بقلم/عبدالحليم سيف
في هذه اللحظة المنهارة، وبلدان العالم تدخل أطوار انحدراتها ..وتجلى براهن الانحطاط الهمجي والطائفي والعنصري ، وانقسامها القاري والإقليمي، وتشظيها الداخلي..، أفتتح اليوم في نيويورك أعمال الدورة (74) للجمعية العامة للأمم المتحدة ، ورفع الستار ليرى العالم ويسمع ما يقوله رؤوساء دول وحكومات (193) أعضاء في المنظمة الدولية، وهم يقدمون رؤيتهم وتصوراتهم - إن كانوا يملكونها أصلا ً -لسبل إنقاذ البشرية من عذابات الحروب والكوارث والمصائب والأزمات .

في الإطار السابق، ثمة قضايا دولية وإقليمية..المعقدة منها والمتشابكة ، تهيمن على أعمال الدورة السنوية، منها قضايا : المناخ - بعد أن تحول من الاحتباس الحراري إلى أزمة إحترار عالمي - والصحة والتنمية المستدامة، وما يتعلق بالسلم والأمن الدوليين، وإدارة الصراعات الدولية، وما يسمى بمكافحة "الإرهاب" والتطرف.
إلى موضوعات ساخنة لها أولوية في النقاش العام أو المداولات الجانبية..مثل الملف الإيراني ..والتوترات في منطقة الخليج العربي، وقضايا التجارة الدولية وتطورات الحرب التجارية بين بكين وواشنطن، فضلا عن ملف الخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي"بريكست" ، والخلاف المتصاعد بين الهند وباكستان على إقليم كشمير..، وفق الموقع الرسمي للأمم المتحدة.

على ذلكم النحو..يلتف المشاركون حول تلك الموضوعات ، كما اجتمع غيرهم هكذا من عام إلى عام ، ولا يكاد محصول سنة يختلف عن غيره من السنوات.. منذ قيام المنظمة العتيدة في 1945م.

الجمعية العامة للأمم المتحدة، "منبر" خطابي لا يخلو من منفعة ، فيه يعبر المظلومون عن قضاياهم وهمومهم وأحلامهم مواطنيهم في الحرية والعيش الكريم ، وفي ذات الوقت مناسبة لينكشف الظالم والباغي والمستبد بكل صلفه وغطرسته وعنصريته .

في هذا السياق، استهلت الجلسة الافتتاحية للدورة، بكلمة تقريرية طويلة للأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيرش..حملت لغة أدبية فخمة، ونبرة حزينة واضحة، طاف بالحضور والمتابعين حول الكرة الأرضية المتخمة بالمصائب والأزمات والكوراث..السابحة بدماء ودموع الملايين من الشعوب المفتقدة للسلام والمودة والإخاء الإنساني، بسبب فشل المنظمة ومجلس أمنها في إنهاء الصراعات والحروب ..، والعمل على إشاعة قيم السلام والأمن الدوليين،..مما جعل غوتيرش يذكر أقطاب الدورة ( 74) بميثاق الأمم المتحدة الذي نساه الأعضاء .. بقوله : " رسالة الأمم المتحدة لنا جميعا رسالة واضحة.. الناس في المقام الأول..كلمة استهلاليه نحو الشعوب ..نحن مدعون إلى اعتمادها، كبوصلة لنا في أعمالنا في كل يوم وفي كل مكان...الناس من حقها أن تعيش بحرية وكرامة..، وتتمتع بحقوقها غير المنقوصة، كما كفلتها لهم الشرائع والمواثيق الدولية، وفي مقدمتها حقوق الإنسان..".

وفي جزء آخر من كلمته ..يعيد غوتيرش الحديث عن أهمية الأمم المتحدة، التي كان هدف قيامها تجنيب البشرية ويلات الحروب وشرورها..وخدمة الأسرة الدولية دون انتقاء..في هذا الشأن يوجه الرجل سؤاله الصعب:" تعرفون الناس يؤمنون بالأمم المتحدة ..فهل يثقون بنا كقادة في تحقيق أحلامهم وامانيهم..!؟".

سؤال الأمين العام هذا ..يحمل الإجابة أيضا ..فشعوب العالم لم تعد تنظر بإيجابية للأمم المتحدة، لأنها فاقدة للمصداقية ..وعلى وجه الخصوص نزعت- الشعوب- ثقتها بمجلس الأمن الدولي، الذي صار يخدم مصلحة الدول الخمس الدائمة فيه ..ويتلاعب بقضايا الأمم .. وسيادة بلدانها واستقلالها....بل فشل- المجلس- في تنفيذ قراراته التي أصدرها بدءا من قضية فلسطين والشرق الاوسط ..إلى أفغانستان مروراً بالعراق وسوريا وليبيا وصولا إلى اليمن...، فقد تحولت "دول الفيتو"، إلى جهاز تدميري، يفاقم النزاعات ويؤجج الصراعات ويشعل الحروب، يتدخل في تعيين أعضاء اللجان الخاصة بالأمم المتحدة..، لا بل ويؤثر على تقاريرها قبل تقديمها اليه، فكل "عضو" يريد أن يتضمن التقرير و"جهة نظره" التي تصب في غلاله..!!

ويحفل أرشيف مجلس الأمن الدولي، بالكثير من الأفعال الخارجة عن روح ميثاق الامم المتحدة .. فكم من مرة تمردت دولة ذات "العضو الدائم" على الشرعية الدولية ومجلس الأمن نفسه... فذهبت لغزو دولة عضوة في المنظمة...أو فرضت على المجلس قرارا يقضي بالتدخل في شؤون بلد آخر ..ولنا سابقة معروفة في : العراق وصربيا وأفغانستان وهايتي وفنزويلا ونيكاراجوا وليبيا.. والقائمة طويلة.

من هنا يتبين أن "دول الفيتو" هي أُس البلاء ..فما من أزمة سياسية داخلية الا وحولتها إلى حرب أهلية أو إقليمية، وما من قضية إلا واصابعها موجودة في إذكاء النزعة الجهوية والمناطقية والعرقية داخل المجتمعات تارة بحماية" الاقليات " وأخرى لمكافحة" الإرهاب" (!?) .

على أن أخطر ما ورد على لسان غوتيرش، قوله : " نحن نعيش اليوم في عالم سماته القلق والاضطراب"..، والافدح من ذلك " أننا نشهد نجاحات يحققها الخوف، وهذا ما يؤكده إنتشار خطاب الكراهية بصورة مرعبة في طول وعرض العالم."(!).

ومما قاله غوتيرش في هذا الصدد حقيقة ساطعة لا يمكن تجاهلها..، فجذور الكراهية تعود إلى مرحلة الإستعمار الأوروبي لبلدان آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية ، وتنامت بعد استقلال الدول، بفعل نهج وسياسة الأنظمة الاستبدادية والديكتاتورية، فقد ساد شعور فئات متعددة من المجتمع بالقمع والاضطهاد وغياب العدالة والمساواة ، والحرية وحقوق المواطنة، واستئثار مجموعة من "مراكز القوة" بالسلطة والثروة ، ومارست التهميش والإقصاء للآخر..ونهبت المال العام ، فضلا عن التعصب الديني..حيث يشتد صراع الكراهية بين الديانات..بين الإسلام واليهودية والمسيحية والكاثوليكية مع البروتستانت.. والسيخ مع الهندوس...الخ..علاوة على هذا تزياد "العنصرية" في كثير من الدول ..بمافي ذلك الغربية المتحضرة .. "فظاهرة إغلاق دول لحدودها ..وإغلاق موطني البلدان لأنفسهم أمام طالبي الهجرة.." واحدة من القضايا التي تؤرق حلم الإنسان في التعايش والتعدد والقبول بالآخر ، دون التفاتة إلى لونه ولغته وديانته وجنسيته ومعتقده وملبسه..!!

وللحديث عودة

2019/9/24

حول الموقع

سام برس