بقلم / احمد عبدالله الشاوش

كل الاحداث والمؤشرات تؤكد ان السياسات العقيمة والاستراتيجيات الامريكية المتهورة تجاه منطقة الشرق الأوسط أثبتت فشلها ، وان الولايات المتحدة الامريكية أخفقت في صناعة شرق أوسط جديد ، وان خططها وأهدافها وحساباتها أصبحت مجرد " سراب واقرب الى الهشيم ، رغم تجزأه المجزأ وتقسيم المقسم و الدماء والدمار وتشريد وتجويع وترويع الملايين في العراق وسوريا وغيرها من البلدان المستقرة التي حولها القطب الأمريكي الى جحيم في سبيل شهواته ونزواته الجامحة.

وخير دليل على حالة الإخفاق وسقوط " الهيمنة" الامريكية هو المتغيرات الدولية المتسارعة ، لاسيما في بؤر التوتر الساخنة ولعبة المحاور السياسية والعسكرية التي جمعت بين العراق وسوريا وايران وحزب الله ، والتناغم الروسي والمصري والمواقف الاوربية والتركية واحلام الصين وتطلعات الهند وآمال باكستان ، وعدم استقرار افغانستان ، والانتصارات الكبيرة في العراق وسوريا تجاه أدوات الإرهاب المدعومة و الممولة من دول الخليج والمدربة بإحدث التقنيات الامريكية .

كما ان الاحتفاظ بالقوة الضاربة للجيش المصري وتماسك الجزائر والمغرب وتوازن تونس ووجود حزب الله والصراع في اليمن والاحتقان في السعودية والاضطراب في ليبيا وهيمنة ايران التي مكنتها من ان تكون " بعبع" ولاعب رئيس في الشرق الأوسط ، كل هذه القوى قوضت مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي حاولت أمريكا والصهيونية العالمية وأدواتها من دول الخليج باستثناء سلطنة عمان تنفيذه واحكام سيطرتها على العالم.

في حين نرى ان الزيارات المكوكية الى الساحة الحمراء بعد التلبية في البيت الأبيض تأتي قفزاً على الخطوط الحمراء بدءاً بالفوج الأول من حجاج النظام السعودي الى روسيا وعقد العديد من الاتفاقيات و الصفقات العسكرية والاقتصادية والتقنية وهرولت " قطر " في مسعى موسكو وتلبيت السودان بإتمام المناسك السياسية والعسكرية وتقديم جزيرة كقاعدة للقطب الروسي في البحر الأحمر تحقيقاً لأحلام الدب الروسي للنفوذ الى منطقة الشرق الأوسط وافريقيا وقبل ذلك قاعدتي حمييم وطرطوس في سوريا ، ومنح السلطان العثماني أردوغان جزيرة أخرى في السودان من شأنه احداث توازن دولي ، وان العلاقات المصرية - الروسية الضاربة الجذور اثمرت عدد من الاتفاقيات العسكرية والامنية والاقتصادية والسياحية والنووية من شأنها أن تحمل الكثير من المعاني ووضع أكثر من علامة تعجب واستفهام ، ودليل قاطع على المأزق والواقع " المرير" والانتكاسات المتلاحقة .

كما ان المشهد الأخير للرئيس الأمريكي ترامب حول اعلان القدس عاصمة للاحتلال الإسرائيلي والفشل السياسي والدبلوماسي والموقف الرافض لذلك القرار الأمريكي من قبل المجتمع الدولي والدول الاوربية والعربية والإسلامية والانتفاضة الفلسطينية قد أطاح بـ سمعة وهيبة ونزاهة أمريكا وقزم عنفوان واشنطن وقلم اضافرها بعد ان كان لها الخطاب الفصل في الكثير من المسائل والبؤر الحساسة ، رغم قوتها العسكرية والنووية.

بالإضافة الى ان ظهور دول نووية مثل الصين وكوريا الشمالية وباكستان والهند وايران قد احدث توازناً في الرعب ، كما ان الدول التي بدأت في الحصول على الطاقة النووية السلمية في الشرق الأوسط وغيرها ستدلف الى النادي النووي مستقبلاً وفقاً للمتغيرات السياسية و والعسكرية والاقتصادية والعلمية وخلق النظير أو المحور القوي الذي سيقيد عنفوان واشنطن ويوقف سطوتها وعبثها الطاغي ويخضعها لسياسة الامر الواقع ، والجلوس على طاولة المفاوضات مع " الكبار" خلف الجدران او على الملاء لإعادة تقسيم " التركة" في منطقة الشرق الأوسط وافريقيا واكرانيا وأفغانستان وغيرها من بؤر النزاع وتقاسم الثروات والمواقع الاستراتيجية وتشغيل شركاتها لمقاولة وإعادة بناء ما دمرته الحروب المفتعلة بعد ان امتصت ثروات تلك الدول المنكوبة في صفقات الأسلحة وتدمير بلدانها واستنزاف أبنائها وافقار شعوبها، لتبدأ صفحة أخرى من الحرب الباردة والساخنة لمواصلة توحشها وامتصاصها لدماء وثروات الشعوب بإكثر من قطب دولي، فهل يعي العرب ان العالم تحكمه المصالح وان السياسة لا صداقة دائمة فيها ، وان الامبراطوريات تشيخ ثم تسقط بسقوط الاخلاق وغياب العدالة وسفك الدماء وتهديد السلام وان الرهان على القوى الكبرى " وهم "، وان لغة العقل ومنظومة القيم والتسامح والتعايش والتكافل هي اللبنات الأساسية لبناء القلوب والاوطان وتعمير الارض، وان " الغرور والغطرسة والخيانة " هي آفة الشعوب والحكام والدول .

Shawish22@gmail.com

حول الموقع

سام برس