بقلم/ محمد العزيزي
منذ أن اندلعت أحداث و ثورات الربيع العربي مطلع عام 2011م حتى تساقط رؤساء و انظمة عددا من الدول العربية ذات النظام الجمهوري و دخول هذه الدول في صراع و عضال سياسي و احتدام بين فصائل مسلحة مختلفة التوجه و الأفكار و الانتماء و العمالة و التمويل .

و منذ ذلك التاريخ و حتى اليوم لم تخرج هذه الدول من دوامة الصراع و الاحتراب و القتل و الدمار والدماء و خراب كل شيء. . و بالرغم من مرور أكثر من سبع سنوات عجاف على تلك الشعوب الواقع تحت رحمة مدافع الخصوم و المتصارعين على السلطة لم تجد هذه البلدان أي نوع من الاستقرار أو توقف عن سفك الدماء المراق للأبرياء يوميا و بأعداد الصانع و المدبر لما يدور من صراع و أحداث في الوطن العربي تحت يافطة الحرية و الديمقراطية و التداول السلمي للسلطة و محاربة الأنظمة الدكتاتورية و الفاسدة و الظالمة للشعوب .

و المعلوم أننا شهدنا منذ ما يزيد عن سبع سنوات سقوط أربعة رؤساء إما قتلى أو في السجون أو في المنفى ، و ظل الرئيس السوري " بشار الأسد " صاحب الترتيب الخامس ، هو الوحيد الصامد في وجه ثورة ربيع سوريا منذ اندلاعها و حتى اليوم حيث أوشك الجيش السوري على تحرير 95 في المائة من المحافظات والمدن والقرى التي سقطت بيد الفصائل المسلحة الدعومة من قطر والسعودية وتركيا وامريكا واسرائيل وبريطانيا وغيرها من صناع الربيع الصهيوني الذي جلب المتطرفين من كل حدب وصوب ، ورغم ذلك خسروا الرهان بعد الصمود الاسطوري و الانتصارات السورية الكبيرة والاجهاز على آخر وكر للارهابيين في محافظة إدلب الحدودية مع تركيا ، والدعوة الى اعادة الاعمار.

و بهذه المعادلة يكون الأسد الناجي الوحيد من ثورة الربيع العربي التي اندلعت في خمس دول جمهورية هي تونس ، وليبيا ومصر وسوريا و اليمن , و بغض النظر عن التجاوزات والاخطاء التي أرتكبها الأسد ونظامه ضد المعارضة السورية وبعض السكان و البنية التحية و الممتلكات الخاصة و العامة ، إلا أن الحقائق على أرض الواقع تؤكد يقينا أن الرجل قد استعاد زمام الحكم و احكم السيطرة على البلاد و أعلن نفسه الناجي الوحيد من ثورات الربيع العربي ليس عن قوة كان يمتلكها هذا النظام و لكن لأنه احتمى بظهر و قوة كدولة روسيا العظمى .

سوريا كانت ضمن مخططات الدول الخمس التي طالتها ما يسمى ثورات الربيع العربي و هي بهذا الصمود الأسطوري في وجه تلك العاصفة الشرسة إعلاميا و عسكريا واقتصادياً وسياسيا و تحريضيا من جميع دول العالم عدا روسيا قد أكدت بقاء هذا النظام على رأس السلطة و أصبحت المعارضة و دول أوروبا تتوسل لنظام الأسد السماح لنازحي المعارضة بالعودة و ضمان عودتهم بسلام ..

و الحق يقال هنا أن نظام الأسد استطاع امتصاص تلك الصدمات و ضخامة تلك الهجمة و تمويلاتها و جعلها تسقط سقوطا مدويا أمام تحدي و صلابة النظام خصوصا مع أقتراب سيطرته على محافظة إدلب و فشل سياسة الإطاحة به من قبل ثورة الربيع و مخططات المخابرات العالمية التي أدارت موجة فوضى الربيع العربي و التي هدفت إلى تغيير الأنظمة الحاكمة و الخارطة السياسية و الجغرافية للدول العربية المستهدفة و تفكيك و تدمير جيوشها و بنيتها و تدمير السلاح الذي تمتلكه هذه الجيوش منذ خمسينيات القرن الماضي و فتح سوق جديد لبيع سلاحها للأنظمة الجديدة و القوى الفاعلة و المنفذة للمخطط المعد سلفا تحت مسمى الفوضى الخلاقة و الشرق الأوسط الجديد.

و هنا قد يقول قائل بأن الرئيس بشار الأسد دمر سوريا و قتل آلاف السوريين و شرد عددا كبيرا منهم لاجئين في دول عدة و هذا الكلام قد يكون فيه جانب من الصواب.. و لكن المنطق و الواقع يقول ان المعارضة المسلحة والارهابيين الذين تم جلبهم من بقاع الارض مارسوا فنون القتل والارهاب وشردوا وهجروا الملايين ، ورغم ذلك ثبت " الاسد " في وجه أعدائه ودافع عن بلده و أكد للعالم أنه و معه الحليف الروسي ليس نظام كرتوني يسهل على دول الإمبراطوريات أن تكنس نظام قائم و استبداله بنظام أخر في أي وقت و كلما اقتضت الحاجة لتنفيذ مخططات و استراتيجيات تهم مصالح شعوبهم و انظمتهم و لو بأيادي إرهابية أو قوى معارضة تنتمي لسوريا .

ولو كانت ثورات الربيع العربي من أجل الرفاهية و الديمقراطية و العدالة. . فلماذا ترك الشعب الليبي بعد مقتل الرئيس القذافي عرضة للتناحر و الإقتتال و التدمير والفقر منذ ذلك الوقت و حتى اليوم و مثله الشعب اليمني و الأزمات المتلاحقة في مصر و تونس و عدم الرضى لاستقرار هاتين الدولتين.

نحن هنا لا نقول أن ما عمله الأسد هو عين الصواب و أننا نؤيد ما ارتكبه و نظامه بحق بعض السوريين فكل ذلك مرفض و غير مبرر و مدان و لكن و بالمقابل هل الفصائل المسلحة و الإرهابية لم تقم بنفس الأسلوب و ربما أبشع مما ارتكبه الأسد ، وعاثوا في الأرض فساداً من تدمير و خطف و تعذيب و قتل و نهب و تدمير للممتلكات و المنازل و المنشآت العامة و الخاصة خدمة لمن ؟ و هل ما قامت به يعد حلالا و من حقها في الحصول على ما ليس لها و محرما على نظام الأسد ؟ ..

و هل سقوط الأسد و نظامه بيد تلك القوى المتناحرة أصلا و التي ليس لها برنامج و لا مشروع وطني جمعي سيجعل من سوريا دولة متقدمة علميا و صناعيا يعيش شعبها الرفاهية المطلقة و المنشودة ؟ .. أم أن الحال سيكون أكثر خطورة لما تعيشه ليبيا و اليمن و بقية الشعوب العربية اليوم ؟

الحقيقة أن سقوط سوريا بتلك الصورة المرسومة و القاتمة و المرعبة في ذلك المخطط لم يكن سوى خدمة للكيان " الصهيوني " فهو المستفيد الوحيد من نتائج ثورات الربيع العربي التي جعلت من العرب شعوبا و أنظمة عبارة عن قطعان من النعاج لا تقوى حتى الثغاء و لا العواء و رفع صوتها أمام غطرسة إسرائيل و تماديها على المقدسات و مقاومة صفقة القرن التي يسوقها للعرب الرئيس الأمريكي ترامب .

وبسبب حال الشعوب العربية و الظروف المعيشة التي يعيشونها لم تقدر هذه الشعوب من الخروج في مظاهرات في وجه ترامب و مشروعه كما كان لهذه الشعوب في أزمنة ليس ببعيدة من برزات و محطات و مواقف مشرفة في رفض أي مشاريع تستهدف فلسطين و المقدسات الإسلامية.

أيضا هدفت أحداث ثورات الربيع العربي للأسف الشديد إلى تنفيذ التحولات المرسومة و المرجوة سلفا إلى الخلاص من الأنظمة التي تنتهج الممانعة و المقاومة و صاحبة الميول للنظريات القومية و الفكر الاشتراكي و الليبرالي و التي ربما لا تنسجم مع أسس و نظريات الحكم في بعض الدول العربية. . و بالتالي فإن انكسار أنظمة الممانعة تعد في حقيقة الأمر غاية للدول الغربية لتمكين الغاصب الإسرائيلي و إعادة فرض الهيمنة و التحكم بزمام المبادرة في تشكيل أنظمة ناشئة و ضعيفة و هشة لا تقوى على المجابهة و المناورة و المراوغة السياسية لأن عود نظامه ما زال غير قادر و لين. و ليس له أرضية صلبة في أوساط الشعوب يتكئ عليها و يحتمي من خلالها ..

كما أن الأنظمة الإفتراضية. أو الناشئة ستكون باحث في نفس الوقت عن من يسندها و يوفر له الإمكانات التي تثبت أركان نظامها الجديد و كذا إعادة الإعمار و التنمية التي ستحتاج عند وصولها إلى الحكم .. و قد اثبتت السنوات الماضية مدى المخطط الرهيب القاضي بتدمير البنى التحتية ومقدرات الشعوب العربية و الحاجة فيما بعد إلى عشرات السنوات لإعادة إعمارها و هو ما تم بالفعل .

حول الموقع

سام برس