إسكندر المريسي
مما لا خلاف عليه أن دلالة المفهوم لكلمة «قضية» معناه هّم عام يتناوله كل الناس، ومما لا شك فيه أن ذلك الهم طالما يزداد ويتسع عند التخصيص فيأخذ طابعاً كأن أقول في دلالة تلك الكلمة «القضية الفلسطينية» وهو ما يعني أنها تهم كل الفلسطينيين والعرب والمسلمين خلافاً لما يتعلق بالتجزئة السياسية وما نتج عنها من موروثات شطرية فرضتها دوامة الصراع السياسي في شعب موحد لا يعاني من أزمة الهوية الوطنية إلا بسبب الأجندة الخارجية والقوى السياسية المتصارعة.
لذلك فإن طرح معنى «القضية الجنوبية» بوعي أو بدون وعي يعني أن اليمن تعاني من مأزق حقيقي في الهوية الوطنية وكان الأحرى على الأقل لتصحيح مسار المصطلح أن أقول القضية الجنوبية مثلاً، وفي دلالة المعنى أيضاً فإن الأسلم بذلك الطرح «المشكلة اليمنية» أي أن هناك في واقع اليمن الموحد مشكلة يمنية، لا يصح في الوعي والمماثلة الناتجة عن تشخيص أبعاد وخلفيات تلك المشكلة القائمة أن أعمل تجزئة لها من خلال ترحليها على نحو من التقسيم الخاطئ لدلالة المفهوم إلى قضية جنوبية وقضية شمالية لأن ذلك يتناقض مع العلاقة الطبيعية بين الشامل والمشمول والحاوي والمحوي به، فاليمن مفهوم شامل الهوية تكونت عبر الحضارة اليمنية القديمة وكذلك قبل الفتح الإسلامي وبعده وبالتالي فإن هناك مراوحة سلبية عندما أقول قضية شمالية محصورة بالقطع والتحديد وتجريدها من الشامل لها وكأنها ليست يمنية، وكذلك بالنسبة لمفهوم الجنوبية تبدو عند طرحها على بساط البحث والمناقشة بسبب تجردها من الدلالة الشاملة لمفهوم القضية وكأنها ليست أيضاً يمنية.
مما يضع العملية السياسية وكذلك السياسة المحلية في اليمن أمام إشكالية التخلي عن الإطار الجامع دونما إنكار بوجود مشكلة يمنية، مالم فإن تجزئة تلك المشكلة تجعلنا إزاء مفاهيم لمصطلاحات غير عقلانية كأن يتم طرح مقابل ذلك «القضية الصعداوية» إلى آخر التجني غير الصحيح إزاء الاعتراف بالمشكلة مسألة طبيعية توجب عملية التشخيص السليم له والوعي والإدراك بأسبابها ودوافعها مع تحديد الحلول الممكنة لتجاوز تلك المشكلة دون تحويلها أو تأطيرها ضمن البحث عن متناقضات لما من شأنه التشكيك بهوية اليمن الجامع في الامتداد الشامل لحل أي مشكلة في إطار ذلك الامتداد.
ولايعني ذلك التوضيح إلا تأكيداً حقيقياً على وجود مشكلة يمنية لا قضية جنوبية لأن الجنوب من اليمن وإلى اليمن و ليست حالة وافدة ولا يعاني من التعدد اللغوي ولا فيه أثنيات ولا عرقيات، ولكن تلك المشكلة هي بالتأكيد ليست مشكلة هوية وطنية لكي تسمى القضية الجنوبية ولكنها مشكلة سياسية وجودها في إطارها الحاوي لها اليمن ممكن حلها وتجاوزها دون إخفاء أي مشروعية لما من شأنه الجهل بوعي أو بدون وعي أن أصل تلك المشكلة يمنية ولا يجوز أن نسميها قضية جنوبية.
مالم فإنها على ذلك النحو تتحول إلى مصطلح سياسي يفتح مجالاً واسعاً للتشكيك بأصل وجود اليمن، علماً بأن الوحدة اليمنية ليست مصطلحاً سياسياً وليست خلقاً لمعدوم وإنما تأكيد لموجود، لذلك ينبغى عند تناول تلك المصطلحات بغض النظر عن أبعاد المشكلة ونتائجها وسبل وإمكانية وضع الحلول الممكنة لمعالجتها تتناول اليمن كمقياس حقيقي في فهم طبيعة أي مشكلة.

حول الموقع

سام برس