سام برس
فاتنة الجو .. قصة ليست من الخيال الادبي او العلمي ، وانما من الواقع الاجتماعي اليمني الزاخر بالكثير من القصص الإنسانية العظيمة والوفاء النادر، عشقٌ بلاحدود وغزل ٌ عفيف ، وحبٌ طاهر جمع بين قلبين كل منهم تحول الى شمعة مضيئة تنير دروب المحبين وتحمل من الآمال والتفاؤل والاحلام وقوداً يصعد بالمحبين الى عنان السماء ، ورغم ذلك الحب الطاهر والزخم الكبير والرومانسية العجيبة والسعادة الغامرة والوفاء النادر والاخلاص إلا ان بعض أصحاب القلوب المريضة الذين يفتقدون الى لغة الحب والسعادة وقوانين الأرض الجامدة ، والاقدار العجيبة فرقت بين قلبين ذابا في فؤاد واحد ، محولة فاتنة الجو وشقها الاخر الى حب عالق في السماء .

ولاهمية هذه القصة الاجتماعية والإنسانية السامية التي أستطاع الكاتب والصحفي والقاص محمد العزيزي ، ان يؤثر في أعماق قلوبنا وان يسلب عقولنا ويحدث صدى كبير في وجدان كل من قرأ درة القصص اليمنية وسيرة حياة تُكتب بماء الذهب ، حملت الكثير من الاحرف العظيمة والكلمات الراقية والبلاغة والجمل الفريدة ، والوصف العجيب والكلام البديع ، ما دفعنا في هيئة تحرير" سام برس" الى شرف الموافقة على نشر هذه القصة الإنسانية الرائعة
ووضع القارئ والعاشق والمتذوق والفنان أمام رواية ساحرة جمعت بين متناقضات الحياة لتصبح دموع العشاق أصدق مشاعر المحبين التي يستفيد منها الانسان في الحياة المعاصرة.

قصة / محمد العزيزي


إنها ليست حكاية خرافية أو قصة منسوجة من الخيال و يا ليتها كذلك بل قصة حب غرامية حقيقية ظلت تنمو و تكبر لسنوات بين حبيبين قتلهما العشق و الولع و سكن كل واحدا منهما قلب الأخر من أول لقاء ، إلا أن السماء وقفت حائلا بينهما و في وصالهما .. ليست السماء بتياراتها و مطباتها الهوائية من تدخلت في وصول الحبيبين إلى مبتغاهم بل تدخلت السلطة الإدارية في الإرض لبتر حبال و شباك الحب للعشيقين و كانت هي حجر العثرة و العقبة الكئداء في ابتعاد القلوب و الأرواح و الأجساد عن بعضها البعض ليبقى الحب عالق في السماء و الأرض و في القلوب .

الشاب عبدالله " العشريني" ، حزم أمره و عزم على مغادرة القرية التي تلقاء فيها تعليمه لدى فقيه القرية حيث بدأ أول خطوة نحو المعرفة و القراءة والكتابة في المعلامة عند أحد الفقهاء و بدأ التعرف على الحروف و الكلمات في لوح خشبي لخط الكلمات .. قبل ذلك كان يهيم عبدالله في وديان و تباب و جبال القرية يداعب أغصان الحشائش و المزروعات .
يلهوا و يلعب في حقول و شعاب القرية و هو يذود أغنام أسرته الفقيرة و يراوده حلم مغادرة القرية و الحصول على فرصة عمل أفضل .. قرية الشاب عبدالله تكسوها الخضرة و الهواء العليل لكن ما ينقصه هو تحقيق طموح الشباب و الهروب من العزلة القاتلة للريف و انعدام العمل الذي يتوق إليه و يكافئ عنفوان الشباب الطامح ..

أسر الفتى والدته و أهله بما يجول في خاطره فكان له ما أراد فهو يعيش حالة العنفوان و الفتوة .. في صبيحة يوم السبت مطلع أيام الأسبوع التالي للاتفاق مع الأسرة ودع الشاب عبدالله أسرته و القرية و الحماس يتدفق في دواخله كالجبال بحثا عن العمل و مصدر الرزق .. انطلق نحو المدينة التي يقصدها و رغم عناء السفر و مشقته في ذلك الوقت وصل الشاب قوي البنية مفتول العضلات إلى قلب المدينة و الشمس تميط لثامها و تذهب و الليل يسدل ستاره .. لم يطول البحث عن العمل فبعد أيام قلائل من وصول عبدا لله حيث ابتسمت الدنيا في وجه الشاب الجميل و الأنيق و حصل على وظيفة ناظر محطة في المطار .

التحقت " فاتنة الجو " " وردة " ، هي الأخرى في شركة الخطوط الجوية للعمل كمضيفة جوية تتمتع باللياقة البدنية و الصفات المؤهلة لهذا العمل بمرتب مغري و في أول يوم ارتدت البدلة الكحلية و هي تتأهب بشغف كبير الصعود على سلم الطائرة للمرة الأولى و كانت الرحلة المتجهة إلى القاهرة ثم باريس و العودة. . لاحظت وردة خلال هذه الرحلة التي حملت الرقم 707 أن الناس تجيد حركة اليدين كلغة عالمية يوحي فيها الناس عن طلباتهم و رغباتهم فهي تأمر و تتعجب و تشرح و ترفض .... الخ .

كانت وردة بشوش .. حنون .. مجيب .. خدوم .. تتحرك كمحب للناس مخلصة للعمل فهي تطبق كل ما تلقته في التدريب و المحاضرات كون أول الواجبات للمضيف أن يبتسم دائما و هذا ما اغاظ بعض زملاء وردة و كاد بزميلات لها أن يطحن بها و إخراجها من الأسبوع الأول للعمل.

عادت وردة في الرحلة الخامسة و كان الشاب عبدالله "مساعد ناظر المحطة " يجري يتحرك و كأنه ينتظر أعز الناس على فؤاده .. يقف كالملهوف .. مستعجل .. يطلب من الطائرة و كبتنها بالوقوف سريعا .. توقفت الطائرة نزل ركابها منها ثم الكابتن و طاقم المضيفات و المضيفين. . كان الشاب عبدالله أول المرحبين و المستقبلين فما أن رأى وردة حتى عاد إلى سكونه و لطافته يبتسم ببلاهة و الفرح يمتلئ بمحياه . . ذهب نحوها و لسانه تسبح لعودتها و يكاد يرمي بجسده في أحضانها .. تكرر هذا الموقف مرات عند عودتها من السفر هي فهمت تلك المشاعر الفياضة من الشاب نحوها فقد سبق أن تعرفت عليه حين توظفت .. فهو أول من بارك لها في العمل .

كان الشاب عبدالله هو من يودع وردة و من يستقبلها عند سلم الطائرة .. فما أن تقلع الطائرة حتى يلوح بيديه مودعا و يرفعها تضرعا بعودة وردة سالمة ليراها و يستمتع بالنظرات إلى محياها .. وردة كانت مع كل رحلة تعاني من مشاكسة المسافرين و تغير وجوههم في كل رحلة و رغم أنها تعتبر ركاب الطائرة هم أهلها .. و كل من يركب الطائرة يتطلع خلال الرحلة بطابع خاص يجمع كل الركاب قد يختلفون في تصرفاتهم و لكنهم لا يختلفون في أحاسيسهم و مشاعرهم .. منهم من ينظر إلى المضيفة بأدب و حياء و البعض ينظر و يتفحص جسم و أعضاء المضيفة بوقاحة و تلذذ غرائزي و كلى الطرفين يجمعهما إحساس واحد و فكرة واحدة يستطيع أي مضيف أو مضيفة استشعارها مهما بالغ الأول في حيائه و الأخر في قلة أدبه .

ركاب الطائرة لهم طبائع منهم من يكثر الأسئلة و يريد أن يعرف كل شيء .. و أخرون يحاولون أن يأخذوا أو يستعيضون قيمة التذاكر من خلال زيادة الأكل و المشروبات .. أما أكثرهم عبثا و تحرشا هم من يستدعون المضيفة و يظل يحدق في وجهها طويلا و يضع في يدها ورقة ملفوفة بها عنوان و مكان إقامتهم و هؤلاء هم رجال المال و الأعمال و أصحاب النفوذ و السلطة.

في كل عودة تشكي وردة لعشيقها مشاكل و تحرشات ركاب الجو لعله يبتعد عنها أو يفهم أن عملها يصاحبه معجبين و متحرشين .. الخ .. تقول وردة لأسيرها : أثناء أحد الرحلات و بعد رحلة إقلاع الطائرة و تسليم الركاب وجبة خفيفة سلمني مسافر ورقة صغيرة قال فيها " من الآن و صاعدا اسمك فاتنة الجو " فوافقت بهز رأسي مع ابتسامة إذ على المضيفة أن تمتلك صفات مهمة أبرزها قوة الشخصية و حسن التعامل بلياقة مع المسافرين على اختلاف طباعهم و خاصة عند التعرض لمواقف محرجة و مزعجة .. فهذه حياتي على مدار كل رحلة .. لم يأخذ العاشق الولهان " عبدالله " ذلك الكلام بالحسبان فهو هائم مفتون بجمالها و حبه لها بلغ عنان السماء و يثق بعشيقته ملئ السموات و الأرض فكل ما قالته ليس في حسابات عبدالله و ما يأمله الظفر بها و بحبها ولا شيء غير ذلك .

كل مرة يلتقي العشيقان و من الوهلة الأولى لذلك اللقاء يبادر عبدالله بالحديث عن نفسه و عن حاله و أحواله و عن عائلته و يحاول إقناع فاتنة الجو عن شخصيته و أن ثقافته جيدة جدا و أن عيبه الوحيد أنه ينتمي لأسرة فقيرة و هو "افقر من فأر في كنيسة " .. فردت عليه أن الفقر ليس عيبا و إنما العيب هو الجهل .. منذ تلك اللحظة كانت وردة لا تشاهد أو تلتقي به إلا و هو يحمل بيده كتابا لأحد فلاسفة العصر .

استطاع الشاب الولهان أسر و إعجاب فاتنة الجو فكانا يتصافحان بالنظرات و الابتسامات كلما جمعهما القدر و سمحت ظروف العمل و كأن كل منهما يشفق و يتصدق على الأخر .. و بضع كلمات يتبادلونها على عجل و يعرف كل منهما أنهما متيمان و طلاب .. حب .. ورواد ود .. و طموح .. و حلم .. في الارتباط ببعض فهما قريبين لبعض و ينتمون إلى مدينة واحدة و سفينة عشق تتجاذبها أمواج الهواء و الغرام.

وصلت الطائرة ذات يوم من أحد الرحلات و بها فاتنة الجو .. و الشاب عبدالله يحوم يتلهف لرؤية وردة التي شغفته حبا يريد أن يطمئن عليها و يعلمها بالقرار الذي اتخذه في أحد الليالي المقمرة حين قرر قلبه و حواسه بضرورة القرب و الزواج في أقرب فرصة. . عبدالله لم يعد بمقدوره أن يحتمل بعدها و بعادها أو فراقها و الخوف من فقدان عبدالله لحبها و قلبها و عشقها و تكون فاتنة الجو لأحد غيره .. ظل ينتظر عند سلم الطائرة لحظة نزول صاحبة الدلال و الجمال و القوام .
ظهرت الفاتنة و هي تلاحظ الابتسامات العريضة التي لم تفارق وجه عبدالله و هو يستقبل من أسرت قلبه و عقله .. عند اللقاء تصافحت القلوب و اغتنمت بل اغترفت العيون من بحر الحب و الجمال اقداحا كثيرة من النظرات التي تطفئ نهم العطشان .. و على عجل طلبت الفاتنة من عشيقها أن يستعير سيارة زميله ليقلها من صالة المطار إلى المدينة و شوارعها و ازقتها ليعيشوا لحظات ألفة و غرام فكان لها ذلك .. انطلق الشاب بالسيارة على وقع و نغمات الغناء و الموسيقى حيث الفنان عبد الحليم حافظ يصدح بأعذب الألحان .. يخاطب القلب و العقل و الوجدان .. يشعل وهج الحب و العشق .. و كوكب الشرق أم كلثوم تغني و تزيد العشيقان حماسا و تعلقا بالمصير و هما يرددان تلك الأغاني .. توقفت السيارة وسط المدينة و العاشقان يتبادلان الكلمات و غطاء جزءا من ذلك الحديث المتبادل وجهة نظرهما عن الحياة و الحب و المستقبل .. حلت عتمة الليل و داهمهما الوقت طلبت منه أن يعود بها إلى سكنها و في الطريق أحس كل منهما بالأخر .. غادرت السيارة وودعته و خلال الطريق و هو في طريقه إلى بيت صديقه لإعادة السيارة لصديقه كانت السعادة و الفرح و السرور قد عم وجدانه و حياته و كاد أن يطير من شدة الفرح فليس لتلك النشوة حدود و ليس لها مكان يحتويها أو يكبح جماحها فلا تستطيع السماء و لا الأرض الوقوف أمام عشيقيني عزما على بلوغ مقاصدهم .

الأيام تسرع خطاها و الزمن لا ينتظر و الأقدار تعصف بكل شيء دون سابق إنذار و لم تكن في الحسبان أن تأتي أوامر أهل الأرض لتخل بالحياة و تعدم الحب و تدمي القلوب المحبة و تفرق بين حبيبين .. عبدالله ذلك الشاب الأنيق و الجميل و المثقف و المجتهد في عمله و حبه للحبيب الموعود الذي ما لبث لسانه أن يقف من ترديد أغاني الحب و التي تستنهض الأحاسيس و الشجون في جسد و قلب كل محب هائم .. كيف لا .. و الشاب عبدالله قد أصابه الحب العذري و القهري و القدري و الإعجاب من أول نظرة. . كيف لا .. و الشاب الهائم لا يفارق عقله و تفكيره و عواطفه و دواخله و إدراكه صوتها و صورتها و شكلها و جمالها و عطفها و حنانها .. يتخيلها في النهار و في غسق الليل قبل غرب الشمس و الشروق في المنام و خلال العمل في كل لحظة و ثانية .. ما يزال يتذكر كلامها و كلماتها ضحكتها و نبرة صوتها يستعيد صورتها و ملامح وجهها فهي قد جعلت قلبه معلقا و شغوفا بها و يحلم باليوم التي تجمعه بها في عش الزوجية و العناق الأبدي تتويجا لهذا المشوار الشاق و المتعب من الانتظار ..

غادرت وردة المطار في رحلة دامت أسبوعا و عند عودتها سيدشن العشيقان أول خطوة نحو عش الزوجية بحسب المخطط و برنامج الخطة الذي قرره الحبيبان سلفا من أجل تقريب المسافات .. و في منتصف الأسبوع تلقى الشاب عبدالله قرارا إداريا بنقله للعمل إلى مطار جنوب البلاد. . كان هذا القرار بمثابة الصاعقة التي تشل حركة البشر. بل القشة التي ربما تقصم حبهما و تفرق عشيقين .. عبدالله يكرر قراءة القرار ما هذه المصيبة التي حلت .. هلت الأسئلة في ذهن المحب .. ما الذي حصل ؟ هل من عدو أراد ابعاده عن حبيبته ؟ هل انكشف أمرهما ؟ تزاحمت التأويلات و التساؤلات في عقل الشاب .. كل هذا ليس مهم ولكن المهم كيف ستكون ردت فعل وردة. . ؟!!!!!!

انتهاء أسبوع الرحلة و عادت وردة و كان عبدالله على الموعد في انتظارها على احر من الجمر .. كلمات قليلة بداية اللقاء و إذا بعبدالله يخرج تلك الورقة اللعينة و يعرضها عليها فكانت كالصفعة المدوية بوجه العشيقين يا لها من صدمة. .

بدا الحزن يخيم و يلف المكان ما العمل و ما بمقدور الحبيبين فعله ؟! .. ما النتيجة و ما حلول هذه المصيبة ؟
لم يدم الجواب كثيرا فكان الاستسلام للقرار أمرا حتميا و لا مفر منه .. و لكن ما مصير حبهما و كيف سيلتقيان و كيف سيكون الوصال ؟ و هل هذا القرار الجدار الحتمي الفاصل و القاضي بعدم الارتباط ؟ .. سلما الطرفان أمرهما لقانون و سلطة الأرض. فكان القرار نافذا و قبل التنفيذ التزم الطرفين بمواصلة مسيرتهما و الحفاظ على حبهما مهما جار الزمن و القرار و البعد و الابتعاد .. حان الرحيل و حزم العاشق عبدالله امتعته و حقيبته للسفر مفارقا حبيبته و مدينته .. كانت وردة في وداع الحبيب عبدالله كما كان يودعها و يفعل هو معها عند كل رحلة تغادر بها البلاد. . موقف محزن و أليم لكنهما تعاهدا على المواجهة و التغلب على هذا القرار الظالم و المدمر للقلوب المحبة. .

وصل الشاب عبدالله مقر عمله الجديد و كله أمل برؤية وردة و لو لمرة واحدة فقلبه معلقا بها فهو لم يعد بذلك النشاط المعتاد لكنه ينهض و يزداد حماسا كلما تصل طائرة أرض المطار و وعيناه ترقب و تبحث عن أمل رؤية من أحب .. مرت الأيام و الشهور و العاشق عبدالله لا يعلم أن وردة قد صدر بحقها قرارا مماثل لذلك القرار الذي أبعد عبدالله عن معشوقته فهي لم تعد تعمل مضيفة جوية بل قضى القرار تحويلها إلى مضيفة أرضية. . حاول الشاب عبدالله متابعة أحوال و ظروف وردة و بعد عدة محاولات علم من زملائه أن وردة قد تحولت إلى مضيفة أرضية.

عبدالله أبو" إخلاص " ، لم ينقطع عن متابعة أخبار وردة رغم انقطاع المراسلات و الأخبار لمدة 12 عاما لأسباب عدة أهمها تحمل المسؤولية تجاه الأسرة التي ارتباط بها. . كما أن الدهر لم يرحم و أيامه و سنواته تمر بسرعة البرق فقد سرق الدهر أيام و شباب و عمر أبو إخلاص الذي بلغ من العمر عتيا .. فقد وصل عمر الحاج عبدالله الستين و بلغ الأجلين وفقا لقانون الخدمة المدنية حيث تلقى خطابا و صدر بحقه قرارا أخر بإحالته إلى التقاعد بعد ثلث قرن من العمل و كما حصل في البداية كانت الخواتيم يحال عبدالله أبو إخلاص إلى التقاعد أولا و تلحقه بفترة وجيزة من الزمن زميلته و رفيقة دربه وردة.

أصبح أبو إخلاص عاطلا عن العمل لا عمل له سوى المطالعة و قراءة الكتب و الذهاب مبكرا إلى المقهى لتجاذب الحديث مع زملائه و محبيه و رواد المقهى و أداء الصلاة و قراءة القرآن في المسجد.

تمر الأيام و الشهور و السنوات و الحال لم يتغير و لكن الأقدار مازالت تتربص بأبو إخلاص و تريد بل و تشأ أن تذكر الحاج عبدالله ذو الستين بالأيام الخوالي و تعيد ذكريات الشباب و الأيام الجميلة الممتلئة بالحب و الغرام و أشياء أخرى ..
ففي أحد أيام العشر الأواخر من شهر رمضان المبارك و إذا بامرأة ملفوفة بملابس قديمة و مبرقعة تومي و تأشر بإشارة تطلب الشائب الحاج عبدالله القدوم إليها ، أجاب الدعوة فإذا بها تطلب منه قراءة القرآن لها و بنية أقاربها الذين فارقتهم و أعطته مبلغا من المال مقابل ذلك .. لم يستغرب الحاج عبدالله ذلك " الصوت " و نبرته غادرت المرأة باب الجامع و ذهبت حال سبيلها .. ما هي إلا خطوات و الكلمات و الصوت الحنون ما يزال وقعها كالزلزال استرجع الحاج عبدالله ذلك الصوت الذي ألفه و ليس غريبا عليه و على سمعه .. ألتفت أبو إخلاص و حاول اللحاق بتلك المرأة التي غادرت المسجد و محيطه بسرعة.

كان الحاج عبدالله و في مكانه الذي اعتاده لقراءة القرآن يتذكر ذلك الصوت و يجزم في نفسه أنه ذلك الصوت الذي أحب و تيقن تماما أن هذا الصوت هو صوت فاتنة الجو. . قرأ القرآن ثم غادر المسجد إلى المنزل ظل يدعو أن تعود تلك المرأة مرة أخرى .. لكنه كان يسأل نفسه هل عرفتني فاتنة الجو أم أنها لم تعرف زمليها الذي أعطته ذلك المال ؟ .

بأقل من أسبوع جاءت نفس تلك المرأة و بنفس الطريقة أشارت إليه أن يأتي إليها لتسلمه مبلغا من المال لذات السبب و قبل أن يأخذ المبلغ ناداها باسمها .. لكن الموقف أذهلها و دمر فرائصها .. تسمرت مكانها كيف لهذا الرجل أن عرفها رغم أنها مغطاة بالملابس التقليدية و البرقع .. لكنها لم تتوانى بالسؤال عن اسم الرجل الكبير في السن و الذي لم تتذكر من ملامحه شيء. . فأجابها على الفور أنا مساعد ناظر محطة صنعاء .. تذكرته سريعا و قالت : ما الذي أتى بك إلى هنا ؟

أجاب الحبيب الأولي .. أنها الأيام و القدار التي باعدت بيننا و ناصبتنا العداء و منع عني العطاء و فرق بين الأحبة و جمع بينهم بعد فراق طويل و هو أيضا -أي الزمن- من أوغل في المتاعب فتم الانفصال عن الزوجة و ضاق بي الحال .. و هنا حطيت الرحال لاصلي و استغفر و اكسب قليلا من المال ؟

و سئل الحاج عبدالله و لكن ليس كأسئلة ذلك الزمن الغابر حين كان يسئل .. فقال : و كيف فهو حالك يا فاتنة الجو و الأرض. . فأجبته على الفور .. فقالت : تقاعدت من العمل و استقرت اسرتي و أولادي في الخارج و أنا لاحقة بهم عما قريب .. فاسبل المحبين دموعهما في الوداع الأخير. . و كانت النهاية .


حول الموقع

سام برس