بقلم/ احمد الشاوش
كشفت لنا الاحداث السياسية الاخيرة في اليمن وعدد من الدول العربية الكثير من الفضائح وعرت السواد الاعظم من الشخصيات السياسية والحزبية والدينية والفكرية والعسكرية المفلسة ، وأثبتت بالدليل القاطع ان الخلل الكبير في الشخصية اليمنية المتراكم عبر التاريخ يتمثل في القدوة المزيف المتشبع بثقافة الجهل وان تلك الممارسات المشينة دفعت المتحولين فكراً الى الانحراف ، بينما رواد العقل والابداع والحكمة وبناة الحضارة اليمنية خارج اطار الاحداث وعواصف الخيانة وتجار الحروب.

وكلما تحدث المتلونين عن الوطنية أثبتوا انهم خونه حتى النخاع وكلما تحدثوا عن العروبة اساؤا اليها وكلما تشدقوا بالقومية واليسار واليمين والاسلام السياسي أكدوا انهم أكثر افلاساً وانتهازية وتضليلاً للشعوب ، والدليل السقوط المريع للناصريين والاشتراكيين والاصلاحيين والمؤتمريين الذين أرتموا في احضان الرجعية المحلية والاقليمة والدولية وتواصل مسلسل المزايدة على مدار الساعة بالقيم والتصريحات الاستهلاكية.

مازلنا وسنظل نعاني من ملوك وامراء ورؤساء مصابون بانفصام الشخصية ، وأضعف من خيوط العنكبوت ، وقيادات وأنظمة مضطربة تمارس ثقافة الهدم وتفتقد الى ثقافة البناء والعطاء والايثار ، وتحمل من الحماقة والبلادة والعبودية مالانجدة في زعماء وقادة وحكماء العالم المتحضر ، بعد ان تحول القادة العرب وبطانتهم الفاسدة من المثقفين الى دراويش وتيوس مستعارة وأصوات نشاز تحاول اغراق الشعوب في الوهم القاتل والسراب الضائع.

لاحضنا زعماء وعلماء ومثقفين أدمنوا الاستبداد والطغيان وخدروا شعوبهم بالخطب الرنانة والوعود الكاذبة والافكار المتطرفة والثقافات المسمومة والاراء المنحرفة التي أدت الى صناعة سلسلة من الاجيال المعاقة في العقل والتفكير والرأي والقيم والانسانية للتمتع بالسلطة والتسلط ، واكتناز المال الملوث والسفريات المشبوهة والفنادق الملعونة والارصدة الحرام التي أصطادة الكثير من كبارنا الذين تحولوا الى اقزام بعد ان كشفت الازمات السقوط المريع للمتلونين في فنادق العم سام والمتحولين في غرف الخليج وشاليهات اسطنبول وغيرها من الاغراءات.

وما حديث معظم العلماء والمثقفين في المساجد والمدارس والمجالس والمحاضرات والندوات عن القرآن الكريم والسنة النبوية ، والثقافة الاسلامية والمذاهب السياسية والمشارب الفكرية الحديثة إلا وسيلة لتحقيق مآرب شخصية ومصالح انتهازية ومعارك جدلية بعيدة عن الاهداف والمقاصد النبيلة التي تطمح الى بناء مجتمات مثالية وانظمة حكم شوروية وفقاً لرؤية المعتزلة ، ومدن فاضلة على طريقة بن خلدون التي تسمو فيها لغة التسامح والتعايش والعدالة والمساواة والعلم والمعرفة والمساهمة في ارساء قواعد الامن والاستقرار والحضارة الانسانية.

ان عرب الامس ومسلمي اليوم يدفعون ضريبة كبيرة نتيجة لثقافة الجهل والتضليل والانتقام والثأر والحقد والكراهية والفجور و تزوير التاريخ ، بعد ان فصلوا نصوص القرآن الكريم وفقاً لمقاسات وأهواء حكام الخلافة والولاية والوراثة والاستبداد بعيداً عن الشورى ، وفسرو السنة النبوية الشريفة وفقاً لهوى النفس ورغبات الطغاة وشرور العقل السياسي المريض ، وصار فريق مع القرآن الناطق وآخر مع الصامت وثالث مع التفسير العلمي ورابع مع السنة وخامس مع التشيع وسادس مع الشيوعية والماركسية ، والناصرية والبعث والليبرالية وأصبحنا مذاهب وشيع ونحلل وملل لتدمير ذاتنا وجيراننا والكوكب الذي ندور في فلكه، وكلما دخلت أمة لعنة أختها، رغم ان تلك الافكار والنظريات ماهي إلا وسائل تمكن الانسان من ادارة شؤون الحياة بنظام حتى لايفقد توازنه وبما يفيد الانسان الذي جعله الله خليفة في الاض.

وأجمل مافي الكون عندما ترى رعوي يمني في واشنطن او قبيلي في الصين او دشمان في باريس و معمم في تركيا وابو الريش في الامارات ودحباش في الرياض وزنقول في موسكو وتاجر في القاهرة وسياسي في لندن ، وتربوي في اليونسكو وطبيب في المانيا ومهندس في قطر وقاضي ومحامي هنا وهناك يمثلون خلاصة الخلاصة في مشاربهم الفكرية ، لكنهم يتحولون " فجأة" الى تجار حروب ومسوقي فتن وابواق للتآمر وأصوات نشاز تسعى لتدمير النسيج الاجتماعي وتفكيك الوحدة الوطنية ، تحت وهم انهم المصلحون بينما الحقيقة انهم مفسدون ولكن لايشعرون.

وأوضع من ذلك عندما تسمع وتشاهد زعيم دجال وقيادي افاك ومعلم كذاب ومثقف مزيف واعلامي مبتذل ومفكر متطرف وسياسي أمعة ودبلوماسي منحرف ، وناصري بلا مبادى ومؤتمري بلا بوصلة واشتراكي منتهي الصلاحية واصلاحي مُفسد وبعثي ميت وهاشمي متغطرس وشيخ بواب ومشرف نصاب ، بينما القليل منهم جديرون بالاحترام.

والسؤال الذي يطرح نفسه اليوم هل آن الاوان لمراجعة النفس ووخز الضمير ووقف الفوضى ونزيف الدم والدمار واستحضار قيم التسامح والتعايش والسلام والتنمية ، والتطلع الى القدوة الذي يمضي في احداث ثورة علمية وثقافية تحترم عقل الانسان وكرامته وهويته الوطنية بعد أن شارك الجميع في هدم البيت اليمني وصرنا مسخرة العالم قيادات واحزاب ومواطنين ، أم ان حليمة تفضل الرقص وفقاً لعادتها القديمة ؟.

shawish22@gmail.com

حول الموقع

سام برس