسبب الحصار الخانق وامتناع سلطة عباس عن التمويل المالي للتوجه لايران والعودة لخيار المقاومة ولو بشكل موارب .

كما فرضت على السعودية عزلة اخلاقية عربية دولية بسبب ازمتها البنيوية والاقتصادية وتورطها في مستنقع الدم والدمار اليمني والعراقي والسوري والازمة القطرية وفضيحة البلطجة واحتجاز الحريري ورجل الاعمال الاردني صبيح المصري والارتماء السافر بالحضن الصهيوني والتخلي الصريح بالتظافر مع دول الخليج عن الاردن ودفع العدو الصهيوني و مصر التي اتهمت صحفها الاردن بتوريد الارهاب لسيناء لذلك ، اضافة للتجاهل الاميركي للحليف الاردني التاريخي والوثيق لفقدانه اوراقه وادواره ووظائفه بسبب هزيمة المشروع الاميركي بسورية والعراق والبحث عن دور جديد للعدو الصهيوني عبر ما سمي بصفقة القرن .

وقد أتت خطوة ترامب الحمقاء بالاعتراف بيهودية القدس لتصب النار على زيت الازمة الاردنية وتعمق عزلته وتفاقم أزمته الاقتصاديةوتهدد وجوده و بنيته برمتها .

كل هذه المعطيات فرضت على الاردن خوض معركة مع حلفاء الامس لم يخترها ولم يتوقعها أويريدها ، وعزلة وتهميش غير مسبوق فوجد صانع القرار الاردني نفسه يغرد خارج الأسراب جميعاً .

وسط هذا الصخب جاء لقاءالقائم بالاعمال السوري د. ايمن علوش برئيس مجلس النواب الاردني عاطف الطراونة ، والأجواء الايجابية التي سادت اللقاء في سياق توجه اردني في مسرب إجباري دفعوه اليه حلفاء الامس مستثمراً حيّز المناورة المتاح و المسموح به اميركيا.

وقد أكد ذلك الطرح الذي أشار لتحول نوعي وجوهري في النهج الاردني الرسمي الذي يدفع باتجاه التقارب الاردني السوري ويشير بما لا يقبل التأويل بان صانع القرار السياسي التقط اللحظة الراهنة وأرسل رسائل - اردنية خالصة - واضحة للاعبين الإقليميين ولأميركا بأن الخطوة تعبير عن إرادة شعبية ممثلة برئيس مجلس النواب تمهد لموقف رسمي قادم بنفس الاتجاه والسياق .

تزامن اللقاء مع الإعلان عن زيارة قادمة لوفد نيابي اردني لايران وآخر لسورية وتصريحات للسفير الايراني تتضمن اعتراف ايراني بالوصاية الهاشمية على القدس.

الخلاصة : تؤشر المعطيات لتخلي جميع اصدقاء وحلفاء الماضي المربكين والمنكسرين والمفككين والافلين عن الاردن ومد اليد له من قبل محور التحرر الوطني ومركزه سورية ، والتقاطه للحظة وقراءته لها ثم استدارته بحجم يتناسب مع الحدث بانتظار تطوير العلاقات وعلى كل المستويات الاقتصادية والسياسية والامنية والعسكرية بين البلدين الشقيقين لحدودها القصوى الامر الذي يتفق مع مصالح الشعبين والبلدين ثم التوجه لجماهير شعبنا وتعبئتها ورص صفوفها وتدريبها وتسليحها لاكتمال الاستعدادات لمجابهة مخاطر المستقبل ومجابهة المجهول .

قد يقول قائل ان ترامب اطلع السلطة الاردنية والفلسطينية والمصرية والسعودية على تفاصيل صفقة القرن وان ادوار كل منهم معدة سلفاً وبان المبادرة الاردنية وخطوات التقارب تجاه سورية وايران والإيهام بان الحكم يواجه خطر وجود ، وان توظيف قضية القدس وتمسك الاردن بموقفه النظري منها خلافاً لارادة ترامب هو تحدى غير مسبوق وغير مقنع - وفوق الطاولة- اما ما يجري خلف الابواب المغلقة فالامر على حاله وان الحملة تتساوق مع جوقة المروجين لوحدة الاردن وتخلي الحلفاء عنه في سياق حملة مدروسة ابتدأت منذ فترة زمنية وبأن هناك حشوداً عسكرية وخطراً سعودياً وإيهام الشعب الاردني بان النظام ومؤسسة الحكم في خطر أتت لذر الرماد في العيون وتحييد محور المقاومة لفرض الخطط والسيناريوهات المتعلقة بصفقة القرن وان الاردن حتى لو اراد تغيير وجهته فهو غير قادر على السباحة عكس التيار ومغادرة مربعه السابق.

ان كان هذا الاحتمال وارداً يكون الاردن كمقامر امتهن الخسارة يدخل بكل أرصدته ومستقبله ومصيره ووجوده على طاولة روليت سياسية لمقارعة لاعبين مهرة اكتسبوا خبرات ومهارات عمدوها بالدم والتضحيات وتحالفوا مع قوى عظمى تدير دفة العالم وأتقنوا فنون الربح والانتصار فقط .

لقد فعلها ترامب مرات عدة وخسر رهاناته ومصداقيته فهل يقامر الاردن الرسمي برصيده وتاريخه ومصيره ومصير شعبه ووطنه ويحرق كل اوراقه و سفنه وخطوطه جميعها؟!

المصدر:الاردن العربي

حول الموقع

سام برس