بقلم/ احمد الشاوش
من عجائب الدنيا السبع ان سفراء العالم نجوم مضيئة في تمثيل بلدانهم وشعوبهم وتعزيز علاقاتهم بالاخرين ، بينما الاعجوبة الثامنة تتمثل في سفراء اليمن والجيوش الجرارة من الدبلوماسيين والسياسيين والمستشارين والعسكريين والاعلاميين والمثقفين الذين تحولوا الى سماسرة ومكاتب خدمات واستشارات وصرافين في السوق السوداء ، وتبييض الاموال من خلال شراء الشقق وبناء الفلل والابراج والشاليهات والاسواق التجارية والمطاعم بالاموال المنهوبة من خزينة الدولة والمساعدات الدولية.

ومن المضحك ان السفير الفلاني أصبح لديه حرس عائلي وقنصل عائلي وملحق عائلي ومستشار عائلي ومخبر عائلي وسائق عائلي وأحزاب عائلية تعين أطفالها هنا وهناك محولين السفارات الى ملكيات خاصة في زمن الفوضى السياسية وتجار الحروب.

ومن المخجل ان سمعة سفاراتنا في الخارج صارت على كل لسان والتاريخ حافل بالفضائح ، فالسفير الفلاني يهوى الليالي الحمراء وثاني البزنس وثالث العمالة ورابع المزايدة وخامس مضربة، بينما لازال القليل منهم جديرون بالاحترام في اداء وظائفهم الدبلوماسية والقانونية والاخلاقية والانسانية وتعزيز علاقات اليمن بالدول الاخرى.

هذا الانفلات الدبلوماسي والسكوت المخزي لم يكن وليد اليوم ، وانما هو امتداد لسنوات سابقة ، ولكنه اليوم يسير بوتيره عالية وارادة سياسية وايدلوجية منظمة من رأس الدولة للقضاء على ماتبقى من الدولة اليمنية الذي يحكمها "الرجل المريض" من داخل جناح في الرياض .

والحقيقة الناصعة ان السفراء والبعاثات الدبلوماسية أصبحت اليوم جزء رئيس في منظومة الفساد تُشكل خطراً وعبئ ثقيل على المواطن والمغترب والمبتعث والمريض والسائح والمشرد واحراجاً للدول الاخرى في زمن الدولة الهشة والرئيس الميت والحكومة المشردة والشرعية المتهالكة التي أغرقت سفاراتنا بالمتردية والنطيحة والمنخنقة وما أكل السبع.

والملفت للنظر ان السواد الاعظم من دبلوماسيي السوق السوداء تخلوا عن مسؤولياتهم القانونية والوطنية وحولوا الجواز اليمني الى سلعة رخيصة والمواطن اليمني بلا هوية والسفارات اليمنية الى دكاكين سياسية وصفقات تجارية ومراقص ثقافية ومراكز صحية لاصطياد العيانين والسواح والمغتربين وكأن سفاراتنا تشتغل بطاقة فيفي عبده في شارع الهرم أو حي الباطنية" في مصر ورمثا الاردن وحمراء لبنان ومافيا اسطنبول وبطحاء السعودية وهايدبارك لندن وملاهي باريس.

ورغم الفساد والافساد والافراط في المناطقية والفرز الطائفي والتبعية للدول الاقليمة والدولية لم تقم الشرعية بمسؤولياتها الوطنية في وقف قرارات التعيين ومحاسبة الفاسدين واجتثاث الفساد المالي والاداري والسياسي والدبلوماسي وتوفير الجواز لليمنيين في كل مدينة أو حتى صرف مرتبات الدبلوماسيين مايثير أكثر من علامة تعجب واستفهام.

والحليم يعلم ان سفراء اليمن وطواقمهم الدبلوماسية تحولوا الى مقاولين ولصوص للمنح والمساعدات ، وان السفارات اليمنية أصبحت مجرد دكاكين للمعلبات السياسية الفاسدة والاحزاب الكرتونية المتهالكة والبطالة المقنعة التي أنتهى مفعولها في الملحقيات والقنصليات التي لاتعكس طبيعة العمل الدبلوماسي ولاتقوم بمسؤولياتها تجاه مشاكل اليمنيين في المهجر ، بينما سفراء العالم يمثلون بلدانهم خير تمثيل.

والمؤسف حقاً ان الكثير من الدبلوماسيين في القاهرة والاردن وتركيا ولبنان ولندن وباريس وواشنطن وغيرها تحولوا الى سماسرة وأشبه بشركات مقاولة للمشاريع المشبوهة ومجرد موظفي استعلامات للدول الخليجية والاوروبية والفنادق والمستشفيات والشقق والشاليهات ودور السينماء وحفلات شارع الهرم لاصطياد أول زائر أوقبيلي مغفل ومريض في الرمق الاخير أوسياسي وشيخ وقيادي هارب لذع قرشين خلال الازمة او رجل شريف فر من الموت ومشانق القوى السياسية المتصارعة والدول المتناطحة.

والمخجل حقاً ان هذه الظواهر المشينة التي شوهت بسمعة سفاراتنا والدولة اليمنية ليست وليدة اليوم ، بل هي نتاج عشرات من السنين وفوضى مراكز القوى السياسية في الداخل التي لاتؤمن بالمعايير والشروط الموضوعية للوظيفة العامة ، وانما بالقبيلة والولاء والمصاهرة والتبعية والضغوط الخارجية لتعيين بعض الجهلاء والعملاء ، ماحول السفارات الى وكر للفوضى والسمسرة والرذيلة وتوهان المواطن اليمني الذي يبحث عن حق من حقوقه او الحصول على خدمة والدفاع عنه في أي مشكلة طارئة أو نكبة يتعرض لها.

لذلك كم نحن بحاجة الى ثورة دبلوماسية وثقافية وعلمية واخلاقية تؤسس لاعادة بناء الدولة اليمنية الحديثة التي صارت مجرد حلم بعد ان تآمر عليها الاباء والابناء والجيران ، للتخلص من ركام التخلف والفوضى والدمار ووقف نزيف الدم اليمني الطاهر .

كم نحن بحاجة الى الدولة الرشيدة والرجل القدوة وقيم التسامح والتعايش والسلام واعادة الثقة والسمعة لذاتنا وهويتنا اليمنية بعد ان تحول الكثير منا الى قاتل ومأجور وعميل ومرتزق ومنافق وكاذب وانتهازي وضال وامعه يرتدي جلباب السياسي وقناع الدبلوماسي وعمامة المفتي وبدلة المثقف وقلم الاعلامي وبندقية الوطني

shawish22@gmail.com

حول الموقع

سام برس