عبدالله الصعفاني

> سأتوقف أمام ما يتناسب مع الجو والمناخ.. جو مناسبة الهجرة- على صاحبها أفضل الصلاة وأتم التسليم- ومناخ الواقع اليمني الذي يجمع بين الحوار وبين الدمار.
> المناسبة الدينية العظيمة والمناخ اليمني البائس يحرضان الواحد منا على الهجرة ولكن.. هل نحن بأخلاق المهاجرين وهل من أنصار يقبلون بنا.. وفي أي مدينة.. ثم كيف أصبح العالم من حولنا يضيق بكل باحث عن حياة وعن بلاد لا يظلم فيها أحد.. عالم انشغل بمصالحه وصدر لنا ما يبرر البلوى من شكوى يصح فيها القول.. من السهل أن تتحدث عن المؤامرة وعن الاصابع الخارجية والقوى الكونية ولكن.. من الصعب أن ننفي بأننا المؤامرة وأننا الاصابع أو على حد تعبير الشاعر أحمد مطر.. «لا ذنب لنا.. نحن الذنب».
> الصادق الأمين كان رحمة للعالمين.. كان رحيما بالأطفال والنساء ورحيما حتى بأعدائه فيما نمارس تجاه أنفسنا وبلادنا ما يصح أمامه القول إن الدين والوطن بريئان من هذا الانفلات العقلي الذي نسينا فيه أن إحدى استخلاصات الدين الإسلامي العظيم هي «الدين المعاملة».
> في مثل هذه المناسبة هاجر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم من مكة إلى المدينة وهاجر المسلمون بسبب ما لحق بهم من الأذى.. وكان في الهجرة هربا والعودة إلى مكة فتحا وانتصار واحات من القدوة في كل شيء.
قدوة جمع بها الشمل وآخى بين المهاجرين والأنصار حتى آثر الانصار اخوانهم المهاجرين على أنفسهم «ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة».
> وفي مجتمع ما بعد الهجرة أشرقت أول وثيقة لحقوق الإنسان فصار المهاجرون والأنصار على قلب رجل واحد ووصلت هذه الإشراقة الرحيمة حتى إلى غير المسلمين التقاء حول فكرة الوطن الجديد درءا للأخطار وصيانة للأعراض والحقوق.
> ومع عودة الفائزين الفاتحين المنتصرين إلى مكة لم يكن هناك حقد ولا ثأر ولا إقصاء وإنما روعة الهدي النبوي «أخ كريم وابن أخ كريم.. واذهبوا فأنتم الطلقاء» فهل فينا من يستلهم الدروس وهل من سبيل إلى جو يمني ومناخ إسلامي يتوحد فيه الصف وتجتمع في ظلاله الكلمة؟
> تحل علينا هذه الذكرى العظيمة محاصرة بالسؤال الحارق ما هو النتاج الديني والوطني والعقلي الجمعي في بلد يفترض أنه بلد الإيمان والحكمة والفقه.. فلماذا تراجع الإيمان وتراجعت الحكمة وحولنا الفقه إلى مادة للصراع المذهبي والتاريخ الإسلامي إلى مادة للفرقة؟
> بالمناسبة في تاريخنا الإسلامي صفحاته الموتورة نعم ولكن لماذا يتفانى من نحسبهم كبارا في التخصص بحثا عن هذه الصفحات وقراءتها وإعادة إنتاجها بروح ثأرية متأخرة يدفع الأبرياء ثمنها صراعا وتخلفا ودما وتشريدا.
> نقرأ: من قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما.. ونغمز ونلمس بالتكفير ونقرأ أن الدم المسلم على المسلم حرام ونتغول في لغة الدم تأسيا بالمنطق التعصبي البليد.
ويدعي بعضنا أنه ليبرالي ومستنير مسلم لكنه لا يكف عن تنفس الظلم ومصادرة الحقوق والحريات وإشاعة الفوضى والعبث فهل من سبيل إلى أن نعيش جميعا بعيدا عن كل هذا الانفلات العقلي والانسلاخ الديني وهل أبالغ لو تساءلت حول اجتماع كل هذه الأمية مع سماع كل هذا التحريض الذي تقوم به فضائيات ومنابر خارج قواعد المودة والرحمة والوفاق والحوار.
> إن مناسبة مثل مناسبة الهجرة لا بد أن تكون موعدا مع كشف حساب الذات ومع تذكر أخلاق المهاجرين والأنصار تحت قيادتنا رسولنا الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم وهي مناسبة لتذكر حقوقنا وواجباتنا تجاه بعض.. سلام واجابة ونصيحة وزيارة مريض.. ونجدة مستغيث واحترام للدم والعرض والمال ورفضا للشيطنة والأبلسة والتكفير.. فاللهم جنب هذه البلاد وأبناءها مخاطر التعصب واستبدلها بأمن وفاق بلا تخاصم ولا تشاحن ولا دماء..
> اللهم اجعل اليمن في أمانك وضمانك.. وكل عام والجميع بخير.

حول الموقع

سام برس