بقلم/ جميل مفرح

منذ وعيت وأدركت نفسي موجوداً أو بالأصح ((نائباً)) لموجود، وأنا كائن تلازمه صفة ((النيابة)) وبطريقة غريبة وكأنها قدر من الأقدار.. وبما قد يصل حداً يمكن وصفه بالعقدة أو العمدية..!!

ويمتد ذلك، حسبما أتذكر، إلى سن العاشرة حين كان أبي "أطال الله في عمره ومنحه الصحة والسلامة" يقول لي : أنت ((نائبي)) في العمل والمنزل وقيادة السيارة ورعاية أشقائك، وذلك باعتباري الابن الأكبر له.. فكنت أتحمل لذلك التكليف مهاماً عسيرة، قفزت بي من عهد الطفولة اللذيذ إلى مستوى المسئولية الصعب، وبشكل سلب مني الكثير من الأشياء الجميلة التي، كنت وما أزال حتى اللحظة، في أمس الحاجة إليها..

المهم.. مااااااا علينا.. فقط وددت أن أمهد للانطلاق في سيرةٍ لا أدري إن كانت طريفةً رتبتها الصدف أم قدريةً اختارتها العمدية المشاكسة وربما الجلفة..!!

عموماً تواصلاً لذلك الإيذان بالانطلاقة ((النائبية)) يقوم الأستاذ السوداني عمر رائد الصف الثاني الإعدادي (الثامن الآن) ثم الثالث الإعدادي (التاسع الآن) في المدرسة باختياري ((نائباً)) لرئيس الصف في المستويين..

ثم تباغتني بعد ذلك وبشكل مطلق العفوية مرحلة الازدواج النائبي.. فأكون ((نائباً)) لرئيس الصف الثاني الثانوي في ثانوية الفاروق، وفي نفس الوقت ((نائباً)) لقائد الأنشطة الطلابية في المدرسة، وهو ما دفع زملائي وأصدقائي حينها لأن يطلقوا علي لقب ((النائبان))..

وفي الصف الثالث الثانوي في نفس المدرسة اعتقدت أنني تجاوزت ((النائبية)) حين قفزت إلى رئيس صف.. ولكن لم يدم ذلك طويلاً فقد ظلت بركة ((النائب)) ملازمة لي وذلك بتكرار اختياري نائباً لقائد الأنشطة تواصلاً للعام السابق..

بعد الثانوية أيضاً تتلقفني ((النائبية)) وكأنها تأبي فراقي وتركي في حالي ليتم تعييني في أحد المواسم الانتخابية ((نائباً)) لرئيس إحدى لجان القيد والتسجيل.

في الجامعة انخرطت في حزب سياسي وفي السنة الأولى تم ترشيحي تنظيمياً فكان من نصيبي في البداية موقع مقرر ثم تم اختياري ((نائباً)) لرئيس الفرع الطلابي..

في اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين انتخبت وفزت مرتين، الأولى مسئولاً ثقافياً والثانية ((نائباً)) للزميل والصديق العزيز الأستاذ محمد القعود رئيس فرع الاتحاد بصنعاء.. وما نزال معاً في ذلك حتى اللحظة.

وخلال ذلك أتذكر أنه في أحد مؤتمرات اتحاد الأدباء تم إصدار صحيفة يومية مزامنة للمؤتمر كان يرأس تحريرها الزميل محمد القعود أيضاً وكنت أنا ((نائباً)) له..

في المخيمات الشبابية الصيفية للعامين 2003م و2005م تم اختياري ((نائباً)) لرئيس اللجان التحكيمية في المجالات الإبداعية والأدبية - رئيساً للجنة النصوص الشعرية.

*كما تعينت ضمن لجان التحكيم لجوائز رئيس الجمهورية للشباب المبدعين.. وذلك ((نائباً)) للشاعر والكاتب المسرحي الكبير الأستاذ محمد الشرفي رحمه الله رئيس لجنة التحكيم في مجال النص المسرحي.. ثم صرت رئيساً للجنة فيما بعد..

فيما يخص المهنة والعمل الصحفي أيضاً واستمراراً لهذه الأقدار ((النائبية)) المبتكرة، اُبتكر لي خصيصاً، وللمرة الأولى، منصب ((نائب)) المشرف الثقافي بصحيفة الثورة وأُصدر لي قرار تعيين فيه، ثم عُينت بعدها ((نائبا)) لمدير الإدارة الثقافية، ثم مديراً لها، ثم ((نائباً)) لمدير التحرير.. وكان آخر ترشيح لي ((نائباً)) لرئيس التحرير..

الجديد اليوم ها أنا أتمركز في خانتي المفضلة كنائب، وأتقبل ترشيحي من قبل زملاء أعزاء لأكون ((نائباً)) لرئيس التحرير في عمل صحفي خاص يتم الإعلان عنه قريباً..

ثم بعد ذلك وأخيراً تم إبلاغي قبل أيام قليلة بأنه تم اختياري ((نائباً)) لرئيس لجنة تقييم وفحص النصوص في مسابقة إعلامية عربية ناشئة.

وربما لن يصدقني أحد أو قد يسخر مني البعض حين أقول أن لدي شعوراً كبيراً جداً يقترب كثيراً من حالات التأكد واليقين بأنه ما يزال ثمة المزيد من ((النائبية)) في قادم الأيام.. لا أدري ما إذا كان منبع ذلك الشعور يعود للتعود والتعايش أو للإحساس أو التعامل مع هذه الصفة وكأنها مهنة أو حرفة أكثر من كونها منصباً أو مركزاً أو رتبة..!!

وللحقيقة أود الإيضاح أن هذا ليس شكلاً من أشكال الشكوى والامتعاض، ولم يحدث أن تذمرت من هذه الحالة أو اللازمة أو رفضتها.. ولم أحتل أو أوضع مرة في هذا المكان من أجل التهرب مثلاً أو أدعي أبداً الاستهداف أو شكلاً من أشكال الإقصاء والتجميد، ففي كل حالة من الحالات المذكورة كنت أمارس مهامي وأعمالي بشكل طبيعي.. ولم يحدث أن بقيت بدون نشاط أو مهام في هذا المكان أو المركز..

أخيراً.. حول كل هذا الرحيل الزمني والمتغير وطوال كل هذا ((التنئيب)) لم تكد تفارقني مقولتي المعتادة: "نائب دائم ولا رئيس منقطع".. مع عدم علمي ما إذا كان دوام استجلاب واستسراع تلك المقولة مناسباً أم غير مناسب.

سلمتم جميعاً ودمتم كلاً.. وأتمنى أن يجنبنا الله وإياكم النوائب والمصائب.. و.....، تحياتي.

* تنويه:

"كل التفاصيل الواردة في هذا المنشور حقيقية ودقيقة.. لا مبالغة فيها ولا اختلاق أو ابتكار إطلاقاً.. ومعظمها مؤكد بوثائق ورسائل وقرارات"

حول الموقع

سام برس