سام برس
أقامت جامعة فان هولند بالتعاون مع النادي الثقافي المندائي في لاهاي المحاضرة الرابعة عشر في سلسلة محاضرات وحدة حضارات العراق للدكتور خزعل الماجدي والتي بدأت منذ منتصف عام 2010 ومازالت مستمرة إلى الآن ، وكان عنوان المحاضرة هو (العرب وأصولهم العراقية وحضاراتهم في وادي الرافدين قبل الإسلام ). استغرقت المحاضرة مايقرب من أربع ساعات وانقسمت إلى ستة أقسام هي (مقدمة عن تاريخ العرب القديم وظهور كلمة عرب لأول مرة ومعناها، عربي شمال وادي الرافدين، عرب وسط وادي الرافدين ، عرب جنوب وادي الرافدين ، عرب الرافدين الماهجرين الى الخليج العربي، عرب الرافدين المهاجرين إلى شمال جزيرة العرب).
1.تناول المحاضرأول ظهور تاريخي لكلمة عرب في معركة قرقر853 ق.م في المدونات الآشورية ، وتطرق الى معنى كلمة عرب في اللغات السومرية والأكدية والعربية ، وتوصل الى انها كانت تعني اولاً (غروب الشمس) ثم (الغرب) أي (غرب الفرات) وكانت تشير الى سكان الصحراء والبدو ، أما معناها العربي فمختلف تماماً .ورأى أن العرب لم يكوّنوا أمة متماسكة إلا بعد ظهور الإسلام ، فقد كانوا قبائل رحّل وتجمعات قبلية ثم بناة مدن وممالك محدودة الانتشار وبعضهم امتهن الفلاحة والتجارة والحرف .وعالج المحاضر مصطلح السامية ومنشؤه وتصنيف اللغات السامية ورأى أن العرب هم أكبر المكونات السامية ، وعرض نظريات أصل الساميين الثمانية ، ورأى أنه يؤيد نظرية أصل الساميين من وادي الرافدين وأنهم هاجروا منه الى ماحوله ، وتحفظ على نظرية أصل الساميين من جزيرة العرب التي شاعت في الفترة السابقة وبين أسباب تبنيه لنظرية الأصل الرافديني للساميين .
أما فيما يخص العرب فقد رأى أن عرب شمال جزيرة العرب والخليج هاجروا من العراق وتحدث عن أصولهم الرافدينية وكيف هاجروا منه .ورأى أن اللغة العربية نشأت من لهجات آرامية وأن الأنباط هم الذين يشكلون الوسيط الحضاري بين الآراميين والعرب فقد كوّنوا المادة الثقافية اللازمة للعرب من لغة وكتابة وديانة قديمة وعادات وتقاليد وعمل.
2.تناول المحاضر أماكن وجود العرب في وادي الرافدين منذ العصر البرونزي وصنّف وجودهم على أساس جغرافي الى12 مناطق أساسية. وبدأ في تناول وجودهم في شمال وادي الرافدين في مايعرف ب(الجزيرة الفراتية) حيث ديار بكر وديار ربيعة وديار مضر .ورأى انهم من العرب العدنانيين في أغلبهم وأنهم سكنوا مدنا كانت آرامية أو آشورية أو بنوا مدناً عربية جديدة كالحضر.
كانت ديار بكر مدينة آشورية أسموها(آميد) ثم أصبحت عاصمة لمملكة بيت زماني الآرامية ثم دخلتها قبائل بكر بن وائل التي جاءت من الموصل وسكنت اقليم آمد الآشوري السرياني وسميت الاقليم ديار بكر وسكنت في : طور عابدين ، حصن كفيا ، آمد، ميافارقين ، سعرت ، حيزان ، حيني.
وكانت ديانتها الأولى من بقايا الديانة الآشورية وسميت باسمهم حتى جاء الاسلام وتعزز وجود العرب فيها ثم أصبحت تدريجياً مدينة للآشوريين المسيحيين واعاد العثمانيون تسميتها بديار بكر لكن الوجود الآشوري السرياني بها انتهى خلال الحرب العالمية الأولى بعد المجازر العثمانية في 1895 ومذابح سيفو التي استهدفت المسيحيين من الآشوريين والسريانوخلت منهم فاستوطنها الأكراد.
3.أما ديار ربيعة فسكنتها قبائل ربيعة بعد انهيار الدولة الآشورية والمملك الآرامية وكان أغلب هذه القبائل من تغلب التي سكنت مدن :جزيرة ابن عمر، دارا، ماردين، نوهدرا، نصيبين، رأس عين، الموصل(مسبيلا) ، بلد ، سنجار، حديثة، الحضر ، بيت وازق. وظهر منها قبل لبلسلام الشاعر عمر بن كلثوم التغلبي الذي ولد في ديار ربيعة. ولعل أهم مملكة عربية ظهرت في ديار ربيعة هي (مملكة الحضر ) التي كانت تسمى (عربايا) و(مملكة الشمس) التي عرفت بهندستها المعمارية المميزة وفنونها النحتية وحرفها ووصلت الى مراحل متقدمة من الرقيّ والتقدم حيث ظهرت فيها حمامات التسخين والفسيفساء والعملات المعدنية والتماثيل وكانت الحضر تصنع وتصدر تماثيل الآلهة إلى قريش ومكة.
الكتابة النبطية آرامية الحروف لاتشبه الكتابة العربية لكن لها نفس التسلسل الأبجدي فقد عثر على لوح حضري مكتوب فيه تسلسل الأبجدية التي هي نفسها الأبجدية العربية (أبجد هوز حطي كلمن سعفص قرشت ) ، وتناول المحاضر مراحل تاريخ مملكة الحضر (التكوين ، السادة، الملوك)ـ وتحدث عن مدينة الحضر المدورة وسكانها ونقودها وديانتها وآلهتها.
4. أما ديار مضر التي يقع أغلبهل في الأراضي السورية فقد شهدت هي الأخرى استيطاناُ عربياُ مبكرا في مدنها وأريافها وهي(الرها ، حران ، سروج المديبر ، البليخ ، تل موزن ، الهني والمري ، الرقة ، الرافقة،سميساط) وكان نموذجها الذي تحدث عنه المحاضر هو مدينة الرها الرافدينية (أسروينا) وخصوصاً تحت حكم السلالة الأبجرية العربية ، وبعد ان تحولت نحو المسيحية ابتكرت من اللغة الآرامية اللهجة السريانية التي أصبحت لغة وكتابة الإنجيل الأولى.كان العرب قبل المسيحية يدينون بديانة آرامية هلنستية أهم آلهتها هما (حدد وأترغاتس) ، وكانت اليهودية قبل المسيحية معروفة في الرها.
5. وفي وسط وادي الرافدين التي كانت الرابط بين ميزوبوتاميا العليا والسفلى حيث شغلتها في القرون الميلادية الأولى القبائل العربية من تغلب وأياد والنمر وبكر في مدن ومقاطعات سامراء وتكريت والأنبار.
كانت سامراء في عصورها النيوليثة القديمة (سومارتو) على شكل مستوطنات فلاحية لكن مدينة سامراء الأولى بناها سنحاريب عام 690ق.م وأسماها سرمراتي أما الكلدانيون فقد اسموها شوميرا وأسماها الاغريق سوما والرومان سوميرا والساسانيون( طيرهان) لكن العرب عندما اعادوا بناءها عادوا الى اسمها القديم وعربوه فأسموها سامراء .وقد سكنتها قبائل عربية مختلفة قبل الاسلام.
6.تكريت مدينة اشورية ايضاً واسمها (برتو تكريتا) وتعني القلعة ويبدو ان اسمها يعني (دجلة ) لان الرومان اسموها (ميوتيا تايكريدس) أي ( قلعة دجلة) وقد سكنتها القبائل الآرامية بعد ذلك وخصوصاً قبيلة (إيتوع) ثم سكنتها قبائل عربية من تغلب وإياد والنمر والتي اصبحت ديانتها مسيحة فكانت تكريت من اكبر وأهم المدن المسيحية في وادي الرافدين والعامرة بالكنائس والأديرة .
7. الأنبار وهي مدينة أسسها عرب العراق وأغلبهم من قبائل بكر بن وائل العدنانية على ضفة الفرات جنوب نهر عيسى أو قناة الصقلاوية التي تربط نهر عيسى بدجلة.الانبار جاءت من اللغة الآرامية ( نبر) أي ارتفع ويمكن ان يكون مرده ارتفاع أرضها، قام الامبراطور جوليان بتدميرها في 363 م
أصبحت ملجأ للعرب المسيحيين واليهود وقد ضمت مركزاً يهوديا بابلياً اسمه (نهارديا) الذي يقع اليوم عند مدينة الفلوجة.ومركزاً بابلياً يهودباً آخر هو (بومبديثا)..وفي عام 588 أعيد يناؤها من قبل المناذرة وأسموها بالأنبار لانها عنبار (مخازن) فقد كانت مخازن للشعير والحنطة والتبن.
أصبحت هاشمية الأنبار مقر خلفاء العباسيين الأوائل في حدود 750 م قبلها كانت الكوفة وبعدها بغداد.
8. وبالإنتقال الى عرب جنوب وادي الرافدين نقلنا الدكتور الماجدي الى عالم مختلف فقد تناول بعرض مسهب الأماكن والمدن التي أسسها عرب الجنوب وهم عرب الأهوار والنبط وعرب الحيرة.
يسمى اليوم عرب الأهوار بالمعدان ولكن هذا الإسم هو اسم أكدي قديم (مدنحو) الذي يعني (الشرق) ويلفظ بالآرامية المندائية (مادنا) وقد عربت هذه الكلمة وأصبحت (معدان ) وتعني (الساكنون شرقاً) ، لكن المعدان وبحسب دراسة جينية حديثة يضمون أقواماً عراقية قديمة من السومريين والكلدانيين والآراميين غيرهم ومن العرب الذين امتهنوا زراعة البردي وتربية الجاموس وتكونت لهم بيئة ثقافية وحضارية خاصة بهم على مدى الزمن فهم خليط من أقوام عراقية قديمة ومن عرب العراق ، وأوضح المحاضر أن الأهوار لم تكن قديمة جداّ كما هو شائع فقد ظهرت فيها عشرات المواقع السومرية القديمة من الإيشانات (وهي تلال صغيرة ) والتي تشير الى سكن أرضيّ في مواقعها حيث استغلت اماكن واسعة منها للزراعة و ظهرت الأهوار نتيجة تحطم نظم الأرواء القديمة الرافينية، بعد اهمال الفرس لها ، في حدود القرنين السادس والسابع الميلاديين . وتحدث المحاضر بإسهاب عن ست نظريات تفسر أصل المعدان.
9.أما الأنباط الذين لم يعتبرهم المحاضر عرباً فهم كما قال(الحلقة التي ربطت الآراميين بالعرب) وهذا يعني أنهم كانوا من الآراميين الذين امتهنوا الزراعة في وادي الرافدين وهم أصل نبط الصحراء الذين هاجروا من العراق الى وادي الأردن والجزيرة العربية وكونوا هناك ممالك ومدنا مثل (البتراء ، الحجر) بينما في العراق كوّنوا (ميسان وكوثى) ، كان الأنباط مصدر الحروف العربية فقد كتبت الحيرة ثم قريش بالحروف النبطية وطورتها فظهرت الحروف العربية المعروفة.وكانت الخطوط المتداولة في فجر الاسلام هي ( الحيري،الأنباري، المدني، الكوفي، البصري) وكلها حروف مصدرها نبط وادي الرافدين.
وفي حديثه عن مملكة ميشان أوضح المحاضر أن نواة مبشان لكمن في المدينة التي أسسها الإسكندر المقدوني أولاً وأسماها (الإسكندرية على دجلة) والتي سكنها النبط والعرب والمندائيين والإغريق، أما ميسان فقد كانت عاصمة مملكة خاركاس (الكرخة) اسسها الملك اسباوينو عام 127 ق . م وامتدت هذه المملكة شمالا حتى جنوب بابل في وسط العراق وعيلام جنوبا وكانت الأحواز تسمى دست ميسان .
أما(كوثى) فقد كانت من المدن الاثرية في منطقة أكد السامية وتعرف أطلالها اليوم (تل إبراهيم) تقع على بعد خمسين كيلو متر شمال شرق مدينة الحلة قرب (جبله)، وتعرف كوثى بالبابليه (كوتم) ويمر عندها مجرى النهر القديم المسمى (نهر كوثى)، واشتهرت كوثى بكونها مركز عبادة الاله (نرجال) إله العالم الأسفل ، ويعتقد أنها المدينة التي عاش فيها ابراهيم الخليل ، وقد كانت مدينة آرامية نبطية قبل مجيئ العرب وهي المدينة التي سكنتها قبيلة قريش قبل أن تهاجر الى مكة في الجزيرة العربية.
10. الحيرة ودولة المناذرة العربية في وادي الرافدين : تقع الحيرة ثلاثة أميال جنوب الكوفة قرب ما يعرف بـ(بحيرة النجف)، وكانت تسمى (الحيرة البيضاء) بسبب كثرة العمران فيها من بيوت وقصور مثل (الخورنق والسدير) وسميت ايضاً (الحيرة الروحاء) بسبب طيب مناخها وجمال طبيعتها.أصل كلمة الحيرة سرياني (حارتا Harta) التي تعني (المخيم أو المعسكر) وهذا يشير إلى أ نها كانت معسكراً في بداية نشوئها، كانت قبلها في نفس المكان مملكة ( بيت عديني) الآرامية التي خلفتها الحيرة العربية . أما مؤسسوها العرب فهم (مالك وعمرو بن فهم التنوخي، جذيمة الوضاح الأبرش ، عمرو بن عدي). وقد سكنتها قبائل العرب من (اللخميين، تنوخ، عباد ، الأحلاف ، النبط ، اللحيانببن ). وأوضح المحاضر الدور الكبير الذي لعبته الحيرة قبل مكة في تأسيس الأدب العربي فقد كانت هي عاصمة (الشعر الجاهلي) حيث كان يحج لها كل شعراء الجاهلية ويتسابقون فيها للقراءة أمام ملوكها . فضلاً عن كون الحيرة مصدر الكتابة والخط العربي . وكان من أشهر شعلرائها هم (عديّ بن زيد العبادي، المنخّل اليشكري) وفيها نشأت أغراض الشعر العربي وفيها توسعت أوزان الشعر العربي بعددها الوفير المعروف.
11. بصرياثا والأبلّة والمربد : سميت البصرة باللغة الآرامية ( بصرياثا او بصريافا ومعناها منطقة الصرايف ، وهناك تأسست مع الآراميين ، أما كلمة الابلّة فاصلها بابلية من (أبلو ) التي تعني البوابة الكبيرة بفعل كونها بوابة العراق على البحر. ويقول ابن بطوطة : كانت الأبُلة مدينة عظيمة يقصدها تجار الهند ، وفارس فخربت وهي الان قرية بها اثار وقصور وغيرها دالة على عظمها .
وكان المربد أحد اسواق العرب ومكان لقاءاتهم الشعرية قبل الاسلام.
12. عرب الخليج : أقدم اسم معروف للخليج هو ( البحر الأسفل ) و( بحر أرض الآلهة) و ( بحر الشروق الكبير) وسماه الآشوريون (البحر المرّ) وسماه البابليون (بحر الكلدان) والرومان (الخليج العربي) والفرس والأغريق (الخليج الفارسي) ،أما العرب فأسموه( خليج البحرين) ثم استقر اسمه على (الخليج العربي) . وقد ظهرت في سواحل وجزر الخليج العربي ممالك ومدن رافدينية ظلت ضمن دول وامبراطوريات وادي الرافدين مثل (دلمون / تاروت ، باربار، نارتو، بات ، مجان ) ثم ظهرت فيها ممالك عربية شغلتها أقوام عربية وآرامية ونبطية وهي ( أوال، أغروم ، جرعاء , مملكة هرمز العربية ، نزوى ) والتي واصلت امتدادها الحضاري في الخليج العربي وظلت مرتبطة حضارياً بوادي الرافدين .
13. عرب الشمال : وهم العرب الذين خرجوا من وادي الرافدين ليكونوا دولاً وممالك عربية في شمال جزيرة العرب وكان أغلبهم من مايعرف بالعرب المستعربة أو العدنانيين وهم :
1.أدوماتو (دومة الجندل) وفيها (قيدار و كندة)
2.حجر (مدائن صالح) وفيها ( اللحيانية والصفاوية و الثمودية )
3.الحسائية (الإحسائية).
4. تيماء.
وتحدث مفصلاً عن هذه الممالك والشعوب التي كانت لها آثارها ونقوشها وتراثها الروحي والديني وتحدث عن ذكرها في المصادر المسمارية واليونانية والرومانية والعربية .

وهكذا غطت محاضرة الدكتور خزعل الماجدي تاريخ وجغرافيا العرب العراقيين الذين كانوا عنصرا من عناصر الحضارات الرافدينية قبل ظهور الإسلام عبر أكثر من 180 سلايد ضوئي مبينة بالصور والحداول والنقوش والتوضيحات والخرائط التي عمقت فهم المحاضرة على مدى أربع ساعات متواصلة ، ثم قام الجمهور بمناقشة المحاضر من خلال أسئلتهم وتوضيحاتهم التي أغنت الأمسية وزادتها تفاعلاً وبهاءً ،وبذلك يكون الدكتور الماجدي قد أنهى مرحلة التاريخ والحضارات القديمة للعراق وستكون المحاضرة القادمة عن أول مراحل التاريخ الوسيط حيث الحضارة العربية الإسلامية في العراق ، وستكون المحاضرة في شهر أيلول عن ( العباسيون : بغداد وارثة الحضارات العراقية القديمة).

حول الموقع

سام برس