بقلم/معن البياري
يعرف رئيس حكومة الوفاق الليبية، فايز السرّاج، أنه كان يتلو مزاميره في الهواء، لمّا طلب، يوم الجمعة الماضي، من الولايات المتحدة وبريطانيا وإيطاليا والجزائر وتركيا، تفعيل الاتفاقيات الأمنية التي وقعتها دولة ليبيا معها، و"مساعدة حكومة الوفاق في صد العدوان على طرابلس من أي مجموعةٍ مسلحةٍ خارج شرعية الدولة". ولكن السرّاج يعرف أيضا أنها تركيا وحدها من بين هذه الدول الخمس يمكن أن تفعلها وتستجيب، بعد أن سارع برلمانُها إلى المصادقة على اتفاقيةٍ تجيز ما قاله الرئيس أردوغان أمس عن دراسة حكومته الخيارات الجوّية والبرّية والبحرية، لإسناد حكومة السرّاج ضد اعتداءات ما يسمّي نفسَه "الجيش الوطني الليبي" ويقوده الماريشال المتمرّد، خليفة حفتر.

وليس سرّا أن عتادا عسكريا وصل، أخيرا، من تركيا لقوات حكومة السرّاج التي تحوز شرعية دولية معلنة، ولا تحوز ما تحتاجه من دعم عملي وميداني كما الإسناد العسكري الذي يحظى به حفتر من الإمارات ومصر وروسيا وفرنسا، بعضُه ذائع وآخر غير مباشر وبعض آخر سرّي معلوم، وتعرف الأمم المتحدة تفاصيل التفاصيل، وقد قال رئيس بعثتها في ليبيا، غسّان سلامة، إن خرق تصدير السلاح إلى هذا البلد منذ إعلان حفتر أول ساعات الصفر (أربعا صِرن أخيرا)، في إبريل/ نيسان الماضي، تم 45 مرّة. وصار معروفا، قبل أيام، إنه إلى جانب الطيران الإماراتي الذي يقصف، بين مرّة وأخرى، في مصراتة وغيرها، إن أبوظبي زوّدت حفتر، أخيرا، بطائراتٍ مقاتلة من دون طيّار اشترتها من الصين.

تصعيد الرئيس أردوغان تصريحاته، والتي تُنبئ عن استعدادٍ تركي معلن عن الدخول عسكريا في ليبيا انتصارا لحكومة الوفاق، يتوازى مع تحفّزٍ مصري، وزيارة وزير خارجية اليونان بنغازي، واجتماعاته مع حفتر وحكومة عبدالله الثني الموالية للأخير، وذلك كله وغيره في أجواء تسخينٍ شديدة الحرارة، تبعث على التحسّب من احتكاكٍ عسكريٍّ مباشرٍ في الأجواء والأراضي الليبية تكون تركيا طرفا وازنا فيه.

والبادي أن السرّاج يأمل أمرا كهذا، وربما يشتهيه، سيما وأن الضغط العدواني من حفتر وحلفائه وداعميه ليس هيّنا، وقد يُنجز مفاجآتٍ غير سارّة في أي وقت، وقد استجدّت لدى هؤلاء الحلفاء والداعمين بواعثُ تأخذهم إلى استعجال الحسم الميداني، تحسّبا من مستجدّاتٍ غير مستحسنةٍ يأتي بها الوقت، ومن هذه البواعث اتفاقا التعاون الأمني وترسيم الحدود البحرية الموقّعين بين حكومة الوفاق وأنقرة.

وميدانيا، وعلى الأرض، تبدو الخرائط مواتيةً أكثر لمحور حفتر مما هي عليه لتركيا البعيدة، والتي لم تهيئ ما يلزم لوجستيا لوجودٍ عسكريٍّ برّيٍّ وجويٍّ في ليبيا. ولكن الحديث هنا عن تركيا، القوة الخبيرة والأطلسية وذات الإمكانات التي لا يمكن الاستهانة بفاعليّتها وقدراتها، في وسعها أن تفعل الكثير، وهي منذ بدأت، قبل أيام فقط، تجهر باستعدادها الفوري لنصرة حكومة طرابلس عسكريا، برّا وبحرا وجوّا، غيّرت كثيرا في معادلات الملف الليبي العويصة.

ولأنها تركيا، في مواصفاتها هذه، المعلومة لخصومها قبل أصدقائها، جاء الحوار الروسي معها، في الموضوع الليبي الحرج، ليس فقط في اتصاليْن هاتفيين بين الرئيسيْن، أردوغان وبوتين، بل أيضا في مباحثات وفدٍ عسكري واستخباري في موسكو، تُجيز توقعات مراقبين وترجيحاتهم بأنّ تفاهما بين الجانبين قد يُنجز حالةً مختلفةً عن التي تشتهيها أبوظبي والقاهرة وباريس، من قبيل أن يكفّ خليفة حفتر عن بثّ ساعات الصفر المتتالية، فيوقِف اعتداءاتِه التي يدفع مدنيون ليبيون كلفةً باهظةً جرّاءها.

وإذا كان معلّقون قد اجتهدوا ووجدوا في التفاهمات الروسية التركية بشأن سورية وشمالها قياس الغائب على الشاهد، فذلك غير مستبعد، إلا أن المشابَهة المفترضةَ تقتضي عدم تغييب أن الإرادة الروسية هي الأقوى هناك في سورية، وأن حسابات موسكو هي التي تتحكّم بالتفاصيل العملية وتستثمر الثغرات غير القليلة في بنود هذا الاتفاق وذاك. وبهذا، يمكن القول إن تفاهما روسيا تركيا بشأن ليبيا، في مؤدّاه العام، لن يسرّ حفتر وحلفاءه، ولكنه لن يُضعفهم، وهذه نتيجةٌ، في سياقٍ إقليميٍّ شديد الصعوبة على حكومة طرابلس، في وسع فايز السرّاج أن يحسبها تلبيةً لواحدةٍ من مزاميره، لمّا طلب عوْن خمس دول.

نقلاً عن العربي الجديد

حول الموقع

سام برس