الدكتورة حنان حسين
يدعون المدنية والديمقراطية والعدالة لكنهم ينتهكون أبسط حقوق المرأة الانسانية، فهي لازالت في بلداننا العربية مكبلة بقيود الأعراف والعادات البالية، ولازالت قطعة مملوكة يتصرف بها الأب، الأخ، العم، وإبن العم، وحتى القبيلة .

هدى فتاة سعودية هربت من عسير مع اليمني "عرفات"، وتم ضبطها، وهي اليوم محجوزة في سجن الجوازات على ذمة قضية ربما لم تكن بحسبانها مطلقاً.. وتواجه "هدى" تهمة الدخول إلى الاراضي اليمنية بطريقة غير مشروعة، فيما يواجه "عرفات" تهمة مساعدتها على الهرب.. رغم أن "هدى" لم تكن سوى فتاة أحبت وأرادت الزواج ممن تحب وعضلها والدها، بل حاولوا إرغامها على الزواج من إبن عمها، فهمّت للإنتصار لإرادتها وسط عشائر وقبائل لا تعرف سوى قوانين الغاب والعار والكرامة والفضيحة .

قد لا أحبذ هروب أي فتاة مع رجل مهما بلغ حبها له بل ينبغي إقناع أهلها بشتى الوسائل بتزويجها ممن تحب، ولكن أي أقناع وأي احترام لحقوق إمرأة في مثل مجتمعاتنا العربية البائدة..!؟ فليس بوسع أي إمرأة إقناع أسرتها في مثل هذه الأمور.. لذلك هربت هدى وهي الأن لم تستوعب بعد دهاء الجهات المسئولة وطبيعة التهمة الموجه إليها والتي حتما ستعيدها إلى أهلها لتواجه مصيرها المحتوم وهو القتل وغسل العار .
ذهبت صباح السبت الى المحكمة، وشاهدت هدى وعرفات في جلسة المحكمة بحضور المحامي ومندوب السفارة السعودية، وكانت الدعوى "دخول غير شرعي" والحل "ترحيلها الى المملكة"، فيما كانت "هدى" تكرر على القاضي أنها لا تريد العودة للمملكة وتريد الزواج من "عرفات" الذي بدوره بدوره يصر على أنه يريد الزواج منها على سنة الله ورسوله، ولم ينجح القاضي في محاولة إقناعهما إلى الأن بأن التهمة المنسوبة لهما غير ما هو شاغل بالهما وهو الزواج والاستقرار باليمن- وهنا تكمن المعضلة .

حقيقة حز في نفسي أثناء سير الجلسة بأن أرى "هدى" شاحبة ومرتجفة،، فالارض ليست أرضها، والناس ليسوا أهلها..!! شعرت بخوفها حين لمست يديها، فقد استدعاني القاضي لأن "هدى" سقطت مغشياً عليها. اتيت من الصالة راكضة لأراها ملقية على الأرض وفاقدة الوعي، فالأعراف القبلية والشرع يحرمون لمس المرأة الأجنبية وجميع من كانوا في المحكمة ذكور، وكانوا جميعاً يشاهدون "هدى" مغشياً عليها ويتفرجون عليّ وأنا أحاول حشد كل قواي لحملها الى الكرسي ومحاولة إفاقتها .

مؤلم جداً هذا الإمتهان، ومؤلمة هذه العقليات وطريقة تفكيرها، والأشد غرابة أن لا أحد حاول اعطائها حتى شربة ماء أو وقف القاضي للنظر لحالتها أو حتى معرفة وضعها الصحي وهل تحتمل الاستمرار بالجلسة..!؟ فهذه الفتاة- في نظرهم- كغيرها من ملايين الفتيات التي اجرمن لهروبهن من اسرهن واللاتي يستحقن الموت بموجب العرف البائد والتفكير المتحجر.. طلبت من رجل الأمن الواقف بالبوابة شراء علبة عصير وشوكلاته كمحاولة مني لرفع نسبة السكر والتخلص من الهبوط الذي شعرت أنه تسبب في فقدانها الوعي، وما أن فاقت هدى حتى تابعوا سير المحاكمة وكأن شيئاً لم يحدث لهذه الانسانة..! .

انتهت المحاكمة بعد أن أوضح القاضي لـ"هدى" بأنه يمكنها تقديم دعوى بطلب تزويجها من عرفات، وأيضاً قررت المحكمة السماح لمفوضية شئون اللاجئين بمقابلتها..

"!!في ختام الجلسة سألت "هدى" إن كان لها رسالة معينة تريد ايصالها لأي شخص أو جهة،، فأجابت: "رسالتي للملك عبد الله خادم الحرمين ولكل منظمات المجتمع المدني بأن يقفوا لجانبي ويساندوني على الزواج من عرفات لأني إذا أعادوني للمملكة سيقتلوني أهلي الذين ادعو أنني معقودة بإبن عمي وهذا ادعاء باطل فهم يريدون رجوعي من اجل قتلي، وإذا لم يتم مساعدتي سأقوم أنا بقتل نفسي والإنتحار .

وهكذا تستمر معاناة المرأة العربية في مجتمعات ذكورية متسلطة لا تمنحها حق الاختيار والرفض حتى في اهم قضايا الحياة وهي الزواج وتكوين الاسرة.. هذه هي مجتمعاتنا الاسلامية، وهؤلاء هم من يدعون تطبيق شرع الله بينما هم يحكمهم عرف كمبري عاف عليه الزمن!! .

لهذا ربما علينا أن نعيش قروناً قادمة حتى تتغير العقول والأعراف وستظل أمنيات المساواة واحترام المرأة والنظر لها بعين المساوة ما ظلت الروح في الجسد .
* رئيسة تحرير "نبأ نيوز"

حول الموقع

سام برس