بقلم / د. يحي أبوزكريّا
يلجأ الكثير من العرب والمسلمين إلى الزواج من فتيات سويديّات أو غربيّات للحصول على الإقامة الدائمة وتأكيد البقاء في الغرب والحصول بعد ذلك على الامتيازات الاجتماعية التي توفّرها المؤسسات السويدية والغربيّة للمواطنين والمقيمين بطريقة شرعيّة , وقد حدث أنّ طلقّ بعض العرب والمسلمين زوجاتهم وأرتبطوا بغربيات بعد أن أغراهم الجمال السويدي أو الغربي وكانت النتائج فظيعة فيما بعد .

وتحت السقف الواحد تبدأ التناقضات تتصادم , والخلفيات الثقافية والاجتماعيّة تتضارب وقد تفضي في أغلب الأحيان الى الطلاق , وعندها قد تطلب المرأة السويدية أو الغربيّة من دوائر الهجرة طرد هذا الأجنبي الذي اتخذّ من الزواج مطيّة للحصول على الإقامة . وفي حال استمرار الزواج وتواصله فانّ الإحصاءات أكدّت أنّ معظم أولاد المرأة الغربيّة ينشأون وهم لا يتقنون اللغة العربية أو اللغة الفارسية أو التركيّة – لغات الأباء - , كما أنّ المسلكيّة الأخلاقيّة والاجتماعيّة والثقافية للأبناء تكون غربيّة خالصة , فربّ فتاة من أب فلسطيني وأمّ سويدية تعيش كما تعيش أي فتاة سويدية ترتبط بأي عشيق وتتصرّف بحرية مطلقة بدون قيود , ولا يملك الأب أي سلطة على أبنته ويكفي اتصّال هاتفي واحد بالدوائر الاجتماعيّة ليصبح الأب مطرودا من البيت , وإذا كان الآباء المسلمون لا يملكون توجيه بناتهم أو أولادهم من أمهّات عربيّات ومسلمات فما بال القارئ بالأولاد من أمهّات سويديات أو غربيّات .

وبعض الزيجات التي صمدت إلى حدّ ما هي زواج بعض العرب من سويديّات مسلمات واللائي إعتنقنّ الإسلام , ومع ذلك تنشب بعض الخلافات خصوصا وأنّ السويدية المسلمة على سبيل المثال تحتفظ في لا شعورها بثقافتها الخاصة , والعربي أو المسلم قد تصدر منه بعض التصرفات التي لا تنسجم مع روح الحضارة العربيّة والإسلاميّة . و في مجال الزواج المختلط فانّ الذي يدفع الضريبة بشكل كبير هم الأولاد الذين يتأرجحون بين ثقافتين متغايرتين , وبين مسلكيتين في الحياة لا يلتقيان .

وعلى سبيل المثال فانّ الأطفال المتبنين الصغار الذين استقدمتهم عوائل سويديّة متمكنّة ماديّا من سريلانكا والفيتنام والبلدان الفقيرة , ورغم أنّهم تربوا في كنف ثقافة سويديّة خالصة إلاّ أنّ هؤلاء الأطفال وبعد أن كبروا باتوا يتساءلون عن هويتهم وثقافتهم وجذورهم وحقيقة الحضارة التي ينتمون إليها , فما بالك بأطفال تتولّى توجيههم ثقافتان , منهجان في الحيّاة . وحسب معلومات دقيقة تبينّ أنّ المنهج الذي يؤثّر على الأبناء أكثر من غيره هو منهج الأم , باعتبار أنّ ثقافة الأم لها مستند في الواقع السويدي أو الغربي , و يلعب الأقرباء والأهل دورا كبيرا في تعميق الانتماء الفكري للمجتمع الغربي , فيما الأب يكون غريبا ويقضي معظم أوقاته في العمل , بينما الأطفال يعيشون تفاصيل الواقع والثقافة السويدية والغربية في المدرسة والبيت وبقيّة الأمكنة , وقد تسنى لي أن أشاهد وألتقي بأطفال لا تربطهم بالحضارة العربيّة والإسلامية غير الاسم فيما مضامينهم ومسلكيتهم وثقافتهم سويدية وغربية قحّة .

وغالبا ما ينتهي الزواج المختلط بالطلاق وها هنا يتعلق الأبناء بوطن أمهم باعتبار أنّهم لا يعرفون شيئا عن وطن أبيهم , لأنّ هذا الأب العربي والمسلم حدثّ بنيه عن وطن ديكتاتور , عن وطن فوضوي , عن وطن سجّان , عن وطن بوليسي , باعتبار أنّ العديد من الأباء العرب والمسلمين إنّما هاجروا إلى الغرب لدوافع سياسية أو اقتصادية وكل ناقم على وضعه العربي والإسلامي , وفي الوقت الذي يتحدث فيه الأب عن وطن مرعب , فانّهم يرون بأم أعينهم وطنا يوفّر لهم الأمن والطمأنينة والسلام , ويوفّر لهم راتبا من الصغر يتيح لهم شراء حاجياتهم . وفي هذا المجال يصبح الوطن الحقيقي لهؤلاء الأبناء هو السويد وبقيّة العواصم الغربية , فيما يعيش الأب على أمل الرجوع الى وطنه لصقل شخصية أولاده , لكن الزمن يغالبه فيجد أمامه أبناء من صلبه بيولوجيّا , وثقافيّا من صلب الحضارة الغربية.

وحتى إذا حاول هذا الأب العربي والمسلم أن يهرب بأبنائه إلى العالم العربي والإسلامي فانّ العواصم الغربيّة وضعت من القوانين ما به تسترجع حتى القطّة الغربية المهربّة إلى العالم العربي والإسلامي وخصوصا في ظلّ الضعف الرسمي العربي , وغيّاب مؤسسّات عربية وإسلاميّة جادة تحصّن الأسرة العربية والإسلاميّة في الغرب

ن صفحة الكاتب بالفيسبوك

حول الموقع

سام برس