بقلم/ سعدية مفرح

على هامش ما يحدث في أميركا حاليا، لا بد لنا من اعتراف فردي وجماعي عنوانه "يا عزيزي كلنا عنصريون"، على نمط اسم الفيلم العربي "يا عزيزي كلنا لصوص".

نعم، يا عزيزي، نحن كلنا عنصريون، شئنا أم أبينا، اعترفنا أم لم نعترف، انكشفنا أم لم ننكشف، عوقبنا على ذلك أم كوفئنا، هنا أم هناك. المهم أننا فعلا عنصريون، ولكن بتسمياتٍ مختلفة، وبمصطلحات تجميلية ترضينا وترضي الآخرين، ولكنها ينبغي ألا ترضي ضمائرنا، أو بنسب مختلفة تجعلنا نتغاضى عنها إن انخفضت قليلا مقارنة لها بما يرتفع منها لدى آخرين مثلا.

قليل من الرصد والمراقبة لكل أشكال سلوكنا الأخلاقي تجاه الآخرين المختلفين عنا يمكننا من اكتشاف حتى ما خفي من تلك العنصرية.

تأتي العنصرية مثلاً تجاه فئة أو شريحة من الناس تتفق الأغلبية حولنا ضدها، وبالتالي، تجمل النظرة العنصرية الفردية تجاهها وتجعلها شيئاً عادياً، أي أن نكون عنصريين في وسط يمارس العنصرية أسلوب حياة، والأخطر أنه لا يسميها عنصرية، فتجمّل العنصرية في الانتماء القبلي، ليكون اسمها أهمية التكافؤ في النسب مثلا، وتكون مقبولة اجتماعيا، على الرغم من أنها، وبوضوح شديد، عنصرية كاملة الدسم، ونقيصة أخلاقية وفقا للمفهوم العام والحر لمصطلح عنصرية، لكنها تصبح شيئا آخر، بل وربما تصبح مفخرة أو شيئا يدعو إلى التباهي بها، وإلى تكريس قيمة القبيلة نفسها، إن مارستها القبيلة فرديا أو جمعيا. وكلما مارست تلك القبيلة المزيد والعميق من العنصرية بحجة المحافظة على دمائها النقية، كانت أكثر شرفا في سلم الشرف الاجتماعي.

وهكذا في بقية المكونات البشرية للمجتمع، على صعيد الأسرة الكبيرة أو الصغيرة ووفقا للاختلافات المادية والاجتماعية وحتى اللونية، فنحن قد نكون عنصريين في البيت وفي العمل وفي الشارع وفي أي مكان بنسب مختلفة، تساهم، إن انخفضت دون المتعارف عليه علنيا، في خديعتنا أنفسنا بأننا غير ذلك! والأخطر من هذا كله أننا عنصريون فعلا، ولكن من دون أن نشعر، أو إما أن نكون عنصريين من دون أن ندري، ومن دون أن نشعر. وطبعاً كلما ازدادت مهارتنا في إخفاء معالم عنصريتنا كنا أكثر عنصرية في الواقع.

كيف ننجو من هذا الداء الذي اسمه عنصرية؟ لن ننجو إلا إن اعترفنا أولاً بعنصريتنا، وتأكدنا من رغبتنا الحقيقية في التخلص الكلي منها، وبعدها أيضا لن ننجو إلا بمقدار، والنجاة الحقيقية لنا، بوصفنا بشرا، من وباء العنصرية، هي في استمرار النظر إليها ممارسة قبيحة واستمرار محاولة النجاة منها، ولو على سبيل التمظهر أو التمثيل، فهذا يعني أننا نخجل منها، ونخجل من الاعتراف بأن ما نقوم به هو عنصرية، فالبشر محكومون بفكرة نحن وأنتم أو نحن وهم، أو أنا وأنت أو أنا وهو، على الرغم من أن الخطاب الديني (في كل الأديان تقريبا) يقول كلكم لآدم، فهو يعيدنا إلى فكرةٍ بشريةٍ واحدة، مرجعيتها العنصر ذاته.

ولكننا، ومنذ الوعي بوجودنا ذاك، ربما وتدريجيا تحولنا إلى فكرة الاختلاف بيننا بناءً على الأفضلية الذاتية. وهذا يعني أن العنصرية مكتسبة ومتوارثة، ثم أنها مكرّسة بالاكتساب والتوارث. والدليل على ذلك أن الأطفال على سبيل المثال يولدون بعيدا عن تلك الفكرة، ويتعاملون مع أقرانهم حولهم بغض النظر عن الاختلافات التي يراها الكبار، ولكن التربية أحيانا هي التعريف الحقيقي لتحويل الفرد من إنسان طبيعي إلى إنسان عنصري، سريعا ما تبدأ بتدجينهم وتحويلهم إلى نسقها العنصري بنسب مختلفة، وفقا لنوع التربية والقائمين عليها في البيت والمدرسة والجامعة والشارع والمجتمع ككل! ليس أمامنا إذن سوى مواجهة ما نحن فيه، وعدم الاستمرار في الخديعة الذاتية.. ولو على مستوى فردي، أولاً على الأقل. فهل نحن فاعلون؟

نقلاً عن العربي الجديد

حول الموقع

سام برس