بقلم/ محمد العزيزي

كثر اللغط و الحديث من وقت إلى آخر عن قدرات أنصار الله في الحرب و الاستمرار فيه و بزخم عالي ، و كذا عن إمكانية و قدرت إيران في إمداد جماعة الحوثي بالسلاح و العتاد لمواجهة تحالف دعم الشرعية كما يسمونهم ، و أن هذا الإمداد الإيراني لجماعة أنصار الله بهدف إطالة أمد الحرب في اليمن و منعا لعودة حكومة و شرعية هادي إلى اليمن و السلطة و كذا منعا لأي تفاهمات  للتوصل إلى اتفاق سياسي يفضي إلى سلام دائم و ينهي الصراع .

و يذهب آخرون من أصحاب التحليلات السياسية بالقول أن أمداد إيران للحوثي بالسلاح لأجل أن تحقق أو تحصل إيران على  مكاسب سياسية و اقتصادية و بالإضافة إلى أن  إيران تناور بالملف اليمني والمقايضة به  بملفاتها الشائكة مع دول العالم و الخليج ،  إلى جانب محاولة إيران بهذا العمل التوسع الفكري و التمدد المذهبي و الايدلوجي في المنطقة العربية و رسم ما يسمى بالهلال الشيعي ، و جعل الحوثي شوكة في خاصرة دول الخليج و الكثير الكثير من التحليلات و التوقعات و التكهنات لتفسير تدخلات إيران و استمرار الحرب على اليمن التي تقترب من نهاية عامها السادس و دخولها العام السابع .

بعيدا عن كل هذه التحليلات و التكهنات في البحث كيفية حصول الحوثي على السلاح ، فإننا نعلم جميعا علم اليقين أن الحرب انطلقت على اليمن بقيادة السعودية و بدعم غربي و عربي و أعلنت الحرب من واشنطن العاصمة الأمريكية عشية ال 25 من مارس 2015 م ، عقب فرار الرئيس هادي إلى عدن و منها إلى السعودية بعد أن حاولت جماعة أنصار الله اللحاق به و قصف قصر معاشيق بعدن.

خلال تلك الليلة العصيبة على اليمنيين كان التحالف العربي الداعم لإعادة شرعية هادي قد أعلن حصاره المطبق على اليمن جوا و بحرا و برا ، و منع دخول السلاح إلى البلاد أو إمداد الحوثي و أتباعه بالسلاح ، بالإضافة إلى تدمير السلاح و مخزون الدولة منه بقصف المعسكرات و تدمير منظومة الرادارات و الدفاع الجوي.

إذا و بالمقاربة العلمية و العملية و بالمنطق و العقل كيف سيدخل السلاح سواء الإيراني أو غيره إلى الحوثي و الحصار مطبق و تحالف الحرب على اليمن هو المتحكم الوحيد فيما يدخل إلى اليمن ، حتى و إن دخل السلاح فعلا عن طريق التهريب فكم هذه الكمية و هل تكفي للحوثي أن يحارب و يقاتل ست سنوات متتالية دون توقف ، و هناك على الأقل 45 جبهة عسكرية مفتوحة و مشتعلة و المواجهات مستعرة و تحتاج هذه الجبهات لكميات مأهولة من السلاح و المعدات و الآليات و غيرها من الإمكانيات ، بيد أن الحرب تأكل و تدمر آلاف المعدات و الآليات العسكرية ، فضلا عن السلاح الخفيف و المتوسط و الثقيل ، و تفوق دول التحالف على الحوثي جوا بالطائرات الحربية و السلاح الحديث و الأقمار الصناعية و القوة البشرية.

و هنا قد يتساءل البعض إذا من أين يحصل أنصار الله الحوثي على السلاح في ظل حصار ثلاثي الأبعاد بحرا و جوا و برا و تدمير كبير للسلاح عبر القصف و المواجهات العسكرية في جبهات القتال المحتدمة؟ .

في اعتقادي أن الجواب سهل و بسيط و يمكن لنا و لأي متتبع حصيف أن يلاحظ و يجبيب على السؤال كيف يحصل و يصل السلاح للحوثي ؟!

أولا جماعة أنصار الله و منذ سيطرتها على الدولة و هروب هادي و حكومته إلى خارج البلاد فإن الحوثي حصل على كمية و مخزون كبير جدا من السلاح  كان بحوزة الدولة منذ أن تأسست الدولة بعد ثورة 26 سبتمبر 1962م وصولا إلى مخزون صالح يعجبك ، صحيح أن هذا المخزون تعرض للنهب و السلب و القصف المباشر للمخازن و المعسكرات من قبل تحالف دعم الشرعية إلا أن كميات كبيرة جدا سيطر عليها الحوثي و أعاد توزيعها و تخزينها من جديد.

ثانيا : تحالف دعم الشرعية و الجيش التابع لحكومة الشرعية كانوا جميعهم سند و داعم للجان الشعبية و الجيش اليمني التابعة لحكومة الإنقاذ و الخاضعة للحوثي ، كان يتمثل هذا الدعم  على مرأى و مسمع الجميع و لم يخجل هؤلاء مجتمعون ( تحالف الشرعية و جيشها الوطني ) من تسليم السلاح للحوثي ، كلنا تابعنا عندما حاصرة اللجان الشعبية و الجيش التابع لصنعاء  عدة ألوية عسكرية تابعة لحكومة الشرعية في وادي بني جبارة مديرية كتاف في محافظة صعده ، و أسر الحوثي حينها أكثر من ألفين جندي و ضابط و اغتنام تلك الألوية العسكرية بكل عدتها و عتادها و معداتها ،  و  مثلت هذه العملية العسكرية  فضيحة عسكرية في التاريخ العسكري و المعاصر أن يتم أسر قوات ألوية عسكرية و لم يتدخل تحالف الشرعية و الحكومة في نجدة تلك القوة العسكرية و هم يمتلكون القوة الضاربة جويا بالطائرات الحربية و الجيش المرابط في محافظات أخرى و من خلفهم أيضا العديد من المعسكرات.

أيضا كلنا تابع تلك المشاهد التي بثها الحوثي عبر وسائل الإعلام ( الإعلام الحربي )  عندما سيطر على مديرية نهم و جبالها و معسكراتها شرق العاصمة صنعاء و فرار جيش الشرعية هاربا إلى مارب و سقوط المعسكرات بيده و امتلك سلاحا بكميات تجارية تكفي الحوثي يقاتل بها لسنوات قادمة ، حتى مدفع جهنم أصبح جيش صنعاء يمتلكه ، ليس هذا و حسب بل ظل جيش حكومة صنعاء يطارد جيش الشرعية و تحالفهم حتى سقطت محافظة الجوف بكل معسكراتها و سلاحها و عدتها و عتادها و عددا من معسكرات مديريات محافظة مارب ، بما احتوت هذه المقرات العسكرية من سلاح و ذخيرة .

لم تكتمل تلك المشاهد و ذلك الدعم السخي للتحالف السعودي و الشرعية  الذي حصلت عليه حكومة صنعاء الخاضعة للحوثي عند هذا الحد بل سلمت لهم سلاح جديد و كما يقولون بالقراطيس و مخازن كثيرة في جبهات عدة ، كان آخر هذه المسلسلات الدراماتكية ذلك السلاح الذي اغتنمه الحوثي في جبهات البيضاء و على وجه الخصوص مديريتي قانية و ولد ربيع و المديريات المجاورة ..

كل هذا السلاح و الدعم الكبير الذي قدمه التحالف و حكومة الشرعية ممثلة بجيشها ، و يأتي سخيف و متنطع و محلل سياسي يستغبي الناس ليقول لهم أن إيران هي من تسلح الحوثي و يريدون إيقاف هذا الدعم الإيراني و لا ينصح التحالف و حكومة الشرعية بإيقاف ذلك الدعم أولا و من ثم يتحدث عن دعم إيران.

ثالثا : تخيلوا أن الحوثي بلجانه الشعبية و الجيش يحصل على السلاح و يدفع نقدا لشراءه و امتلاكه ، و لكن من من ؟ و هذه هي الطامة الكبرى أن يشتري الحوثي من جيش الشرعية حيث ينسق قادة عسكريون تابعون للشرعية بشراء السلاح مقابل أموال نقدا يتسلمونها من أنصار الله ، ليأتي مغفلون و مزايدون يرمون عصيهم و حبالهم السحرية بالقول إيران وراء كل ذلك في اليمن و هي من تمد الحوثي بالسلاح ، و لا يعلمون أن إيران تعد شماعة لتصفية حسابات إيرانية خليجية ، و اليمن هي أرض و ميدان المعركة لهذا الصراع و تصفية الحسابات .. و إلا لماذا تقدم السعودية و حلفاؤها ذلك السلاح لجماعة الحوثي و هي تشتريه بمليارات الدولارات و تسلمه بتلك السهولة.

المضحك المبكي أن البعض من هؤلاء يذهبون في قراءاتهم إلى أبعد من ذلك بالقول أن الطرفان الحوثي و السعودية متفقان على الشعب اليمني طالما و السعودية بهذه الطريقة تقدم الدعم  و بالتالي هي تخطط للحافظ على بقاء الحوثي و أتباعه مسيطرين على شمال الشمال اليمني و هي ترغب بوجودهم ؟!!

لكني أرى بأن هذا الوصف غير دقيق و مجافي للحقيقة لسبب بسيط أن الطرفان يختلفون فكريا و ايدلوجيا و من المستحيل أن يلتقيان لأن كل طرف يرى أن الطرف الآخر خطرا عليه هذا من جهة ، و من جهة أخرى أن المخرج الحقيقي للحرب على اليمن و منفذها السعودية و حليفاتها يهدف في إطالة أمد الحرب إلى بقاء اليمن في حرب استنزاف بشرية و اقتصادية و تدمير للاقتصاد القومي للشعب و قدراته و إمكانياته و أيضا السلاح و جوانب القوة و كذا تدمير النسيج الاجتماعي في كل أنحاء اليمن سواء تلك المجتمعات الخاضعة للشرعية أو في مناطق الحوثي . 

و لمن لا يعرف فإن أقذر الحروب هي حرب الاستنزاف التي تدمر كل ما ذكرناه سلفا ، و هذا الأمر لا يقتصر على أنصار الله كهدف للحرب و لكن على الطرف الآخر حكومة الشرعية التي تخسر هي أيضا القوة البشرية و المالية و العسكرية  و الذين يذهبون ضحايا للصراع  هم في الأخير يمنيون و من أبناء جلدتنا،  وصولا في نهاية الحرب الاستنزافية إلى تدمير الشعب المنهك أصلا ، و من خلال هذه السياسة المفروض على اليمن بشقيه ( الحوثي و الشرعية)  سوف يفرض تحالف الحرب على الشعب اليمني بأطرافه المتناحرة الآن ، اتفاق سياسي و قوى سياسية بعينها لتحكم اليمن كملاذ و طوق نجاة للشعب اليمني و قواه المتصارعة و المنهك بالحرب  و مقبولا لدى السعودية و حلفاؤها و متفق عليها من الدول العظمى ، و تقبلها كل الأطراف المنهكة و كل أبناء الشعب الراغب بالعيش الكريم بعيدا عن الحرب و الصراعات.

حول الموقع

سام برس